يلجأ بعض مستوردي قطع الغيار المغشوشة ببلادنا إلى التحايل على هيئات الرقابة من خلال التصريح الكاذب بخصوص الإعلان عن اسم البلد الذي استوردوا منه سلعهم، إذ عادة ما يصرحون بأن هذه السلع القادمة من الصين والإمارات العربية المتحدة وغيرها من دول جنوب آسيا مستوردة من أوروبا مما يكلف الدولة خسائر مالية جد ضخمة تقدر بالملايير عند دفع هؤلاء للحقوق الجمركية والرسوم على القيمة المضافة التي تختلف من بلد إلى آخر وتنخفض لما تكون السلع مستوردة من الاتحاد الأوروبي الذي وقعت معه الجزائر اتفاق شراكة يلغي الرسوم الجمركية. أجمع العديد من مستوردي قطع الغيار الذين التقتهم "المساء" بأن بعض الدخلاء على المهنة ممن يفتقدون الضمير المهني ولا يهمهم إلا الربح السريع يستوردون قطع غيار سيارات مغشوشة لا تحترم أدنى مقاييس الأمن والسلامة للحفاظ على حياة مستعملي السيارات. وتستورد هذه القطع التي تكون مقلدة أي "أنها تحمل اسم علامات عالمية معروفة" من عدة دول خاصة من دول جنوب آسيا، غير أن المستوردين يصرحون في فواتيرهم المزورة بأن هذه السلع قادمة من أوروبا، حيث يلجأون في أغلب الأحيان إلى إدخالها عبر الموانئ الأوروبية كميناء مرسيليا بفرنسا بعد إعادة تغليف علبها هناك. ويبقى الهدف الأساسي من هذا التحايل هو محاولة إقناع الجهات المكلفة بمراقبة الحاويات ونوعية السلع الموجودة بداخلها على مستوى الموانئ بأن هذه السلع قادمة من أوروبا وبالتالي فهي سلع أصلية وتحترم المقاييس المطلوبة باعتبار أن السلع الأوروبية معروفة بجودتها وهذا ما يبعد كل الشكوك بخصوص الغش، وتشكل هذه التصرفات خطورة كبيرة على الاقتصاد الوطني بسبب التهرب الجبائي. وفي هذا السياق، طالب بعض المختصين الدولة باتخاذ الإجراءات اللازمة للتصدي لهذه الظاهرة الخطيرة التي باتت تنخر الاقتصاد الوطني وتتسبب في خسائر مالية ضخمة لخزينة الدولة بسبب التهرب من دفع الضرائب التي تبقى من المداخيل الأساسية لأي دولة خاصة بالنسبة للدول التي تعاني من ضعف الإنتاج والمداخيل كالجزائر التي تعتمد على مداخيل المحروقات والتي تبقى في حاجة ماسة إلى مداخيل الضرائب لاستغلالها في مشاريع المنفعة العامة. كما دعا مستوردو قطع الغيار الدولة إلى الحوار والتفاوض مع المختصين في الميدان لتنسيق الجهود وإيجاد إستراتيجية عمل موحدة لمحاربة هذه الظاهرة التي تضر بسمعة كل المستوردين وباقتصاد البلاد، حيث اقترح بعضهم الاقتداء بتجربة بعض الدول التي بادرت مؤخرا إلى استخدام جهاز على مستوى المناطق الحدودية لمعاينة كل قطع الغيار المستوردة من أي دولة في العالم والاتصال بكل الجهات المعنية بها بما فيها الشركة الأم المصنعة لمعرفة كل المراحل التي مرت بها هذه القطع بدءا من مكان صنعها إلى نوعيتها والمواد التي تدخل في صناعتها وكذا الكشف عن كل مقاييسها لمعرفة إن كانت أصلية أومغشوشة حيث يعاد إرجاعها للبلد التي قدمت منه في حال التأكد من أنها مغشوشة أومقلدة. وحسب السيد توفيق أعراب ممثل الجمعية الجزائرية لوكلاء السيارات فإن سوق قطع الغيار هي سوق مضطربة، غير مستقرة وتشكو من غياب الرقابة الصارمة في ظل غياب هيئات فعالة لمراقبة النوعية. فرغم وجود الترسانة القانونية الثرية فإنها غير مطبقة بصرامة مما يفتح شهية منعدمي الضمير الذين يستوردون قطع غيار مغشوشة تتسبب في حوادث مرور خطيرة ومميتة جراء عدم صلاحية هذه القطع وعدم قدرتها على المقاومة، حيث يبقى هدفهم الوحيد تحقيق الربح دون مراعاة الجانب الأخلاقي. وأضاف المتحدث أنه حان الوقت للتفرغ لمحاربة هذه الآفة في الوقت الذي لم تعد توجد فيه معايير تحكم السوق فنجد في بعض الأحيان قطع غيار أصلية تباع في السوق السوداء دون فواتير وبأسعار منخفضة مقارنة بتلك التي تسوق من طرف بعض الوكلاء المعتمدين وأعوانهم، وهو ما يطرح أكثر من سؤال عن هذه الفوضى وكيفية دخول هذه السلع وتحديد أسعارها. وبالرغم من أن الإجراءات المطالب بها على مستوى الموانئ عند استيراد قطع الغيار وغيرها من السلع تفرض الجهات المشرفة على عمليات المراقبة تزويدها بكل الفواتير والوثائق المتعلقة بالسلعة المستوردة، فإن قطع الغيار المغشوشة لا تزال تغرق السوق الوطنية، ولا يستبعد محدثينا دخولها بالتواطؤ مع بعض الأطراف لأن كل إجراءات الرقابة متوفرة في الوقت الذي قامت فيه وزارة التجارة بمضاعفة عدد أعوان الرقابة على مستوى الموانئ والمطارات وكل المناطق الحدودية للتصدي لهذه الظاهرة إلى جانب أعوان الجمارك الذين ما فتئوا يبذلون كل الجهود لمحاربة الغش الذي طال قطع الغيار وذلك من خلال الاتصال بممثلي العلامات المستوردة بالجزائر قصد التأكد من السلعة المستوردة. شركات التصنيع تشتري قطع الغيار وكانت وزارة التجارة اقترحت مؤخرا في اجتماعها مع الوكلاء المعتمدين، مستوردي قطع الغيار، وهيئات المراقبة، وكل المتعاملين في هذا المجال تزويدها بقائمة اسمية لكل المصانع المنتجة لقطع الغيار والتي يتعاملون معها للاتصال بها عند معاينة قطع غيار مصنعة من طرفها، حيث أشار السيد الهاشمي جعبوب وزير التجارة إلى أن كل قطع غيار يتأكد من أنها مستوردة من مناطق أخرى أومصانع أخرى غير معروفة تعتبر مغشوشة وتحجز مباشرة. وهو القرار الذي لقي ترحيبا ومعارضة في نفس الوقت من طرفي المتعاملين الذين يطالبون بلقاء الوزير حتى يشرحوا له الوضعية باعتبار أن شركات صناعة السيارات ليست هي التي تنتج قطع غيار بل تشتريها من عند شركات مختصة في إنتاج قطع الغيار، حيث تقوم هذه الأخيرة بتوقيع اسم صانع السيارة فوق القطعة، وهو ما يوقع بالكثير من الناس في الخطأ ظنا منهم بأن من يصنع هيكل السيارة هو الذي يصنع قطع غيارها، لكن الواقع شيء آخر وهو ما سبق أن لاحظناه عند زياراتنا السابقة لبعض مصانع السيارات بأوروبا، حيث تقوم بشراء قطع غيار تتكيف مع سياراتها من موردين آخرين، وهي نفس القطع التي تسوقها هذه المصانع لوكلاء أحرين أولمستوردي قطع الغيار، غير أن كل شركة لصناعة السيارات تقوم بكتابة اسمها على تلك القطع وهو الاختلاف الوحيد. لهذا يطالب هؤلاء وزارة التجارة بأخذ هذه المعلومة بعين الاعتبار عند تطبيقها للقرار الجديد وذلك عن طريق مطالبة شركات صناعة السيارات بمنحها قوائم كل هذه المصانع وليس الاكتفاء فقط بقوائم مصانع إنتاج السيارات لأن ذلك قد يسبب مشكل في حال اكتشاف أن قطع غيار معينة قادمة من مصنع آخر غير مصنع شركة صناعة السيارات. ورغم أن تطبيق هذا القرار سيأخذ وقتا كبيرا باعتبار أن كل شركة لإنتاج قطع الغيار تضم ما يقارب 80 مصنعا في عدة دول من العالم، فإن جمعية وكلاء السيارات رحبت به، مشيرة إلى أن تجند كل الجهات من وكلاء سيارات، مديريات قمع الغش، الجمارك وغيرها سيمكن من محاربة هذه الظاهرة ولو التقليص منها بنسبة 20 بالمائة في مرحلة أولية. كما اقترحت الجمعية إنشاء مكاتب خاصة وفرق ميدانية متنقلة تسهر على مراقبة نوعية قطع الغيار المستوردة وحتى المتداولة في السوق عند بائعي الجملة والتجزئة لسحب القطع المغشوشة إذا أفلتت من قبضة السلطات ودخلت السوق. محاربة الغش لا تعني الاحتكار كما اعتبر بعض ممثلي شركات إنتاج قطع غيار أوروبية معروفة بالجزائر أن قرار مطالبة الوكلاء المعتمدين بمنحها قائمة المصانع التي يتعاملون معها في مجال قطع الغيار سيكرس الاحتكار، بحيث يمنح للوكلاء المعتمدين حرية اختيار المصانع التي يريدون التعامل معها على أساس علاقات الصداقة والمحاباة وبالتالي غلق الطريق أمام باقي المصانع التي قد تنتج سلعا ذات نوعية، ويصبح الوكيل المعتمد هنا الآمر والناهي ويسمح بدخول أومنع قطع الغيار كما يريد، مما يخلق المضاربة في الأسعار والتحكم فيها، كما يفسح المجال لتزوير الوثائق التي تدل على هذه المصانع وكذا الفواتير التي تبين مكان صناعتها مثلما ذكرنا سابقا، لذا يجب على وزارة التجارة مراعاة كل هذه الجوانب ودراسة كل آثارها -حسب محدثينا- لمنع تكريس الاحتكار وإقصاء متعاملين آخرين من السوق وكذا ضبط الأسعار حتى لا تعرف ارتفاعا حسبما يريده الوكيل المعتمد. بيع فوضوي لقطع الغيار من جهته، أوضح السيد فاروق عريبي مسير شركة لاستيراد قطع الغيار أن السوق المحلية أصبحت وجهة لكل السلع غير الصالحة بسبب الفوضى وغياب التنظيم في مجال قطع الغيار، بحيث يمكن للباحث عن قطعة غيار معينة لسيارته من إيجاد كل ما يريده بمختلف الأنواع والأسعار حسب قدرته الشرائية، وكلما قلّ السعر كلما قلت النوعية جراء البيع غير القانوني لهذه القطع التي نجدها تباع على الأرصفة وفي الأسواق الموازية دون فواتير، وبالخصوص منذ انفتاح السوق في التسعينات، حيث قفز عدد العلامات الموجودة ببلادنا في هذا المجال حاليا إلى أكثر من 40 علامة أغلبها رديئة الجودة بعدما كان عددها لا يتجاوز 4 علامات من قبل. وتوقف السيد عريبي عند مشكل تغيير الأغلفة بالتواطؤ مع المطابع الوطنية، حيث يقوم بعض المستوردين باستيراد قطع غيار مغشوشة وإدخالها للبلاد عن طريق التواطؤ والتحايل ثم تسويقها باسم علامات عالمية معروفة بجودتها عن طريق تغليفها في علب مقلدة تشبه علب قطع غيار تلك الشركات المعروفة بعد صناعتها بالمطابع. وهو السياق الذي طالب من خلاله محدثنا بتشديد الرقابة على هذه المطابع ومنعها من طبع أغلفة لهؤلاء المستوردين قصد تغليط المستهلك الذي يقع ضحية لهم حيث يدفع مبالغ مالية باهظة مقابل شراء هذه القطع المغشوشة دون علمه. ودعا محدثنا الدولة إلى تشديد الرقابة على هذه المطابع لحماية العلامات المعروفة والمسجلة عند الديوان الوطني للملكية الصناعية الذي من المفروض أن يتدخل لحماية العلامات المسجلة لديه. وذهب السيد عريبي إلى أن غياب الوسائل والإمكانيات الضرورية التي تمكن أعوان الرقابة من التأكد من نوعية قطع غيار المستوردة بحيث تقتصر عملية المراقبة على التفقد بالعين المجردة في غياب الأجهزة الالكترونية التي تبين أي خلل في هذه القطع. ولهذا الغرض تحضر وزارة التجارة حاليا لتوقيع اتفاقيات مع مخابر معروفة لمراقبة النوعية تتمتع بمصداقية لإخضاع قطع الغيار المستوردة للفحص، ومن بين هذه المخابر مخبر الشركة الوطنية للسيارات الصناعية في انتظار استلام مشروع مخبر مراقبة النوعية والتحليل الموجود في طور الانجاز حاليا بالمدينة الجديدة سيدي عبد الله بمنطقة معالمة غرب العاصمة. من جهة أخرى، طالب محدثنا وزارة التجارة بمنح المستوردين المعايير التي يتم إتباعها لمعرفة نوعية قطع الغيار في الوقت الذي يتم فيه اختبارها بالعين المجردة فقط دون أجهزة الكترونية، كما أضاف أن بعض القطع تم حجزها من السوق باعتبارها مغشوشة رغم أن أصحابها متحصلين على شهادة الحماية الصناعية لعلاماتهم من الديوان الوطني للملكية الفكرية، الصناعية والحقوق المجاورة. وهو ما يطرح أكثر من سؤال عن كيفية منحهم هذه الشهادة ما دامت علاماتهم مقلدة وسلعهم مغشوشة. جمعية للمتعاملين وتحضر حاليا مجموعة من مستوردي وممثلي علامات أجنبية لقطع الغيار بالجزائر لإنشاء جمعية وطنية تضم كل المتعاملين في القطاع من المستوردين الذين يفوق عددهم 2000 مستورد، بائعين، وكلاء معتمدين وغيرهم لوضع خريطة الطريق لمحاربة قطع الغيار المغشوشة، وقد انضم حاليا إلى هذا المشروع ما يقارب 70 بالمائة من المتعاملين في هذا المجال الذين وافقوا على هذه الفكرة لمحاربة القطع المغشوشة، حماية المستهلك والاقتصاد الوطني، وكذا حماية المهنة. ومن المنتظر أن تنعقد الجمعية العامة لجمعية المتعاملين في سوق قطع الغيار في بداية شهر جويلية القادم بحضور بعض الممثلين لوضع الأسس الأولية لتأسيس الجمعية التي ستكون فضاء للتشاور والاقتراح للتصدي لآفة الغش والتقليد. وذكرت مصادر من المديرية العامة للجمارك الجزائرية أنها حجزت 1.59 مليون وحدة مغشوشة من مختلف السلع خلال سنة 2008 ببلادنا قدرت تكلفتها المالية ب 1.5 مليون دينار، 6 بالمائة منها عبارة عن قطع غيار مختلفة دخلت من عدة دول خاصة من الصين ودبي وتتعلق أساسا بصفائح وأسطوانات الفرامل، المفاصل، ممتصات الصدمات وغيرها من القطع الحساسة. وتأتي الصين في صدارة البلدان التي تستورد منها قطع الغيار المقلدة بنسبة 46.38 بالمائة من المنتوجات المحجوزة خلال سنة 2008 متبوعة بالإمارات العربية، حيث يتم إنتاج حوالي 70 بالمائة من هذه القطع في الصين و69.7 بالمائة في هونغ كونغ وتايوان وأندونيسيا. وسجلت مصالح الجمارك تراجع حجم المحجوزات من قطع الغيار ولواحق السيارات المقلدة التي تدخل إلى الجزائر سنويا من الصين وأندونيسيا وهونغ كونغ وتركيا وإيطاليا وكوريا الجنوبية وموانئ من دولة الإمارات التي تعتبر مركزا رئيسيا لإعادة تصدير المنتجات المقلدة القادمة من جنوب شرق آسيا إلى الجزائر، حيث ارتفعت الكميات المحجوزة من قطع الغيار المقلدة من 12,25 بالمائة سنة 2007 إلى 83.5 بالمائة من السلع المحجوزة سنة 2008.