لا نكون مجانبين للصواب إذا قلنا أن تأثيرات وباء "أ. أش1. أن1" عندنا في الجزائر سيكون أشبه بزلزال بومرداس أو فيضانات باب الوادي، اللذين كانا سبباً في تغيير فلسفة البناء والتعمير وفرض أنماط معينة ورسم سياسة جديدة في التعامل مع الإطار المبني مستقبلاً، فدروس حطام المساكن المتداعية والأغراض والأرواح المجروفة لا تزال لم تمح من الأذهان، حتى صرنا حينها نجزم أن الزلزال قدّم لنا خدمة كبيرة، وكان أحسن جهاز لفحص ملايين البنايات، دفعة واحدة، وكان قبلها طوفان باب الوادي خير مساعد على التفكير في حماية العاصمة، وبعدها المدن الأخرى من خطر الكوارث الطبيعية. وكذلك الحال بالنسبة لوباء أنفلونزا الخنازير الذي كان أكثر إثارة من بقية الأمراض كالإيدز مثلاً، واتصافه بسرعة انتقال العدوى، فبفضله دقت وزارة الصحة ناقوس الخطر، وحرّكت وسائلها المادية والبشرية، ووضعت خريطة جديدة للتغطية الصحية وتقريب هياكل الاستشفاء من المواطنين، مما لم نجده بهذا الشكل قبل ظهور المرض الجديد. وقد نتضجّر من وباء العصر ويتملّكنا الخوف والتوجّس، لكون فيروسه لا يفرّق بين الصغير والكبير والفقير والغني، ولا يمكن رؤيته كالحشرات الضارة الأخرى، بل لا نكون مغالين إذا اعتقدنا أن شتاء هذا العام سيكون ساخناً بالأحداث والإصابات على حد توقّع المختصين،لكن "رُبّ ضارة نافعة" فموجة الوباء جعلت الناس يغيرون جانباً من سلوكياتهم، ومنها الاهتمام بالجانب الوقائي المتعلق بالنظافة. ولم يكن بنو البشر في كل أصقاع العالم ينتظرون أن يخرجهم الخنزير من رتابة وعادات وتصرفات معينة، لتكون أنفلونزا هذا الحيوان المدجّن عامل تحولات اقتصادية وسياسية واجتماعية، تتكيّف مع الحدث، فالمطارات والموانئ والإدارات، والهيئات صارت تضع الجانب الصحي في مقدمة اهتماماتها بعد الأمن، وأضحت وسائل النظافة والتطهير والتعقيم مطلوبة بحدة، مما يعطي انطباعاً بأن نقمة المرض فيها منافع للناس، ومضارّ الوباء فيها محفزات للبشر على أن يحافظوا على أبدانهم من كل الفيروسات. وقد يكون المرض بمفارقاته وتطوراته غير المريحة شتاءً، مريحاً ومربحاً للمصنعين والتجار، لترويج مئات الأنواع من مواد التطهير والتنظيف، وطعماً للصحافة تجد في ذلك مادة إعلامية خصبة، لما يجره الوباء من "عنصر الأهمية والخطورة" ويجعل الصحفي يبحث عن الجديد يومياً، ولا ننكر في هذا الإطار أن لوسائل الإعلام تأثيراً كبيراً في التوعية والتحسيس، كما لها القدرة على الدعاية والترويج والتهويل، ولو خارج الأطر والأخلاق. وفي الوقت الذي نخشى فيه أن تظهر -كما طالعتنا بعض وسائل الإعلام- أنفلونزا الحيوانات الأخرى كالماعز والأرانب والكلاب والقطط وما إلى ذلك، فإننا نتساءل: لماذا لم تظهر مثل هذه الأوبئة في الأزمنة الغابرة؟ لتكون بداية الألفية الثالثة مؤشراً لظهور أدواء غريبة.