الوعي العربي هو السياج الواقي ضد أي محاولة من محاولات القوي الاستعمارية و الاحتلالية النيل من عروبة الأمة العربية و قوة صفها ، واستقلاليتها ،وسلامة عقيدتها الإسلامية ،و أصالة ثقافتها العربية ،و وحدة كلمتها الحقيقية التي تظل تساند قضايا الأمة العربية، و لعل الإعلام العربي الرسمي و الغير رسمي هو المسئول الوحيد عن غياب أو حضور هذا الوعي و تصديه لتلك المخططات التي إن استمرت سوف تكون هي المسيطرة على الوعي العربي بكاملة ، بل و المحرك الرئيس لتوجهاته من فترة إلى أخري . لا نريد من الوعي العربي أن يستيقظ عند كل حدث و بفعل الإعلام فقط و يقول كلمة و ينام بعدها نومته المعهودة أو يحرك الشوارع و العواصم و البلدان و يعود إلى مخلدة ، إنما نريده مطلعا بعيون ثاقبة وفي وعيه الكامل ليعرف ما يحدث من فترة إلى أخري ، ليس بفلسطين و حدها و إنما في كل البقاع العربية و إن يبقي متصلا بالجماهير التي تشكل القوة الوحيدة لإحباط كافة المخططات و إفشالها ، لكن الوعي العربي قد يكون أصيب في مقتل و قد يكون قد ابعد به بعيدا عن القضايا العربية التي تأجج فكرة و تنشط قوميته وتبقيه متيقظا و حاضراً في كل محفل، عند مخططات تهويد القدس عاصمة العرب و الحفر تحت المسجد الاقصي و دخول المستوطنين اليهود للصلاة في باحاته بل و الدخول لقبة الصخرة المشرفة و الاقتراب منها ،وقد يكون أريد بالوعي العربي أن يكون منقسما ، تابعا ضعيفا و تحت السيطرة ، لا نعرف مدي جبروت السيطرة ؟؟ و لا نعرف أن كان هذا ضمن خطة الحرب على فلسطين أم جاءت بالصدفة ؟؟ لعل توجيه الوعي العربي و تنميته و تقويته يتطلب اشتراك عوامل عديدة منها الرسمية و غير الرسمية و الشعبية و المؤسساتية الحقوقية و المجتمعية لتعمل معا لجعله و عيا عربيا مستقلا قادرا على التأثير و التغير في نفس الوقت و قادرا على قيادة نفسه بنفسه من واقع إيمانه بخطورة الموقف و ضخامة الحدث . إن حالة الاستيطان المستمرة في فلسطين و التي تلتهم الأرض العربية يوما بعد يوم و الحرب على القدسالفلسطينية و سكانها الذين عانوا ويلات الحقد الصهيوني و مازالوا يتصدون لكافة مخططات الحركات الصهيونية المتمثلة في إجراءات حكومة الاحتلال الصهيوني و التي تسعي من خلالها هذه الحكومة المجرمة إلى خلق واقع جديد لمدينة القدس العربية يتأتي معه إضفاء شكل يهودي صهيوني لكافة مكونات هذه المدينة العربية الإسلامية التاريخية من القضايا الهامة التي غاب عنها الوعي العربي حتى اللحظة . و للو عي العربي نقول أن ما تهدف إلية مخططات الحركات الصهيونية في القدس و الإجراءات التي تنفذها بلدية القدس هي إجراءات بجملتها و أدواتها و عناصرها من توجيه القيادة الصهيونية في إسرائيل ، فقد عمدت حكومة إسرائيل على اختلاف اتجاهاتها على الاستمرار في هدم البيوت العربية الفلسطينية و التي تأوي الآلاف من العرب الفلسطينيين و ترحيلهم من داخل المدينة و إحلال سكانا يهود متطرفين بدلا منهم و قد يكون هذا إجراء ظاهر قياسا مع الإجراءات الإجرامية التي تنفذها الحركات الاستيطانية من تزوير و سرقة لكافة الأشكال العربية في المدينة القديمة ،هذا بالإضافة إلى الحفريات التي ستكون نتيجتها انهيار ارضي ضخم يتسبب في تدمير المسجد الأقصى و قبة الصخرة المشرفة . إنها أكثر من حرب على سكان القدس العربية و بكل معانيها تزداد ضراوة يوم بعد يوم فالحرب لم تتوقف منذ احتلال القدس وضمها إلى الكيان الإسرائيلي فقد مورست الحرب منذ ذلك الحين ،و منع سكانها العرب من التوسع في مبانيهم أو البناء من جديد ،وصودرت العديد من بطاقات الهوية الخاصة بهم ،و منع أعضاء البرلمان الفلسطيني من الإقامة فيها أو افتتاح مكاتب لهم هذا إلى جانب العديد من الممارسات الاستيطانية إلى أدت إلى مصادرة الآلاف من الدونمات لإقامة أحياء يهودية بالبلدة القديمة و الأراضي الفلسطينية المجاورة. اليوم ازدادت حملة إخطارات الهدم من قبل بلدية القدس اليهودية و التي تنفذ المخطط التهويدي ، فقد خططت إسرائيل على إسكان وجلب مليون يهودي إلى المدينة المقدسة ضمن المخطط الصهيوني 2020 و الذي يهدف إلى إفراغ المدينة القديمة من السكان العرب الفلسطينيين وإجراء عملية الاستبدال حتى تصبح مدينة يهودية لا يمكن إدراجها ضمن حدود الدولة الفلسطينية القادمة ولم يقف الهدم عند هذا الحد فقد سلمت إخطارات بهدم 50 شقة سكنية عربية في حي أم خميس و اليوم بدأت إخطارات الهدم و الأمر بإخلاء البيوت الفلسطينية تنهال على السكان الفلسطينيين في حي العباسية و وادي حلوة و منطقة حي البساتين والطور و الشيخ جراح و العديد من الأحياء العربية بالمدينة بل و أصبح الإخلاء إجباريا ، فقد عمدت قوات الاحتلال الإسرائيلي إلى إخراج السكان الفلسطينيين و بيوتهم و رميهم بالشارع كعائلة الماوي و حنون . لعل اللافت للانتباه اليوم أن حركات تهويد القدس العربية أخذت بالتسارع و التصاعد من فترة إلى أخري و كأن حكومة الاحتلال الصهيوني تدرك أن الوقت أصبح في صالحها للاستكمال تهويد المدينة بالأخص و التمزق الفلسطينيين سيد الموقف و التشتت العربي يزداد يوما بعد يوم و الو عي العربي تحت السيطرة ، لهذا استغلت إسرائيل انشغال العرب و الفلسطينيين في أزماتهم السياسية الداخلية عن ما يدور بالقدس الآن، و بالرغم من تنبيه السلطة الفلسطينية لخطورة ما يجري على الأرض و الإسراع في إجراءات شعبية و دولية و حقوقية لتثبيت الحق الفلسطينيبالقدس و إيقاف هذه الحرب، إلا أن هذه الإجراءات أصبحت كمن يحدث نفسه لأنها لم تلقي الدعم العربي المطلوب على الأقل على صعيد المستوي الرسمي ولم تلقي الدعم الإعلامي المطلوب لتفعيل القضية على المستوي الدولي مثلها مثل أي حرب تشنها إسرائيل على أبناء الشعب الفلسطيني و هذا هو مسؤولية أصحاب الوعي العربي الرسمي و الغير رسمي. لقد بات مخيفا ما وصل إلية حال الوعي العربي و كأنه في حالة إغماء متعمد و إغماء طال أمده بالرغم من علم كافة الحكومات العربية بما يدور في القدس الآن و ذلك من خلال التواصل الفلسطيني الرسمي مع الأخوة الحكام العرب و الجامعة العربية و لجنة القدس . قد لا تكون مصادفة أن تكون القدس عاصمة الثقافة العربية للعام 2009و الفعاليات الثقافية و الوطنية الفلسطينية تلف العالم العربي و التي تركز على أن القدس عربية في ثوبها المرقع و أن القدس إسلامية و إن ضاعت القدس سوف لا يبقي للعرب بعدها حديث ، و ما يزامن هذه المظاهر الوطنية و العربية القومية هو تهويد حقيقي لكافة المعالم العربية بالمدينة و سحب كافة سكانها الفلسطينيين و ترحيلهم خارج أطار المدينة . إن ما ستصل إلية الأمور بالقدس العربية بعد حين ، أي بعد أن يستعيد العرب و عيهم الوطني و يتغلبوا على تشتتهم و انقسامهم و تجديد التفافهم حول القضايا الهامة و المصيرية سيجعل من القدس مكانا محرما على كل العرب الفلسطينيين و غير الفلسطينيين و ليس هذا فقط بل عندها ستكون أسوار القدس و بواباتها و شوارعها و حواريها و مساجدها و قبة صخرتها و مدارسها و كنائسها قد اختفت و أصبحت تحت الركام و البنيان اليهودي. لم يعد الوقت يسمح بمزيد من الصبر و التأني في هذه القضية الهامة التي تتعقد مع مرور الزمن و التي تصارع الأيام و لم يعد الوقت يسمع بالتأجيل إلى ما بعد الوحدة الفلسطينية أو العربية لان المطلوب من الأمة العربية و الشعب الفلسطيني يكبر يوما بعد يوم ، فلا بد من البدء فورا بإجراءات عربية رسمية و شعبية هامة تجعل من القدس البوصلة الأولى للإعلام العربي و يتبني عرض ملفات ذات أهمية كالقدس و مسلسل التهويد المستمر و مسلسل هذه الحرب التي لن تهدأ إلا بحرب أخري على الكيان الصهيوني حرب مقابل حرب ، حرب حقيقية تقودها المقاومة الفلسطينية داخل المدينة المقدسة تركز في عملياتها على النيل من المستوطنين الجدد القادمين إليها و مساكنهم و أملاكهم وكل ما يحاولوا تثبيته على ارض القدس العربية، فالمقاومة هنا عامل فاعل و هام في كبح جماح من يفكر من اليهود الإقامة في القدس الشريف على أنقاض البيوت العربية المهدمة و حرب إعلامية تتبني المقاومة و تساندها إعلاميا و تعبئ الوعي العرب ليحرك العواصم و البلدان من الآن فصاعدا و يبقي مساندا حقيقيا لكفاح أبناء الشعب الفلسطيني و الداعم الحقيقي لهذا الكفاح حتى إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة و عاصمتها القدس الشريف ، عاصمة كل العرب. د. هاني العقاد