يدخل العديد من الاشخاص قاعات المحاكم بغرض الاطلاع على مجريات محاكمة البعض من ذويهم أو معارفهم، لكن كثيرا ما يجدون أنفسهم في قفص الاتهام بسبب مخالفة نظام الجلسة في قاعة المحاكمة، ومن باب التوعية ارتأت »المساء« أن تسأل أهل الاختصاص عن طبيعة المخالفات التي قد ينجر عنها الطرد أو السجن. يغيب الهدوء في كثير من الأحيان عن قاعات المحاكم، وهو ما يبدو جليا للعيان، من خلال حركات الذهاب والاياب لرجال الشرطة الذين يتحولون اثناء تأديتهم لمهامهم في قاعات المحاكمة الى ما يشبه »مربين« في رياض الاطفال، حيث يحذرون ذلك ويوبخون ذاك او يطردون البعض بأمرمن رئيس الجلسة... فظاهرة الفوضى التي تسود بعض قاعات المحاكم كثيرا ما تعكر عمل القضاة الذين يجبرون والحال هكذا على اداء دور »الحراس« الى جانب مهامهم، بسبب سلوكات اشخاص لا يتعاملون مع المحكمة على انها مكان محترم لديه نظامه الخاص، وهو ما يتنافى تماما مع مضامين المواد (144)، (146) و(147) من قانون العقوبات، المرتبطة بالجنايات والجنح التي يرتكبها الأفراد ضد النظام العمومي، اذ تنص المادة (144) على أنه: » يعاقب بالحبس من شهرين الى سنتين وبغرامة من 500 الى 500دج كل من أهان قاضيا او موظفا أو قائدا أو ضابطا عموميا أو أحد رجال القوة العمومية، بالقول او الاشارة او التهديد او بإرسال أو تسليم أي شيء إليهم بالكتابة أو الرسم غير العلنيين، أثناء تأدية وظائفهم أو بمناسبة تأديتها، وذلك بقصد المساس بشرفهم او باعتبارهم أو بالاحترام الواجب لسلطتهم، وتكون العقوبة الحبس من سنة الى سنتين إذا كانت الإهانة موجهة الى قاض او عضو محلف أو أكثر قد وقعت في جلسة محاكمة أو مجلس قضاء«. كما يرد في المادة (147): الأفعال الآتية تعرض مرتكبيها للعقوبات المقررة في الفقرتين (1) و(3) من المادة (144): - الأفعال والأقوال والكتابات العلنية التي يكون الغرض منها التأثير على أحكام القضاة طالما أن الدعوى لم يفصل فيها نهائيا. - الأفعال والأقوال والكتابات العلنية التي يكون الغرض منها التقليل من شأن الأحكام القضائية والتي يكون من طبيعتها المساس بسلطة القضاء واستقلاله. إهانة القضاة ! ويقر العديد من الخبراء في القانون، أن مخالفة نظام الجلسة في قاعة المحكمة، ظاهرة يومية تعرقل سير عمل القضاة والمحامين، كما تتعب رجال الشرطة الذين لا يتوقفون طوال الجلسة عن توجيه الملاحظات والإنذارات للبعض من الحاضرين. وبهذا الخصوص ذكرت محامية التقتها »المساء« بمحكمة عبان رمضان، أن جلسة المحاكمة تؤول في بعض الأحيان الى مرتع للبكاء والعويل كرد فعل على الأحكام التي تصدر ضد المتهمين، وإذا كان القاضي يتغاضى عن المواقف الصادرة عن المتهم او أهله مراعاة لحالاتهم النفسية التي تكون تحت تأثير الصدمة حين صدور الحكم، إلا أن الأمر قد يؤدي الى المحاكمة في حالة ما إذا كان الاعتراض على الحكم مرفوقا بشتم أو سب موجه ضد القاضي. حالات عدة أدينت بتهمة إهانة القاضي، فصدرت في حقها أحكام، منها حالة شاب أهان القاضية بكلام يخدش الحياء مؤخرا على مستوى محكمة بينام بعد أن صدر في حقه حكم يقضي بالسجن لمدة خمس سنوات بتهمة المتاجرة في المخدرات، مما أدى بالقاضية الى رفع دعوى قضائية ضده انتهت بمعاقبته بسنة سجنا. وفي واقعة مماثلة، أحالت مؤخرا قاضية بمحكمة سيدي امحمد، أحد الموقوفين على التحقيق، بعدما أسمعها كلاما فاحشا إثر صدور الحكم. واتفق خبراء في القانون استجوبتهم »المساء«، على أن الجهل كثيرا ما يكون سببا في إحداث أجواء الفوضى أثناء المحاكمات، ومن الأمثلة على ذلك مشهد بعض المتهمين الذين لا يمثلون أمام القاضي إلا وهم محاطون بمجموعة من الأبناء أو الأهل، وهو سلوك مرفوض قانونا. وحسب محدثينا، ليس الجهل في كل الاحوال مشجبا لتعليق المخالفات التي يرتكبها المتقاضون أو ذووهم، فبعض الآداب بديهية، إلا أن البعض يدسون عليها دون وضع أي اعتبار لدرجة خطيئتهم.. ولعل رنين الهواتف أهم عنوان ل»اللااحترام« الذي تقابل به الآداب والأخلاقيات، مما يجعلها من المنغصات التي تلازم قاعات المحاكمة على الدوام، ولهذا السبب كثيرا ما يتم حجزها لمعاقبة الأشخاص الذين لا يلتزمون بإقفالها قبل دخول القاعة. والملفت أيضا، هو أن القاضي كثيرا ما يجد نفسه متفرجا على وقائع مشادات تحدث بين طرفي القضية، خاصة عندما يتعلق الامر بالأزواج الذين تجرهم قضايا النفقة الى المحكمة، وقد لا ينتهي الشجار إلا بعد أن يصدر رئيس الجلسة أمرا يقضي بطرد المتخاصمين. ولا ينشب الشجار في كل الأحيان بين المتهم والضحية، إنما كثيرا ما تدور وقائعه بين الشرطي وبعض المواطنين ممن تحول ذهنياتهم دون الالتزام بآداب الجلسة وتعليمات رجال الأمن. ويضيف مصدر مطلع أن بعض مرتادي قاعات المحاكم، يسمحون لأنفسهم بالأكل ومضغ اللبان، اضافة الى الدردشة التي تكسر صمت قاعات يفترض انها وجدت للمحاكمة وليس للأحاديث الشخصية، فرغم أن الوثيقة التي تتضمن القانون الخاص بمخالفات الجلسة منشورة أمام مداخل قاعات المحاكمة، إلا أن الهوة بين الغاية المنشودة من القانون والواقع أثناء الجلسات عميقة، فالمفترض ان يكون الدخول الى القاعات مقتصرا على الاشخاص الذين يحوزون على الاستدعاء، لكن الذي يحدث غالبا هو ان المتقاضي يوجه بدوره دعوة الى كل ابناء الحي ليحضروا وقائع الجلسة! ويجمع أهل الاختصاص على ان تصرفات بعض المواطنين في قاعات المحاكمة، وإن كانت تعكس الجهل بأبجديات الثقافة القانونية، إلا أنها على صعيد آخر، تترجم تدني مستوى التربية ككل، وما الأوساخ التي يخلفها البعض داخل القاعات، سوى دليل على ذلك.