تتّجه أنظار المهتمين بتطورات النزاع في الصحراء الغربية بداية من اليوم إلى ضاحية مدينة نيويوركالأمريكية حيث يلتقي وفدا التفاوض المغربي والصحراوي لبحث سبل إنهاء هذا النزاع برعاية أممية. وتكمن أهمية الحدث في أنه جاء في أجواء التفاؤل التي أبداها الأمين العام لهيئة الأممالمتحدة بان كي مون وموفده الخاص كريستوفر روس المكلف بإيجاد آليات لأرضية توافقية تمهد لانطلاق مسار تسوية ما أصبح يعرف بآخر قضايا تصفية الاستعمار في القارة الإفريقية. ولكن تفاؤل بان كي مون لم يمنع المتتبعين الأكثر تشاؤما من القول أن جولة المفاوضات غير المباشرة الثانية من نوعها منذ لقاء العاصمة النمساوية فيينا شهر أوت الماضي ستنتهي إلى حيث انتهت جولات التفاوض السابقة والتي لم تخرج من متاهة الشروط المغربية المسبقة التي رهنت كل حوار وأفرغت المفاوضات من معناها حتى قبل انطلاقتها. وهو ما يطرح التساؤل ما إذا كان لتفاؤل بان كي مون أسبابه الموضوعية التي لم يشأ الكشف عنها واستخلصها من تقارير موفديه كريستوفر روس وهاني عبد العزيز إلى المنطقة واتصالاتهما مع مختلف الأطراف المعنية بقضية النزاع في الصحراء الغربية. وإذا سلمنا بهذه الفرضية البعيدة عن التشاؤم الذي طبع سيرورة هذا النزاع فإن ذلك يعني بصورة تلقائية أن الرباط أعادت النظر في مقاربتها الأحادية الجانب التي وضعتها منذ بدء مسار المفاوضات منذ ثلاث سنوات بفرض الحكم الذاتي على الصحراويين وأنها بدلا عن ذلك قبلت أخيرا بالتفاوض حول كل الخيارات الأخرى وتيقنت أن الحكم الذاتي لن يكون الحل الأمثل حتى وإن أصرت على ذلك. وإذا أخذنا بفرضية الانفتاح المغربي واعتماد المملكة لنظرة اكثر واقعية في معالجتها لهذا النزاع الذي أنهكها اقتصاديا وسياسيا فإن ذلك يعني أن جولة مفاوضات نيويورك اليوم وغدا ستكون فعلا ايجابية وممهدة لجولة المفاوضات المباشرة الخامسة التي توقفت في أفريل العام الماضي بعد أن فجر الموفد الاممي السابق الهولندي بيتر فان فالسوم قنبلة في طريقها وأجهض جهودا كلف بها بعدما إنحاز إلى جانب الطرح المغربي بحتمية فرض الحكم الذاتي على الصحراويين. ولكننا عندما نعيد تناول الموضوع من وجهة نظر متشائمة فإن المتتبعين سيقولون حتما ما الذي يجعل الرباط تعيد النظر في موقفها السابق الذي وصفته بالثابت وغير القابل للتفاوض وأضاعت كل هذه السنوات لتعود ثانية إلى نداء التعقل. كما أن البدائل التفاوضية الأخرى من غير الحكم الذاتي ستفقد بشكل تلقائي كل معنى لفكرة ترشخت لدى المغرب بأن الصحراء الغربية أرض مغربية وجعلتها دعايتها على أنّها من المقدسات التي لا تقل أهمية عن شعارات العرش المغربي الثلاثة "الله والملك والوطن". والأكثر من ذلك فإنّ الصحراء الغربية جعلها الملك الراحل الحسن الثاني وواصل نجله على دربه متنفسا خارجيا لاحتواء الوضع الداخلي وحماية العرش من أية هزات اجتماعية "مزلزلة". ولكن ماذا لو اقتنعت السلطات المغربية بأنّ الحل يجب أن يكون تفاوضيا وبالتفاهم وبالتالي ضرورة قبول الرأي الآخر بمعنى قبول الطرح الصحراوي الذي ما انفك يصر على حقه في تقرير المصير دون أن يصد الباب أمام خيارات البقاء تحت السيادة المغربية أو القبول بالحكم الذاتي الذي تروج له السلطات المغربية. احتمال يدفع إلى القول إن هو حصل وسيتم التأكّد منه في نهاية اجتماع نيويورك بعد تسريبات محتملة لنتائج المساعي الأممية أنّ مجلس الأمن الدولي يريد فعلا إنهاء النزاع وان إرادة جديدة بدأت تحرك هذه الهيئة الأممية الفاعلة في فض النزاعات في الاتجاه الصحيح الذي يخدم فعلا الاستقرار في كل منطقة شمال إفريقيا. وهو بالعلاقة المتعدية يعني أن فرنسا التي وقفت إلى جانب المغرب منذ اندلاع النزاع بل وشجعته على التمسك باحتلاله لهذه الأرض صادقة في تصريحاتها الأخيرة عندما أكّدت أنّها ستعمل على دعم جهود الأمين الأممي في الصحراء الغربية. والقول نفسه ينطبق على موقف إسبانيا القوة المستعمرة لهذا الإقليم ولكنها تخلّت عنه لقوة استعمارية أخرى والأكثر من ذلك فقد انحازت إلى جانب مواقف الضم المغربية وبقيت تسانده في احتلاله إلى اليوم.