قبل يومين، احتفل المسنون في شتى أصقاع العالم بعيدهم العالمي، يوم حددته الجمعية العامة للأمم المتحدة بناء على ظروف قاهرة كان يعيشها المسنون تحت وطأة الإهانة والظلم والإهمال من قبل ذويهم، لتجعله محطة هامة في حياتهم لرعايتهم، وسنت بذلك جملة من القوانين تحفظ لهم ذلك. ... غير أن ديننا السمح كان قد شرع من فوق سبع سماوات منذ أكثر من 14 قرنا ما يحفظ كرامة كبار السن بما يجلب لهم الاحترام والمكانة التي تليق بهم، وفي ذلك آيات كثيرة تدعو إلى وجوب توقير الكبار والاعتناء بهم، وعززت ذلك أيضا سيرة المصطفى محمد صلى الله عليه وسلم، الذي كان يدعو صحابته وأهله ويشدد عليهم في ضرورة العناية بكبار السن وإعانتهم والإحسان إليهم والرفق بهم، وهو من منع أحد صحابته من الجهاد ونصحه بالبقاء بالقرب من والديه لأولوية ذلك وعظمته عند الله عز وجل من فضل الجهاد. وبالرغم من كل ذلك، وإن كانت مسألة احترام كبار السن لا تحتاج إلى قوانين مشددة ولا لردع وضوابط أخرى، إلا أن هذه الفئة لم ينل بعضها حتى الجزء الأدنى من الاحترام والتقدير في مجتمعنا الجزائري، وفي كل يوم تطرح المئات من القضايا على المحاكم تتعلق كلها بضرب الأصول والتعدي عليهم من قبل ذويهم، وهو مؤشر سلبي يبرز بوضوح بعض الأمراض الاجتماعية التي أصبحت دخيلة على طبيعة مجتمعنا، وللأسف هي في انتشار مستمر.. ويكفي أن تمنح لمسن واحد فقط بعض الوقت لتكشف أن وراءهم حكايات يندى لها الجبين من عقوق والتعدي عليهم بالضرب وطردهم مثلما حدث مع الحاجة مليكة صاحبة 86 سنة، التي انفجرت بالكلام بمجرد التقرب منها واسترسلت في بضع دقائق تشتكي مر أيامها التي فقدت فيها منزلها جزاء إحسانها، وتحكي الحاجة مليكة قائلة عن مأساتها، أنها لم تكن تتصور بعدما أحسنت لابنة زوجها المتوفى وبعد تربيتها وعنايتها التامة لها وتزويجها، أن تقوم برهن بيت الحاجة مليكة في السر بعدما رفضت بيع بيتها، وهي الآن في حيرة من أمرها بعد اكتشاف ذلك وتتوقع طردها في أي لحظة، خاصة وأنها وحيدة وليس لها أولاد ولا إخوة... قد تكون هذه واحدة من آلاف الحكايات التي تجسد معاناة هذه الفئة التي لم تنل حقها من الاحترام والتوقير كما أمرنا ديننا ورسولنا بذلك، وحتى من الجانب القانوني، فإن المشرع الجزائري لم يهتم لبهذه الفئة بالقدر الكافي ولم يضمن حقوقها، إذ نجد في قانون العقوبات كله مادة واحدة فقط تخص هذه الفئة وتتعلق بهم في حال التعدي على الأصول من قبل فروعهم، وهناك إشارة غير صريحة إليهم في مادة أخرى تفرض رعايتهم إن كانوا ذوي عاهات مستديمة، وما عدا ذلك يقول الأستاذ المحامي مهدي جباري، محام لدى المجلس الأعلى، لا توجد هناك أي نصوص أخرى تحدثت بصريح العبارة عن هذه الفئة. من جانب آخر يضيف المحامي جباري، لا تحتاج مشاعر الاحترام والتقدير لهؤلاء في الحقيقة إلى قوانين ولا إلى ردع، بل تحتاج إلى نوع من الاعتراف بفضلهم على الأقل وعدم الوصول إلى ما لا يحمد عقباه وتبلغ مثل هذه القضايا المحاكم وتنشر في صفحات الجرائد. ويضيف، رغم ما يلقاه هؤلاء من إهانة وتعد وضرب، إلا أن البعض من هذه القضايا يسحب ويغلق ملفها بعدما يتنازل أحد الوالدين عنها مخافة تشديد العقوبة على ابنه أو ابنته، وذلك لحكمة الأبوة والأمومة التي استودعها فيهما خالقنا عز وجل.