يحيي، اليوم، الشعب الجزائري، ذكرى انطلاق أعظم ثورة في التاريخ الحديث، منتصرا في كل مناسبة احتفائية لقيم الحرية والاستقلال، ومساندا في ذلك كل أحرار العالم الذين لا يمكنهم إلا التوقف عند معاني هذه الثورة واستخلاص العبر منها على الدوام. بالأمس، كانت رمزا بل منهاجا متميزا في الحرية والانعتاق، فكان أول نوفمبر عنوان ثورة ليس كمثلها ثورة، فكان اسمها ثورة الجزائر التحريرية، التي رسم فيها مخططوها ومفجروها، الطريق نحو التحرر والاستقلال ليس فقط للجزائريين، وإنما لكل الشعوب التي عرفت وتعرف الاستعمار. وإذا كان بيان أول نوفمبر، شاهدا على ميلاد ثورة وانتصارها على استعمار دام 132 سنة، فإنه أيضا يعتبر بحق الكتاب الوحيد الذي عرفته البشرية في العصر الحديث حول فلسفة الثورة. فالبيان يؤكد لكل المفكرين والقادة الثوار في العالم أن واضعيه حددوا فيه النصر وسبيله، وقدموا من خلاله فلسفة الثورة التي لا تنتهي عند دحر المستعمر وإعلان الاستقلال، بل ثبتوا استمرار قيم الحرية والسيادة في ظل ثورة البناء والتشييد وفي إطار الاحترام الكامل لقيم المجتمع الجزائري الذي احتضن الثورة ومنه جاء بيان أول نوفمبر، متجاوزا كل الإيديولوجيات والفلسفات الثورية، عندما حدد شكل ومضمون دولة الاستقلال التي ينشدها الشعب الجزائري من خلال الثورة التحريرية. وجاء البيان مستلهما للتاريخ ومستشرفا للمستقبل، حيث نص على بناء دولة حرة ديمقراطية واجتماعية في إطار المبادئ الإسلامية. وكانت هذه المقاربة ناجحة وستظل، وذلك من عظمة ثورة نوفمبر الخالدة، وبيانها الذي لم نعثر على بيان مثله إلى اليوم في الثورات السابقة، ونعتقد أنه لن يكون له مثيل في الثورات اللاحقة.