تمر سنة والقدس مفتاح كل قلب عربي نصبت على نبضاته منابر الحب والدفء وقرعت على أوجاعه أجراس الوفاء ونداءات العودة، القدس رغم محاولة الصهاينة تزييف أزقتها وتشويه شوارعها وتحييد كنائسها ومساجدها إلا أنها مازالت تتنفس ثقافتها العربية وتصنع الحدث اليومي بالمقاومة والثقافة. قد كان من الحلم الذي سيتحقق وتنتصب فيه منابر الشعر والمسرح والموسيقى والمحاضرات كما هي المآذن وأجراس الكنائس لتحكي حكاية القدس العربية وتنقش وشما على ميلادات الأطفال الذين تم طعنهم في الانتماء والهوية كلما استخرجوا شهادات ميلادهم التي زورت بشهادات أممية بعيدة عن الحدث ولا تحسن من ثقافة القدس وتعاليم الأنبياء إلا الأسماء. القدس تسكن سنة كاملة الذاكرة العربية، تعبر شوارع العواصم المزدحمة، تتصدر جدران الأبراج الناطحة للسحب، وتسترجع الذاكرة في قراءة عابرة للتاريخ. بصمات الشعراء الممهورة بصوت فيروز المستصرخة بمظفر والصائتة بدرويش تكتب الثقافة العربية معصبة بها رأس القدس الذي عبث به الصداع الصهيوني رغم المسكنات العربية التي لم تعد تجدي نفعا لتخفيف الوجع الذي تم تسجيله كورم خبيث لا يمكن البرء منه إلا باستئصاله. القدس التي أظهرت كل جسدها المثخن، قرأت كل ما قيل فيها من مراثي وعزاء، لم تعد قصائد الغزل والمدح تهز مشاعرها المحترقة، لم يضرب الزيف الصهيوني حارة المغاربة ويواصل فتح أخاديده في شرايين الأقصى ولا في تدمير البيوت القديمة واقتلاع أشجار الزيتون التي تحفظ الهوية وتتنفس الهواء العربي، بل امتدت تشويهاتها للاستيلاء على كل ما هو عربي أصيل لتعلن له ميلاد ا مزورا اسمه إسرائيل ،الطعام الفلسطيني، اللباس، الرقص، العادات والتقاليد حتى الأوشام الفلسطينية يريد الصهاينة الاستحواذ عليها وتفكيكها والادعاء أنها تراث إسرائيلي رغم الزيف الذي يفضحهم لأنهم القادمون الجدد نحو الشرق وهم لا يحسنون عاداته وتقاليده ولا يتخلقون بأخلاق أنبيائه ولا يسلكون أفعال الرسل إلا أنهم يكذبون في كل شيء حينما يتهمون عروبة القدس بغير أصالتها وأن صوتها العربي لم يكن موجودا. تمر سنة كاملة والقدس عاصمة الثقافة العربية تأكل كل يوم يمر بها بمرارة وحسرة راسمة صورة للأقصى وأخرى للزيتون باحثة في خرائب غزة عن بقايا طفل حاولوا تشويه صورته العربية فصرخ ملء جرحه أنا القدس رغم الفسفور الأبيض، رغم الانفجار الكبير، رغم الشجر المحروق، السماء والأرض عربية، كلمة الله عربية، استأصلوا المآذن، حاولوا تعطيل الأجراس حتى لا تقرع، فليس هناك بين أضلاع القدس إلا نبضات الأقصى تتنفس الثقافة العربية، سيجوا الصلوات بالحرس، أغلقوا نوافذ الساحات عن القادمين، فكل الأرواح تذهب لتصلي، لتستمع لما يقوله إمام القدس على منبره القرآني وهو يستلهم ليلة الإسراء والمعراج. تمر سنة كاملة على القدس عاصمة للقلوب العربية، القدس تسكن أفئدة العواصم القريبة البعيدة، تصنع الحدث العربي وأخباره العاجلة، تندلع حريقا في أعين شعوب جلست لمشاهدة الموت في خجل الشوارع المختبئة والمتواطئة مع كل الجرائد والانتفاضات الفضائية التي أنهكت أطفالها بالحصار والجدار. القدس عاصمة أبدية للثقافة العربية، هكذا كان النشيد الأخير، وهكذا سوف يتم تشييد بناء الحلم الأخير، وهكذا يتم تشييد الحلم في ذاكرة الأطفال الذين ولدوا في مخيمات المنافي، لكنهم يكتبون دائما القدس بأحرفها العربية. لم تجف الأقلام، لم تحبس الأصوات لأجل أن تبقى القدس عاصمة للثقافة العربية.