تبقى القضية الفلسطينية من أولويات السياسة الخارجية للجزائر التي دافعت ومازالت تدافع عنها على مر عقود من الزمن، من خلال تقديم دعمها المادي والمعنوي لها، فضلا عن التضامن الشعبي الذي يعتبر القضية العادلة مبدأ مقدّسا، ما يبرز مكانتها الكبيرة في وجدان الشعب الجزائري رغم بعد المسافة الجغرافية بآلاف الأميال. وقوف الجزائر إلى جانب الشعب الفلسطيني ليس وليد اليوم، بل يعود إلى فترة الأربعينيات عندما اغتصب الكيان الصهيوني "أرض كنعان" رغم أن الجزائر كانت ترزح تحت نير الاستعمار الفرنسي آنذاك، ليبقى هذا الموقف ثابتا حتى بعد الاستقلال، حيث واصلت دعمها للقضية العادلة بكل ما أوتيت من قوة. ويكفي أن إعلان قيام الدولة الفلسطينية كان على أرض الجزائر في 15 نوفمبر 1988، له أكثر من دلالة، حيث يعكس ذلك ثبات وصدقية موقف الجزائر تجاه أم القضايا، خاصة في الظرف الدولي الصعب الملغّم بالكثير من الضغوط والابتزاز والمساومات، ما يجعلنا نستبعد قبول أي دولة أخرى احتضان مثل هذه الخطوة الجريئة. وظل موقف الجزائر تجاه القضية ثابتا حتى في أحلك الظروف التي مرت بها خلال العشرية السوداء، حيث لم تتخلّف يوما في دفع مساهماتها المالية للسلطة الفلسطينية، فضلا عن تقديمها هبات مالية في كل مرة يتعرض فيها الشعب الفلسطيني لجرائم يرتكبها الكيان الصهيوني في الأراضي المحتلة. فالتاريخ التضامني للجزائر مع فلسطين ثري جدا، ويكفي أن نستدل في هذا الصدد بمواقفها الأخيرة على مستوى مجلس الأمن غداة طوفان الأقصى، حيث استغلت منصبها كعضو غير دائم للمرافعة ليلا نهارا عن الشعب الفلسطيني، من خلال تسليط الضوء على جرائم الكيان الصهيوني في قطاع غزّة، فضلا عن جهودها المكثفة من أجل التوصل إلى قرار وقف لإطلاق النّار الذي تعثّر لمرات بسبب حق النقض الأمريكي. كما نجحت بعثة الجزائر بمنظمة الأممالمتحدة، في إنعاش القضية الفلسطينية المغيّبة لسنوات بعد أن قلب طوفان الأقصى الموازين في منطقة الشرق الأوسط التي كانت مفتوحة على خيارات جديدة، أريد من خلالها طمس "القضية الأم" وتعميم موجة التطبيع على المنطقة العربية، لتعود القضية لتتصدر الاجتماعات الدولية عبر الحديث عن حتمية إقامة الدولة الفلسطينية. فالجزائر التي تشغل منصبها في مجلس الأمن للسنة الثانية تظل "حامية ظهر فلسطين" ببراعتها في إدارة الاجتماعات وتكثيف جهود الكولسة لكسب المزيد من التأييد بين الدول الأعضاء لدعم القضية، التي لم يسبق لها أن شهدت زخما كالذي تشهده اليوم، بعد سياسة التجاهل التي عانت منها لعقود من الزمن، في الوقت الذي يحظى فيه الكيان الصهيوني بدعم من حلفائه الغربيين. فموقف الجزائر تجاه القضية لم تؤثر عليه الظروف، في الوقت الذي تسعى فيه دوما لإقناع الأطراف الفلسطينية بتوحيد صفوفها لتحقيق هدف الاستقلال، وبما أن صوتها في الهيئة الأممية مسموع فإن ذلك يمكنها من تقديم المزيد لصالح القضية بقرارات فعّالة لحماية حقوق الشعب الفلسطيني ليس فقط في الجانب الإنساني، حيث لم تتأخر الجزائر عن المساهمة في إعمار ما دمره الكيان الصهيوني في الأراضي المحتلة، بل أيضا في الجانب السياسي من خلال العمل من أجل الوصول إلى إقامة دولة فلسطينية.