تشهد الحركية التجارية برياض الفتح منذ سنوات عديدة تراجعا ملموسا وذلك نتيجة ضعف إقبال الزوار، ورغم تحركات أصحاب المحلات من أجل إنقاذ أول مركز تجاري يؤسس في الجزائر، إلا أن إدارة ديوان رياض الفتح تبقى عاجزة عن تجديد هذا الفضاء، حسب بعض التجار الذين اقتربنا منهم، بسبب ضعف ميزانيتها بعد توقيف مساعدات الدولة سنة 1989، حسب مصدر من الديوان الذي أشار إلى أن موارد إدارته محدودة جدا، علما بأن بعض التجار تصريحاتهم لنا، يتهمون الإدارة بإهمال أدوارها الأساسية، ولاسيما فيما يتعلق بصيانة وتجديد هيكل المركز، حتى يكون واجهة جديدة يسمح بإعادة استقطاب الزوار· رياض الفتح التحفة المعمارية المصنوعة من الزجاج والاسمنت المسلح التي شيدت في أعالي العاصمة من طرف الشركة الكندية "لافالين" دشنت في شهر فيفري 1986 من طرف الرئيس الأسبق الشاذلي بن جديد لكي يكون "مركز الفنون رياض الفتح"، معلما ثقافيا، اجتماعيا واقتصاديا عالميا، علما بأن جزءا كبيرا من المحلات التي تحتضنها كانت مخصصة للنشاطات الثقافية، فإلى جانب محلات بيع البيتزا والمطاعم وقاعات الشاي، كان المركز يحتضن نشاطات أخرى مثل المكتبات، قاعات السينما، الصناعات الحرفية، الأدوات الموسيقية، مواد التزيين والدهن وورشات للحرفيين ومسرحا للأطفال···فكانت الفنون والثقافة والتجارة كلها مجتمعة في هذا المركز، الشيء الذي نجح في استقطاب الزوار الذين كانوا يجدون ضالتهم في هذا الفضاء· لكن الواضح هو أن "مركز الفنون" فقد مجده في السنوات الأخيرة ليتحول إلى مركز تجاري عادي بعيدا عن المهام الأصلية التي أنشئ من أجلها، لكن يبدو أنه لم ينجح أيضا في أن يكون مركزا تجاريا بدليل تراجع الحركية التجارية به، ربما بسبب الشهرة التي اكتسبها والمتعلقة ب "الأسعار الباهظة المطبقة"، إلا أن التجار الذين اقتربنا منهم يطرحون انشغالات أخرى تتعلق أساسا بالصيانة· وبمجرد تخطي مدخل المركز تظهر جليا رموز التدهور بدءا بالنافورة التي توقفت، كما أن الخزف الذي كان يزين الأحواض وجدران المركز فقد لمعانه، بل وحتى البلاطة والرسوم المربعة بدأت تتصدع، ونفس الشأن بالنسبة للمصاعد التي توقفت عن الاشتغال، هذا إلى جانب مشكل الإنارة، وغياب الصناديق المخصصة لرمي النفايات، وكذا الأحواض الترابية التي هيئت في مختلف الزوايا، والملاحظ هو أن جميع طوابق المركز تشهد نفس درجة الإهمال· أما الغابة التي هيأتها الشركة الكندية لاستقبال عشاق الطبيعة والنباتات للتنزه والاسترخاء، فهي أيضا تشكو الإهمال، فمن خلال التجول عبر المسالك المهيأة بالقرب من قرية الفنانين، أول ما يلفت الانتباه هو غياب المقاعد، حيث يبقى عدد قليل منها يشهد على إنجازها، كما أنه رغم صمودها أمام عوامل الطبيعة، إلا أنها لم تستطع مقاومة الأعمال التخريبية للإنسان في غياب أشغال الصيانة والتهيئة، فوضعية "قرية الفنانين" لا تختلف كثيرا عن الحالة التي آل إليها المركز، فالنشاط التجاري لم يعد يجلب الزوار، والعدد القليل للزبائن اليوم يتمثل في الأزواج الذين يبقى هدفهم الأول ليس استهلاك المنتوجات التجارية، وإنما الخلوة وقد لا يتردد البعض منهم على القيام بأفعال مخلة بالحياء أمام الملأ· ويجمع أصحاب المحلات بأن كل هذه المعطيات أثرت على نشاطهم التجاري، وكانت على حساب نوعية الخدمات التي يقدمها مسيرو وقاعات الشاي والمطاعم والمثلجات وجميع محلات الحرفيين، كما أن بعض التجار عمدوا إلى تخفيض أسعار منتوجاتهم من أجل استعادة الحركية الضائعة واستقطاب الزبائن، لكن دون جدوى على حد تأكيد بائع للأقمشة الذي ينشط في رياض الفتح منذ 21 سنة، موضحا بأن "مقام الشهيد" اشتهر ب "المبالغة" في أسعار مختلف المنتوجات التي يقترحها، وهو غير صحيح على حد تأكيده، مشيرا أن أصحاب المحلات التجارية لرياض الفتح يطبقون اليوم نفس الأسعار المقترحة خارج المركز، بل وأدنى منها في بعض الأحيان، فالمشكل - حسبه -يكمن في ظهور "مراكز تجارية" جديدة بنقاط أخرى عديدة، كما أن المواطن يفضل الشراء بالقرب من بيته، وهو الشيء الذي أدى إلى نقص الإقبال على رياض الفتح· وإلى جانب أشغال الصيانة الدورية للمركز، يرى بعض مسيري المحلات التجارية الذين اقتربنا منهم بأنه يجب إنشاء محطة للنقل بالقرب من رياض الفتح، حيث لا توجد في الظرف الحالي وسائل تضمن نقل المواطنين إلى المركز، باستثناء سيارات الأجرة و "الكلاندستان"، هذا إلى جانب مشكل نقص الأمن رغم تجنيد عدد كبير من أعوان الديوان للسهر على أمن وسلامة قاصدي المركز، حيث أن أهم مشكل يواجه مجمع رياض الفتح اليوم هو انعدام الجانب الأمني وتفشي بعض أنواع الآفات الاجتماعية، لاسيما عندما نعلم بأن مجمع رياض الفتح يضم اليوم 17 ملهى، منها 10 متواجدة داخل المركز، فهذا العدد الهائل من لملاهي الليلية المركزة في مساحة صغيرة جدا حوّل مجمع رياض الفتح إلى بؤرة حقيقية للفساد، ويكفي زيارة المركز ليلا خصوصا في نهاية الأسبوع للوقوف على التجاوزات التي تسجل، حيث أن الكثير من الساهرين وقاصدي هذه الملاهي ينهون سهرتهم في أقسام الشرطة أو في المستشفيات، وكم كان تأسف المكلفين بالأمن على مستوى رياض الفتح كبيرا للحالة التي آل إليها هذا المعلم بسبب نوعية الزبائن الذين أصبحوا يرتادون المكان، حيث أن أغلبهم من أصحاب السوابق العدلية والمدمنين على المخدرات ومختلف أنواع الممنوعات، وبالتالي فإن التعامل معهم يبقى خطيرا على حد تأكيد محدثينا الذين أوضحوا بأنهم غير مسلحين· وفي هذا الشأن كشف مصدر من ديوان رياض الفتح بأن مصاريف ضخمة مترتبة تضاف إليها نفقات جمع النفايات التي تصل إلى 400000 دج شهريا، هذا إلى جانب مصاريف إبادة الجرذان التي تقدر ب 350000 دج شهريا، إضافة إلى صيانة الإنارة، التهوية وغيرها··· علما بأنه "يجب شراء قطع الغيار من الخارج لأن التجهيزات من صنع أمريكي وكندي ولا يمكن العثور عليها في الجزائر" حسبما أوضحه لنا المتحدث ذاته، مؤكدا بأن كل هذه المصاريف تجعل مداخيل الديوان غير كافية لتغطية جميع هذه النفقات، خصوصا وأن بعض الوكلاء يرفضون تسديد أعباء الكراء، كما أن الديوان لا يتلقى أي إعانة من الدولة للمجمع، يضيف محدثنا· من جهة أخرى كشف مصدرنا بأن ظهور الملاهي الليلية بالمركز يعود إلى سنوات التسعينيات، فعند تدشين مجمع رياض الفتح سنة 1986 لم يكن يحتوي إلا على مرقص واحد، حيث أن هذه التغيرات التي حدثت على مستوى نشاطات المحلات في مجمع رياض الفتح كانت إبان العشرية السوداء التي دفعت بالكثير من أصحاب المحلات إلى التخلي عنها مقابل مبالغ رمزية عن طريق التنازل، بإعتبار أن المحلات هي من أملاك الدولة وأصحابها مجرد مستأجرين فقط· وقد راهن المستأجرون الجدد حسب محدثنا على إعادة بعث النشاط التجاري من جديد في رياض الفتح عن طريق تحويل المحلات إلى النشاط الليلي، بالحصول على رخص لبيع المشروبات الكحولية في إطار ما يسمى "بالعشاء الراقص" وبسبب قانون حظر التجول في التسعينات، ولأن الزبائن لم يكن بإمكانهم مغادرة المكان ليلا، قامت ولاية الجزائر بإصدار رخص لكل من طلبها وهي الرخص التي مازالت تنشط بها كل هذه الملاهي حتى الآن· لكن هذه الملاهي كانت لا تزال تسبب الفوضى والشجارات إلى غاية الساعات الأولى من فجر كل يوم، والعديد منها اليوم محل استياء واحتجاج أصحاب المحلات وكذا أعوان الأمن الوقائي الذين يستنجدون في كل مرة برجال الشرطة لوقف الشجارات بين شباب مدمن على المخدرات حسبما أوضحه لنا التجار، كما أنها وراء الصورة السيئة التي اكتسبها رياض الفتح اليوم، الشيء الذي جعل العائلات تنفر من هذا المعلم، الذي فقد جاذبيته وبريقه·