مايزال الوضع في العاصمة التشادية غامضا سواء بخصوص مصير الرئيس ادريس ديبي أو حقيقة صيرورة الأحداث ومدى صحة معلومات المتمردين التي أكدت بسط سيطرتهم على نجامينا في انتظار اقتحامهم القصر الرئاسي· وفي ظل تضارب المعلومات فقد أكدت مصادر فرنسية أن الرئيس ديبي رفض مقترحا فرنسيا لمساعدته على مغادرة البلاد، ولكن هذا الأخير رفض الأمر رغم شعوره بخطورة الأوضاع من حوله وعلى حياته·وقالت ذات المصادر أن العرض مازال مطروحا وأن السلطات الفرنسية مستعدة للتدخل في أية لحظة لاخراج الرئيس التشادي وترحيله الى الخارج· وتدفع مثل هذه التصريحات الى طرح الكثير من التساؤلات حول دواعي مثل هذا العرض من منطلق المواقف المعروفة لباريس والمؤيدة لمختلف الأنظمة التشادية خدمة لمصالحها الاستراتيجية في كل القارة الإفريقية· وهل يعني ذلك أن فرنسا تيقنت فعلا أن حليفها ديبي أصبح من أضعف الحلقات في الأزمة التشادية ويجب التفكير في مقاربة أكثر براغماتية للتعامل مع تطورات الوضع والنظر إلى حركات التمرد بنظرة إيجابية من منطلق أنهم سيكونون أسياد نجامينا الجدد بعد أن أصبح نظام الحكم الحالي قاب قوسين من السقوط·وكان عدم تدخل قوات "الصقر" الفرنسية المرابطة في تشاد لنجدة الرئيس إدريس ديبي عندما كان في حاجة ماسة اليها لوقف زحف المتمردين أكبر مؤشر على تخلي باريس على حليفها· ورغم أن باريس نقلت تعزيزات عسكرية من قاعدتها إلا أن ذلك لم يكن سوى تحرك لحماية حوالي ألف رعية فرنسية مقيمة في تشاد· ولم تكتف القوات الفرنسية بذلك فقط، بل عمدت إلى إعطاء أوامر لاقلاع طائرات "الميراج" لمغادرة تشاد إلى مناطق وصفتها بالآمنة وبعيدا عن مسرح المعارك المتواصلة بين المتمردين والقوات الحكومية التشادية·وإذا كان الغموض اكتنف موقف السلطات الفرنسية من أكبر دولة حليفة لها في افريقيا فإن درجة الغموض كانت أمس أكبر حول حقيقة الوضع العام في العاصمة نجامينا· وأكدت العديد من التقارير الاعلامية أن الهدوء الحذر الذي عرفته المدينة ليلة السبت الى الأحد لم يدم إلا لساعات الليل قبل أن تتجدد المعارك بكل ضراوة بين قوات الطرفين المتحاربين·وشهدت العاصمة التشادية حرب شوارع حقيقية استعملت فيها قذائف المدفعية والدبابات والأسلحة الآلية سعى كل طرف فيها لاحتلال مواقع استراتيجية تحسبا لساعة الحسم النهائية· وقالت المصادر أن طائرات مروحية تابعة للجيش النظامي أقلعت من مطار العاصمة وقصفت عدة سيارات كان المتمردون على متنها·وفي ظل احتدام المعارك وتوسع رقعتها طالبت القوات الحكومية من سكان نجامينا مغادرتها وخاصة من محيط قصر الرئاسة الذي تحول إلى ساحة لمعارك طاحنة ووجد سكان العاصمة التشادية أنفسهم بين فكي كماشة القوات المتمردة الزاحفة على القصر الرئاسي وبين القوات النظامية الموالية للرئيس ادريس ديبي الذي أكدت العديد من التقارير أنه مازال متحصنا في القصر الرئاسي· ورغم أن المتمردين فاجأوا قوات الجيش النظامي إلا أنه تمكن من أخذ مواقع محصنة من حول هيئات رسمية ومنها مقرات التلفزيون والإذاعة وراحت تقصف كل الشوارع المؤدية إليها· وقال متتبعون للتطورات المأساوية بالعاصمة التشادية أن تجدد المعارك صباح أمس وبتلك الحدة سيرهن كل حظ لنجاح مساعي الوساطة التي شرع فيها الرئيسان الليبي معمر القذافي والكونغولي ساسو نغيسو بتكليف من الاتحاد الافريقي· ويمكن اعتبار تجدد هذه المعارك بمثابة رد بالرفض من المتمردين على المسعى الإفريقي وخاصة وأنهم يوشكون على بسط سيطرتهم على القصر الرئاسي وأيضا كون الاتحاد الافريقي أدان بأشد العبارات عملية الانقلاب وأكد عدم اعترافه بالانقلابيين· ويمكن القول أن الاتحاد الافريقي راهن على الورقة الليبية لاحتواء الوضع في تشاد ووقف إراقة الدماء هناك، مستغلا العلاقات التاريخية بين قيادات الفصائل المتمردة وطرابلس منذ عهد الرئيس التشادي الأسبق عوكوني عويدي نهاية ثمانينات القرن الماضي· ولكن هل يقبل هؤلاء بوقف عملياتهم من أجل حل تفاوضي قد يفشل عليهم خطتهم التي كثيرا ماحلموا بها للاطاحة بغريمهم إدريس ديبي الذي كان سباقا إلى رفض كل فكرة للتفاوض، مفضلا لغة السلاح لحسم سجاله مع المتمردين؟