يشهد سوق قطع غيار السيارات في بلادنا تراجعا حادا في العرض لا سيما فيما يتعلق بقطع الغيار المقلدة التي عرفت نقصا كبيرا منذ بداية السنة الجارية، وفي مقابل ذلك تعرف أسعار القطع الأصلية ارتفاعا حادا قدرت نسبته بأزيد من 30 بالمائة وبين هذا وذاك تهدد هذه الوضعية العديد من محلات بيع قطع الغيار بالغلق أو تغيير النشاط أمام تشديد الرقابة على جميع قطع الغيار المستوردة والتي يجب ان تحمل مواصفات المصنع المعترف به والمرخص له من قبل الشركات الأم. وفي جولة استطلاعية قادتنا إلى العديد من محلات بيع الجملة والتجزئة لقطع الغيار بالعاصمة أكد لنا الباعة ان السوق يشهد ندرة جميع أنواع قطع الغيار الأصلية منها وبخاصة المقلدة التي تراجع تواجدها بالسوق إلى نسب محسوسة قدرها بعض الباعة بأزيد من 50 بالمائة وهي نسبة مرشحة للارتفاع على أساس ان الكميات التي يتم بيعها كانت ضمن مخزون السنة الماضية والذي يتجه إلى النفاد قبل منتصف السنة الجارية. وبعد مرور نحو ثلاثة أشهر عن صدور قرار منع استيراد قطع الغيار غير الأصلية والمرخصة من مصانع الإنتاج، ببلد المنشأ بدأ مفعول هذا القرار ينعكس على السوق الوطنية التي عرفت ولأول مرة توازنا بين ما هو أصلي وما هو مقلد بعد أن سيطرت المنتجات المقلدة وتحديدا قطع الغيار على السوق الوطنية وكانت القبلة المفضلة للزبائن الذين وجدوا ضالتهم في السوق المقلد نظرا لثمنه البخس. قطع الغيار المقلدة..بداية النهاية وفضلت السلطات الرسمية وعلى رأسها وزارة التجارة الشروع في حملة تطهير السوق من المنتجات المقلدة بداية من سوق قطع الغيار الذي عرف رواجا كبيرا وباعتبار انه الأكثر حساسية وأهمية لما يسببه من خسائر فادحة في الأرواح والممتلكات قبل أن يتم التكفل بباقي الميادين والمجالات المهددة هي الأخرى بالمنتجات المقلدة على غرار مواد التجميل. وتتعدى الإجراءات المتخذة في هذا الشأن، إلى تكثيف المراقبة الصارمة واليومية للموانئ والمطارات، ومضاعفة عدد الأعوان المتخصصين في مراقبة مطابقة قطع الغيار المستوردة على مستوى ميناء الجزائر، بمشاركة هيئات الدولة المختصة في هذا المجال مثل المعهد الجزائري للتقييس والمعهد الوطني الجزائري للملكية الصناعية والمركز الجزائري لمراقبة النوعية. وبحسب المعطيات فإن سوق قطع الغيار يتجه تدريجيا نحو التخلص النهائي من السوق الموازية أو الغيار المقلد الذي شكل وعلى مدار السنوات الأخيرة محور نقاش مكثف، بحيث تشير التحقيقات إلى أن لقطع الغيار المقلدة والتي تدخل إلى بلادنا بطرق رسمية أو عن طريق التهريب النصيب الأكبر في حوادث السيارات المسجلة بطرقاتنا وتتسبب في عدد كبير من الحوادث المميتة، وهي الوضعية التي اشتكى منها وكلاء السيارات الذين احتجوا مرارا على عدم ضبط السلطات لسوق الاستيراد وتساهلهم المفرط إزاء الوضعية التي أدت إلى إغراق السوق الوطنية بجميع المنتجات المقلدة. وكانت الحكومة قد قررت منع استيراد قطع غيار السيارات من غير البلدان الأصلية المصنِّعة لها، وذلك ابتداء من نوفمبر 2009. ويرمي هذا الإجراء إلى مكافحة استيراد قطع الغيار المقلدة من البلدان الآسيوية، لاسيما من الصين فيما سيستثني هذا الإجراء قطع الغيار المصنوعة بترخيص من الشركة الأم ببلدان أخرى. وفي هذه الحالة يتعيّن على المستوردين تقديم شهادة تقرّ بأن قطع الغيار صنعت بترخيص من الشركة الأم. وتشير إحصائيات وزارة التجارة إلى أن 80 بالمائة من قطع غيار السيارات مستوردة من الصين وفرنسا وإيطاليا وكوريا الجنوبية. وبلغت واردات الجزائر من قطع غيار السيارات خلال سنة 2008 نحو حجم 256.44 طن تقدر قيمتها المالية ب 291 مليون دولار أمريكي. وبلغت كميات القطع المقلدة المحجوزة من طرف مصالح الجمارك خلال نفس السنة 1.316 طنا بمبلغ يعادل 5.7 ملايين دولار وتتمثل أسباب الحجز في غياب العلامة والخطأ في الوسم. وعلى صعيد ميداني فقد تباينت ردود فعل الموطنين بشأن القرار الجديد وتأثيراته التي بدت واضحة في الميدان، حيث أشاروا إلى تقديرهم للإجراء الرامي أولا إلى حماية المستهلك، غير أنهم لم يخفوا مخاوفهم من ارتفاع كلفة قطع الغيار الأصلية للسيارات. ويرى عثمان، 43 سنة، بأن "أسعار قطع الغيار الأصلية جد مرتفعة وليست في متناول الجميع ما يدفع البعض إلى السوق السوداء لشراء قطع غيار مقلدة أو التوجه نحو سوق القطع القديمة والمستعملة والتي بدأت تعرف إقبالا ورواجا كبيرين. غير أن البعض الآخر لم يخف تخوفه من هذه الوضعية على اعتبار أن منع استيراد هذه السلع لا يعني بالضرورة وقف تدفقها في الأسواق الجزائرية عبر السوق الموازية وهو الطرح الذي يؤيده مصطفى م. وهو وكيل رسمي لإحدى العلامات، حيث أعرب عن تخوفه من تنقل استيراد قطع الغيار المزورة من الشكل الرسمي إلى السوق الموازية، مضيفا أن قطع الغيار غير الأصلية ستدخل السوق الوطنية عبر عصابات التهريب التي ستبسط يدها على هذه السلعة المربحة، كما أشار إلى أن الأسعار المرتفعة لقطع الغيار الأصلية ستدفع بأصحاب السيارات إلى السوق الموازية لاقتناء القطع المقلدة التي تعد أسعارها أقل وبالتالي في متناول المواطنين. كما اعتبر بعض ممثلي شركات إنتاج قطع غيار أوروبية معروفة بالجزائر أن قرار مطالبة الوكلاء المعتمدين بمنحها قائمة المصانع التي يتعاملون معها في مجال قطع الغيار سيكرس الاحتكار، بحيث يمنح للوكلاء المعتمدين حرية اختيار المصانع التي يريدون التعامل معها على أساس علاقات الصداقة والمحاباة وبالتالي غلق الطريق أمام باقي المصانع التي قد تنتج سلعا ذات نوعية، ويصبح الوكيل المعتمد هنا الآمر والناهي ويسمح بدخول أو منع قطع الغيار كما يريد، مما يخلق المضاربة في الأسعار والتحكم فيها، كما يفسح المجال لتزوير الوثائق التي تدل على هذه المصانع وكذا الفواتير التي تبين مكان صناعتها، لذا يجب على وزارة التجارة مراعاة كل هذه الجوانب ودراسة كل آثارها لمنع تكريس الاحتكار وإقصاء متعاملين آخرين من السوق وكذا ضبط الأسعار حتى لا تعرف ارتفاعا حسبما يريده الوكيل المعتمد فمحاربة الغش والتقليد لا يعني الاحتكار. ومن جهتها، عبرت شركات السيارات عن تأييدها لقرار المنع ورضاها عن النتائج الأولية المترتبة عن هذا القرار، حيث قال مسؤول في شركة فرنسية متخصصة في صناعة السيارات إن "استيراد قطع الغيار المقلدة يضر بنا كصانعين"، رغم اعترافه بارتفاع أسعار القطع الأصلية موضحا بأن "حياة الفرد لا تقدر بثمن ولا يمكن التلاعب بها واستيراد مواد غير مطابقة لقواعد السلامة". في المقابل أبدى بعض مستوردي قطع الغيار ومحلات البيع عن انزعاجهم من القرار الذي يهدد مستقبل العديد منهم، مشيرين إلى تراجع نشاطهم بشكل محسوس الأمر الذي أدى إلى توقف عدد هام منهم عن مزاولة نشاطهم وهو ما تخوف منه "سمير.ج" صاحب محل لبيع قطع الغيار بحي الصومام بباب الزوار والذي يزاول نشاطه منذ أكثر من عشر سنوات غير أن هذه السنة بالنسبة له هي الأصعب في مشواره المهني. ولم يخف العديد من الباعة رغبتهم ومطالبتهم بتأجيل العمل بالقانون الجديد إلى منتصف2010 بحجة عدم تبليغهم من طرف وزارة التجارة بموعد تطبيق إجبارية تقديم شهادة مطابقة السلع لمنتجات المؤسسة الأم، وأنه بحاجة إلى أجل لإعادة الأمور إلى نصابها. وعبروا عن جملة من المخاوف تتمثل في انتظارهم شحنات لقطع الغيار وطالبوا بإعفائها من القواعد الجديدة. وفي حالة عدم استفادة هذه الشحنات من الإعفاء، فإن هذا سيشكل حسب قولهم إخلالا من طرف الوزارة بواجباتها إزاء شركائها. ولكن وبغض النظر عن المخاوف على المدى القريب، إلا ان المحللين يؤكدون أن المنع سيساهم في تحسين الآفاق الاقتصادية في الجزائر على المدى البعيد على أساس أن ظاهرة السلع المزورة كانت لها تأثيرات سلبية على مسار انضمام الجزائر إلى منظمة التجارة العالمية، بسبب فرض الطرف الأوروبي التعامل مع الجزائر، وفق قواعد صارمة في مجال حماية الملكية الفكرية والنسب العالية للقرصنة واتسعت دائرة المخاوف في الجزائر إزاء تفاقم ظاهرة "تزوير العلامات التجارية"، حيث ارتفعت في السنوات الأخيرة، مما أفرز تقليد 41 في المئة من العلامات التجارية المحلية وفق تقارير رسمية، وهو ما يكبّد الاقتصاد الجزائري خسائر تربو عن 15 مليون دولار كل عام، علمًا أنّ الجزائر شرعت منذ عام 1997 في مكافحة ظاهرة التقليد والقرصنة على الأعمال الفكرية، إلاّ أنّ خبراء يجمعون على أنّ الجزائر مازالت متأخرة من حيث ترسانتها القانونية والعقابية لمواجهة المنتجات المغشوشة الني يسميها الجزائريون (سلع تايوان). علما أن ظاهرة "السلع المقلّدة"، تتنامى بشكل مقلق في السنوات الأخيرة بعد انتهاج الجزائر لسياسة السوق المفتوحة. وتشير إحصائيات على مستوى إدارة الجمارك الجزائرية إلى أنّ حجم المنتجات المقلدة المحجوزة من قبل مصالحه، تتوزع عبر نسب متفاوتة منها 66 بالمئة تخص السجائر، و27 بالمئة قطع غيار سيارات، إضافة إلى الأجهزة الكهرومنزلية ومنتجات التجميل علاوة على حجم قليل من المنتجات الصيدلانية المقلدة، وتضيف نفس التقارير الإحصائية إلى إنّ انتشار المنتجات المقلدة في الجزائر مبعثه آسيا ب 55 بالمئة وتحديدا الصين (52 في المئة)، و36 بالمئة من إمارة دبي، إضافة إلى 35 بالمئة من أوروبا و10 بالمئة من الشرق الأوسط وحوض المتوسط، وتنافس المنتجات المقلدة المتكونة خصوصًا من قطع الغيار والمنتجات الكهربائية المنزلية والمواد الغذائية ومستحضرات التجميل والعطور السوق القانونية بنسبة 35 بالمئة، مع الإشارة إلى أنّ السنوات الثلاث الأخيرة شهدت بداية رواج المنتجات المقلدة القادمة من إيطاليا وتركيا. قوانين صارمة لردع التقليد والتحايل وإلى جانب مساهمة القوانين الجديدة في الحد من ولوج قطع الغيار المقلدة إلى السوق الوطنية فإنها وبالموازاة مع ذلك تحد من تحايل العديد من المستوردين بحيث يلجأ بعض مستوردي قطع الغيار المغشوشة ببلادنا إلى التحايل على هيئات الرقابة من خلال التصريح الكاذب بخصوص الإعلان عن اسم البلد الذي استوردوا منه سلعهم، إذ عادة ما يصرحون بأن هذه السلع القادمة من الصين والإمارات العربية المتحدة وغيرها من دول جنوب آسيا مستوردة من أوروبا مما يكلف الدولة خسائر مالية جد ضخمة تقدر بالملايير عند دفع هؤلاء للحقوق الجمركية والرسوم على القيمة المضافة التي تختلف من بلد إلى آخر وتنخفض عندما تكون السلع مستوردة من الاتحاد الأوروبي الذي وقعت معه الجزائر اتفاق شراكة يلغي الرسوم الجمركية. وأجمع العديد من مستوردي قطع الغيار الذين التقيناهم بأن بعض الدخلاء على المهنة ممن يفتقدون الضمير المهني ولا يهمهم إلا الربح السريع يستوردون قطع غيار مغشوشة لا تحترم أدنى مقاييس الأمن والسلامة للحفاظ على حياة مستعملي السيارات. وتستورد هذه القطع التي تكون مقلدة أي "أنها تحمل اسم علامات عالمية معروفة" من عدة دول خاصة من دول جنوب آسيا، غير أن المستوردين يصرحون في فواتيرهم المزورة بأن هذه السلع قادمة من أوروبا، حيث يلجؤن في أغلب الأحيان إلى إدخالها عبر الموانئ الأوروبية كميناء مرسيليا بفرنسا بعد إعادة تغليف علبها هناك. ويبقى الهدف الأساسي من هذا التحايل هو محاولة إقناع الجهات المكلفة بمراقبة الحاويات ونوعية السلع الموجودة بداخلها على مستوى الموانئ بأن هذه السلع قادمة من أوروبا وبالتالي فهي سلع أصلية وتحترم المقاييس المطلوبة، باعتبار أن السلع الأوروبية معروفة بجودتها وهذا ما يبعد كل الشكوك بخصوص الغش، وتشكل هذه التصرفات خطورة كبيرة على الاقتصاد الوطني بسبب التهرب الجبائي. وفي هذا السياق، طالب بعض المختصين الدولة باتخاذ الإجراءات اللازمة للتصدي لهذه الظاهرة الخطيرة التي باتت تنخر الاقتصاد الوطني وتتسبب في خسائر مالية ضخمة لخزينة الدولة بسبب التهرب من دفع الضرائب التي تبقى من المداخيل الأساسية لأي دولة خاصة بالنسبة للدول التي تعاني من ضعف الإنتاج والمداخيل كالجزائر التي تعتمد على مداخيل المحروقات والتي تبقى في حاجة ماسة إلى مداخيل الضرائب لاستغلالها في مشاريع المنفعة العامة.