أكد الرئيس عبد العزيز بوتفليقة أن التراجع الكبير في عائدات الجزائر لن يثني الدولة عن مواصلة جهودها في اتباع سياسة اجتماعية ومحاربة البطالة وتنفيذ مشاريع التنمية، ودعا الشركاء الاجتماعيين والاقتصاديين إلى استغلال اجتماع الثلاثية القادم لمرافقة الحكومة في مسعاها نحو خلق اقتصاد لا يعتمد كلية على عائدات النفط. وأطلق الرئيس بوتفليقة لدى تدخله خلال اجتماع مجلس الوزراء المجتمع أول أمس رسائل مطمئنة بخصوص النهج الذي تتبعه الدولة في مجال الاهتمام بالجانب الاجتماعي، وسطر في هذا السياق مسار تحرك الحكومة في هذا الشأن على ضوء التحولات الاقتصادية العالمية المتسمة بأزمة مالية تضررت منها كل اقتصاديات العالم، وامتدت آثارها بشكل غير مباشر إلى الجزائر بفعل انخفاض عائداتها البترولية وتدني مستوى سعر برميل النفط في الأسواق الدولية. ورغم هذا التدني وتقلص العائدات السنوية إلى النصف مقارنة بالسنة الماضية، حيث بلغت في الأشهر التسعة الأولى من السنة الجارية 31 مليار دولار مقابل 63 مليار دولار في نفس الفترة من السنة الماضية، إلا أن الرئيس عبد العزيز بوتفليقة أصدر أوامر للحكومة لمواصلة السياسة الاجتماعية، وجهود محاربة البطالة التي شرع في تنفيذها قبل أكثر من عشر سنوات، وفي هذا السياق قال "إنه بالرغم من الانخفاض الذي تشهده الإيرادات حاليا فإن الدولة عازمة على مواصلة جهودها الضخمة في مجال السياسة الاجتماعية ومحاربة البطالة". وتطبيقا لتوجيهات الرئيس بوتفليقة فقد جاء مشروع قانون المالية للعام القادم المصادق عليه من طرف مجلس الوزراء على نحو يسمح بتنفيذ هذه السياسة، ورصدت لها الدولة مبلغا ماليا ضخما يقدر ب1000 مليار دينار موزعة على جميع القطاعات المعنية بهذه السياسة، وعليه تم تخصيص 453 مليار دينار للمؤسسات الاستشفائية وذلك بزيادة تفوق 88 بالمئة مقارنة بالسنة الماضية. وتضمن مشروع القانون اعتمادات مالية موجهة للرفع من منح المتقاعدين منها 37 مليار دينار للمساهمة السنوية في صندوق احتياطي التقاعد و190 مليار دينار للمساعدات العمومية الموجهة لدفع منح التقاعد والمنح الضعيفة وللتعويضات الإضافية الموجهة للمتقاعدين وأصحاب المعاشات من مختلف الشرائح الاجتماعية. كما قررت الدولة مواصلة دعم أسعار الحبوب والحليب والماء ونقل البضائع إلى جانب الخدمات التي تقدمها مؤسسات عمومية ذات طابع اقتصادي لفائدة السكان من خلال تخصيص غلاف مالي قدره 260 مليار دينار. وفي إطار مواصلة الدولة لجهودها في تقديم الإعانة للفئات المحرومة في قطاع التعليم العالي والتربية والتكوين فقد تم رصد 29 مليار دينار موجهة لفائدة المتمدرسين من أبناء الأسر المحرومة والزيادات في منح الطلبة والمتربصين ابتداء من الدخول الخاص بالسنة الجارية، إضافة إلى تخصيص 10 ملايير دينار لتعويضات ضحايا الإرهاب والمأساة الوطنية. ومن جهة أخرى وتنفيذا لقرار الرئيس عبد العزيز بوتفليقة بمراجعة الأجر الوطني الأدنى المقدر حاليا ب12 ألف دينار نحو الارتفاع والمرتقب الاتفاق حول قيمة الزيادة في اجتماع الثلاثية المقبل فقد نص مشروع قانون المالية 2010 على تخصيص 230 مليار دينار لتبعات مراجعة الأجر وتطبيق النظام الجديد لتعويضات الموظفين. ولمواصلة مسعى التخفيف من حدة البطالة التي بلغت حسب الإحصائيات الرسمية الأخيرة 11.3 بالمئة بعدما كانت 11.8 بالمئة العام الماضي، وتجاوزت 29 بالمئة عام 1999، فإن مشروع قانون المالية للعام القادم تضمن اعتمادات مالية بأكثر من 100 مليار دينار تصب في سياق إنعاش آليات خلق مناصب شغل، وتم توزيعها على النحو الآتي: منها 84 مليار دينار لتمويل منح التضامن الجزافية وإنشاء مناصب شغل مؤقتة و24 مليار دينار لجهاز المساعدة على الاندماج المهني و10 ملايير دينار موجهة لصناديق الضمان الاجتماعي تعويضا عن تخفيضات الاشتراك التي يستفيد منها أرباب العمل في إطار إجراءات تشجيع المؤسسات على إنشاء مناصب الشغل. ومن زاوية تشجيع المؤسسات على إنشاء مناصب شغل فقد تم تخصيص250 مليار دينار لتشجيع تشغيل الشباب والاستثمار الاقتصادي منها 38 مليار دينار مساعدات لإنشاء مناصب الشغل من قبل الشباب و106 ملايير دينار لمساعدات الاستثمار الفلاحي و100 مليار دينار لدعم الاستثمار الصناعي. وتراهن الحكومة على القطاع الصناعي والفلاحي لامتصاص اليد العاملة باعتبارهما قطاعين واعدين في الجزائر ولم تستغل بعد جميع الإمكانيات المتاحة. ولكن السياسة الاجتماعية للدولة في الظرف الحالي الذي يعرف تدني مستوى عائدات الجزائر من النفط، يستوقف الجميع للمساهمة في الجهود المبذولة لخلق اقتصاد بديل عن المحروقات يجعل مستقبل البلاد من منأى عن التبعية الحالية لسوق النفط التي تتميز بالتقلب وعدم الاستقرار، ودعا الرئيس عبد العزيز بوتفليقة المتعاملين الاقتصاديين المحلييين والعمال إلى مزيد من التعبئة "حتى تنجح بلادنا في تحقيق انطلاقة اقتصادية حقيقية ذلك أن هذه الانطلاقة هي الشرط اللازم لدعم وثبة النمو الذي نشهده منذ بداية هذا العقد والمضي به قدما وهي تحظى بجهود الدولة الدائمة مثلما تؤكده جميع الإجراءات التي سبق اتخاذها وبالخصوص تلك التي اتخذت في غضون هذه السنة"، وأشار إلى أن التراجع الحالي لأسعار المحروقات "جاء ليذكرنا جميعا فردا فردا -وأنا آمل ذلك- بحاجتنا الماسة إلى تعبئة مواردنا وجهودنا الجماعية" ووجه بالمناسبة رسالة إلى أطراف الثلاثية الذين سيجتمعون قريبا للنظر في هذا الموضوع بكل جدية.