الظروف الاقتصادية والاجتماعية كالفقر، البطالة، توتر العلاقة الزوجية، تفكك الأسرة بعد الطلاق وتخلي العائلة عن مسؤوليتها تجاه أبنائها وما ينجر عنه من تسرب مدرسي وأزمات نفسية، غالبا ما تؤدي بصاحبها إلى الانحراف والسلوكات العدائية تجاه الأفراد والمجتمع، هي أهم الأسباب التي تدفع بأصحابها إلى ممارسة سلوك التسول وحتى التشرد، حسب ما وصل إليه تقرير حول التشرد والتسول أعدته لجنة الشؤون الاجتماعية والحركة الجمعوية للمجلس الشعبي الولائي بقسنطينة. التقرير خلص إلى أن دوافع التسول قد تكون ناجمة عن مرض نفسي، إدمان على التسول أو مرض عقلي أو حتى حب في جمع المال والاستكثار منه، وبذلك يتحول الموضوع إلى استثمار في تجارة سهلة ورائجة رغم تنافيها مع قيم الأخلاق الإنسانية. اللجنة التي أعدت التقرير وقفت على بؤرة من بؤر الانحراف ومركز من مراكز انطلاق المتسولين نحو مختلف أنحاء المدينة، وهو حي قصديري غير شرعي يقع بالمنطقة الصناعية خلف سوق الجملة للخضر والفواكه، بالقرب من محشر البلدية للسيارات على حافة وادي الرمال. تقرير اللجنة اعتبر أن طريقة حياة هذه الفئة التي تعيش مغلقة على نفسها وفي تكاثر مقلق غير مقبولة تماما، خاصة من ناحية ممارستها اليومية للتسول، زواجها العرفي غير المسجل في الحالة المدنية للبلدية، حرمان أطفالها من المدرسة وممارستهما للسلوكات غير المحمودة ومنها اعتداءاتها التي طالت مرتادي سوق الخضر والفواكه والمحشر وحتى على المواطنين. البؤرة الثانية التي أشار إليها التقرير والتي وصفها بالمكان المفتوح للمتسولين والمتشردين، هي الساحات العامة، الشوارع ومحطات المسافرين بمدينة قسنطينة، والتي تمتد حتى إلى بعض بلديات الولاية، حيث يضطر بعض المتسولين المتشردين للعيش في العراء ويعانون من قساوة تغيرات الطقس. ورغم أن قانون العقوبات يجرم ظاهرة التسول في المادة 195، بعقوبة الحبس من شهر إلى 6 أشهر لكل من اعتاد ممارسة التسول في أي مكان، والمادة 196 التي تحدد تعريف المتشرد بأنه كل من ليس لديه محل إقامة ثابت ولا وسائل عيش ولا يمارس عادة حرفة أو مهنة رغم قدرته على العمل، وتنص على عقوبة التشرد بالحبس من شهر إلى 6 أشهر. ورغم أن الإسلام لم يستحسن هذه الظاهرة، بل اعتبر المتسولين طفيليات تعيش على حساب الذين يكدون في عملهم وأن الأموال التي يجمعها المتسولون هي سحت حرام لا يحق لهم فيها، وأن سؤال الناس أموالهم حرام على الإنسان إلا في حالة الضرورة القصوى، إلا أن الظاهرة في ارتفاع ومحترفي مهنة التسول يتحدون الرقابة والمتابعة أمام مرأى الجميع، خاصة مجموعات الأطفال من الجنسين الذين لا تتعدى أعمارهم 12 سنة والذين يتنقلون بين السيارات متسولين أحيانا وتجار متجولين أحيانا دون أن يستطيع أحد تحديد هويتهم، حيث أضحت هذه الظاهرة ديكورا مألوفا بوسط مدينة قسنطينة، خاصة بالقرب من حديقة بشير بن ناصر. هذا وقد أحصت الفرق المختصة التابعة لمديرية النشاط الاجتماعي خلال خرجاتها ال62 التي قامت بها السنة الفارطة، 93 شخصا متسولا، منهم 65 امرأة و5 أطفال، أما إحصائيات السداسي الأول لسنة 2009 فقد سجلت نفس الفرق 27 شخصا متسولا منهم 15 امرأة و5 أطفال. وحسب تقرير لجنة الشؤون الاجتماعية والحركة الجمعوية، فإن التعافي من ظاهرتي التسول والتشرد نهائيا غير ممكن، لأنه وبكل بسلطة لا يكاد أي مجتمع من المجتمعات يخلو من التسول والتشرد مهما كانت درجة رقي هذا المجتمع، لكن التقرير اقترح إنشاء لجنة مشتركة من الشؤون الاجتماعية والنشاط الاجتماعي والأمن والحماية المدنية وأطباء نفسانيين ومنظمات حقوق الإنسان، لتجسيد واقع الظاهرتين واتخاذ الإجراءات المناسبة، كما طالب التقرير بتطبيق العلاجات الاستعجالية بقسنطينة والتي أضحت مطلبا ملحا، حيث اقترح أعضاء اللجنة، ضرورة إشراك المؤسسات المعنية بما فيها المجالس المنتخبة للتصدي لمثل هذه الظواهر مع ضرورة إشراك المسجد وتطبيق القوانين بصرامة، مع اقتراح إنشاء شرطة اجتماعية على غرار شرطة العمران لملاحقة الظاهرة.