أصبح للصورة الفوتوغرافية الفنية مكانة في المشهد الفني الجزائري، وها هو المتحف الوطني للفن الحديث والمعاصر يفتح أبوابه مرة أخرى للمصورين الفنانين من خلال معرض ''نظرة بناءة ,''2 الذي تختتم فعالياته في آخر يوم من الشهر الجاري. عرض ندير جامع إحدى عشرة لوحة تحكي كلها عن الصحراء الجزائرية الجميلة وبالأخص منطقتيّ جانت وتمنراست وضواحيهما، وفي هذا السياق، كشف ل ''المساء'' أن اختياره للصحراء جاء ''من باب عشقه لها، فهي منطقة خلابة ومتميّزة وتضم مناظرا في غاية الجمال''، ولم يكن اختيار ندير لبعض مشاهد الصحراء عبثيا، بل جاء متعمدا حيث صور شجرة نادرة توجد منها فقط 252 شجرة في هضبة تنميت بجانت، وقال أن هذا الأمر تطلب قطعه ل25كلم مشيا على قدميّه. وصوّر جامع رجلين من ''التوارق'' في جانت، وجبل الهوار في تمنراست، وجمالا تظهر صغيرة جدا في صحراء شاسعة، كما صور أيضا شجرة ''كاسيا'' التي تعيش في الصحراء فقط، وصورة أخرى لنبتة في الرمال، تظهر بارزة وكأنها ألصقت في اللوحة، وجاءت لوحاته بالحجم الكبير وتظهر وكأنها لوحات زيتية لا لوحات فوتوغرافية لجمالها وصفائها. بالمقابل، وفي سياق مختلف تماما، وضع محمد بداوي جدارية تضم صورا أخذت من قنوات إخبارية بالدرجة الأولى وأخرى متنوعة، وتحدثت معظم الصور عن حرب غزة والتقطت بالضبط في اليوم الثامن من الحرب بين الساعة الواحدة ظهرا والثالثة زوالا وبين الساعة الحادية عشر ليلا والواحدة صباحا، وتبرز قوة الصورة في نقل المعلومة والتأثير عن الناس من جهة وتبرز من جهة أخرى، تغيّر الواقع بسرعة لا متناهية. ''أفق'' هو العنوان الذي اختاره محمد أمين بومجان لصوره التي لخصها في نظرات الأطفال التي تحكي الكثير، معبرة عن الواقع الذي تعيشه هذه الفئة كيفما كان أصلها وجنسها ووطنها، ومع ذلك وضع الفنان صورة لفتاة تنظر نحو مستقبل وردي ليؤكد ربما على ضرورة أن نعيش بالأمل كيفما كانت ظروف الحياة. بالأبيض وبالأسود ارتحلت ليلة قدورة عاشور بالمتأملين في صورها إلى عالمها الذي اختارته أن يكون بلونين فقط، هذه الفنانة الخريجة من المدرسة العليا للفنون الجميلة بالعاصمة، اختارت أشياء بسيطة كقارورة زجاجية ومصباح كهربائي وحتى أعين امرأة عجوز وصورتها مكبرة ووضعها في لوحات كبيرة. أما محمد ياسف فقد اختار الليل لكي يأخذ صوره، ففي هذه الفترة من الزمن تأخذ الألوان رداء آخر وتظهر بشكل مختلف عن ذاك الذي تكون عليه في النهار، وصوّر ياسف الحيوانات الشاردة وكذا أوجها وهيئات مختلفة، في حين اختارت مدينة كرميش في 31 لوحة صغيرة أن تعطي لصورها مظهرا تجريديا وتمزج بين الواقع والخيال وبين الوهم والحقيقة وهذا خلف غيمة مسافرة بنا إلى عوالم خارجة عن المنطق، كما قامت مدينة أيضا بتسليط الضوء على أشياء من حياتنا اليومية ككراسي والشعر والمنشفات، فكبّرتها لتظهر بشكل مخالف عن المألوف. بعيدا عن عالم مدينة، ننتقل إلى عالم ياسين بلحسن الذي يجعلنا في لحظة تأمل، نتوقف عند مظاهر خلابة في بساطتها كصياد في قارب وشجرة تحاط بها الثلوج ورجل يحمل مظلة ويطّل من شرفة، لحظات قد تبدو ساذجة ويومية ولكنها في الحقيقة جميلة تنوء من التجاهل الذي تتعرض له بصفة دائمة. وفي سياق مشابه، اختار محمد كروش مناظر طبيعية وبالضبط العصافير واغلبها نوارس في كل من تلمسان، وهران، عين تيموشنت، المسيلة، ورقلة، عنابة، تمنراست، الطارف والجزائر العاصمة وغيرها. رفيق زايدي في ''هروب نيلي''، اختار موضوع الحرقة في صوره ولكن بطريقته الخاصة، بحيث صوّر آثار أقدام على الرمال وصورة أخرى لرجل يمعن النظر في أفق البحر، ووضع لوحة كبيرة تقابلها شراشف مصورة فيها ظلال على الأرض لأشخاص يسيرون ولكن إلى أين؟. وقام مصطفى عبد الرحمن بأخذ صور لزاوية ليكون بذلك فن التصوير طريقة للتعبير عن ظاهرة ما، وشاهدا عليها أيضا، فاختار هذا الموضوع وأظهر من خلال صور المشاهد التي تحيط بظاهرة زيارة زاوية، أما الهاشمي عامر فصور في 1 8لوحة فوتوغرافية مظاهر من الحياة، كازدحام السيارات وامرأة عجوز جالسة على الأرض ومناصريّ الفريق الوطني وغيرها. من جهته، انتقى إلياس مزياني عنوان ''بدون عنوان'' لمجموعته التي وصل عددها إلى 22 لوحة فوتوغرافية، تناول فيها محطات من أربعين سنة عمر بعد مسيرته في عالم الصور، منتقلا من أخذ صور من حجم120الى الآلات الرقمية، ومترددا بين الألوان والأبيض والأسود. ''حياة'' أراد مزياني أن يتحدث عنها في هذا المعرض، وهو يرّكب مشاهده ويدفعنا إلى طرح أسئلة ويعيدنا إلى الحياة البسيطة التقليدية التي كان لها طعم رغم خلوّها من الاكسسوارت الحديثة، فيها لنعود ولو لدقائق إلى حياتنا الماضية أو حتى إلى دواخلنا وننفض الغبار عنا، علنا نجد أنفسنا من جديد.