أصبح للكتب والثقافة مكان خاص في مقهى أدبي في شارع أحمد زبانة (العاصمة)، يفتح أبوابه من الصباح إلى المساء ليسمح لزواره بارتشاف كؤوس الشاي والقهوة في فضاء ثقافي، حيث يوجد 800 كتاب في رفوف المكتبة، إضافة إلى محاضرات فكرية وأخرى من رحم التاريخ في انتظار كل زائر على مدار الأسبوع لتقوده إلى جزيرة أدبية!. "الجزيرة الأدبية" هو اسم مساحة تجارية ثقافية افتتحت منذ شهر لتؤسس بذلك إلى فكرة الجمع بين غذاء البطن وزاد العقل، والتي كانت تراود بائع وناشر الكتب السيد سيد علي صخري منذ مدة.. وبهذا يكون له السبق في فتح مقهى لا يقدم المشروبات والحلويات فحسب، إنما يقدم إلى جانب ذلك الثقافة الكامنة بين أسطر الكتب ويضرب للزوار مواعيد مع المثقفين ورموز التاريخ. مجموعة من الانطباعات تخطر بالبال عندما يقرأ المرء عبارة "الجزيرة الأدبية".. ولإشباع الفضول كان لا بد من دخول هذا المقهى، حيث كانت لنا استراحة ودردشة عن تفاصيل هذا المشروع الجديد من نوعه في العاصمة. يقول صاحب المقهى الأدبي: "أنا شخص يعشق الفضاءات الثقافية، لكني وجدت أن هذه الثقافة غائبة في عدة أماكن على غرار المقاهي"... لكن لماذا المقاهي بالضبط؟ يعود محدثنا ليقول: "لقد فتح والدي مقهى منذ الستينيات في باب الوادي بالعاصمة، حيث يحلو للناس أن يجتمعوا لتبادل أطراف الحديث حول الحياة العامة وكرة القدم بوجه خاص.. لقد كبرت في هذا المحيط الذي تعد تجارته مربحة طالما أن العديد من الناس تستهويهم فكرة الجلوس مع الأحباء والأصدقاء في المقاهي، إلا أني كنت أشعر دوما بأنه يفتقر إلى وجود الكتب، وأنه يقصي شريحة الجنس اللطيف التي لا يمكنها أن تقتحم أمكنة رجالية محضة." ويستطرد: "فكرت في إيجاد فضاء يسمح بحضور المرأة التي لا تجد في الكثير من الأحيان مكانا تأوي إليه مقارنة بالرجل الذي يمكنه أن يقصد المقاهي".. وفعلا كان له ما أراد، فهو اليوم مشروع تجسد على أرض الواقع ببرنامج ثري يغطي ساعات ستة أيام من الأسبوع. أما عن طبيعة البرنامج المسطر للزوار في المقهى الأدبي، فهو متنوع يبدأ يوم السبت بجلسة أدبية ليكون الأحد فضاء حرا لكل من يريد أن يقرأ على الحضور نصا أدبيا من إبداعه.. أما يوم الإثنين فيخصص لعرض المشاكل المتعلقة بالكتاب، والتي ليس أقلها غلاء سعر الكتب، غلاء سعر الورق وعجز المدرسة عن تكوين أجيال تواظب على القراءة. ويضرب يوم الثلاثاء موعدا للطلبة الثانويين لحضور ملتقى خاص بالمهن، ففي كل أسبوع تتم دعوة صاحب مهنة معينة ليتحدث للطلبة عن خصوصياتها وصعوباتها، والهدف من ذلك هو أن يحسنوا اختيار مهنة المستقبل من خلال تجنب تلك التي لا يملكون مؤهلات لممارستها أو القدرة على تحمل متاعبها. في حين يتحول المقهى الأدبي يوم الأربعاء إلى مقهى فلسفي يتناول مواضيع متنوعة كتلك التي تتعلق بالهوية والتحليل النفسي.. وأخيرا يأتي الخميس ليكون يوما للإضاءة على الحقائق التاريخية. ليس من الغريب أن تسطع مثل هذه الفكرة في رأس ناشر وبائع للكتب، لكن ما هو سر الجمع بين نشاط تجاري وآخر ثقافي؟ يجيب السيد سيد علي صخري: "أنا أعمل من أجل الثقافة التي نفتقر إليها، غير أن الحقيقة هي أن الاستثمار في مشروع كهذا لا يمكن أن يستمر دون إيجاد مصدر للدخل، فهذا المقهى الأدبي يعقد ملتقيات فكرية فلسفية وتاريخية لفائدة الزوار ويضع في متناولهم مكتبة تضم 800 عنوان، كما يوفر لهم شروط الراحة والدفء، فضلا عن إتاحة فرصة اللقاء مع بعض الروائيين والمؤلفين.. وكل هذه الخدمات تتطلب دعما ماليا، حيث أن الكتب كلفتني ما قيمته 40 مليون سنتيم، لهذا لا بد من التجارة لجني بعض الأرباح المالية التي تغطي ولو القليل من تكاليف تسيير هذا المقهى الأدبي وفاتورة كرائه، خاصة وأني أفتقر إلى مصدر يعينني ماليا. ولأن الإنسان يسعى دائما إلى الأفق من خلال طموحاته، يطمح صاحب مقهى الجزيرة الأدبية إلى إثراء فضائه الثقافي بالمزيد من الكتب ليصل عددها إلى 2000، كما يأمل في أن لا يبقى مقهاه الأدبي يتيما، وفي هذا الشأن يقول: "أوجه ندائي إلى وزارة الثقافة لتشجع إنشاء مثل هذه الفضاءات الثقافية." المقهى الأدبي الذي نشط منذ افتتاحه 25 نشاطا، استقطب عددا معتبرا من النسوة اللواتي لا يجدن عادة مكانا للاستراحة واللقاء أو الانتظار بعيدا عن الألسن التي تلوك السمعة! أما صاحبه فيحلم بتلقي يد المساعدة ليستمر مشروعه الثقافي وبالعثور على شركاء يشاركونه الحلم والهواية من خلال فتح مقاه أدبية أخرى... ففي الواقع أناس كثيرون يحبون الثقافة ومستعدون لخدمتها.. لكن بحاجة إلى من يساعدهم على ممارسة هوايتهم بعطاء جميل.