أكد المشاركون في الملتقى الدولي الثاني حول ''ضحايا الإرهاب والمصالحة'' المنعقد بفندق الأوراسي بالجزائر العاصمة بأن مسعى المصالحة الوطنية في الجزائر مكّن البلاد من استعادة عافيتها وفتح المجال لمباشرة تنفيذ مشاريع تنموية في العديد من المجالات والقطاعات لتدارك التأخر المسجل على جميع الأصعدة. وعقدت المنظمة الوطنية لضحايا الإرهاب أمس الملتقى الثاني حول ضحايا الإرهاب والمصالحة بحضور وزير التضامن الوطني والأسرة والجالية الوطنية بالخارج السيد جمال ولد عباس وممثلين عن منظمات المجتمع المدني وأحزاب سياسية، من بينهم الأمينة العامة لحزب العمال السيدة لويزة حنون، إضافة الى وفد عن اليونسكو وشخصيات تمثل عدة دول من بينها اسبانيا وألمانيا.وشكل الملتقى الذي يدوم يومين فرصة لاستعراض التجربة الجزائرية في مجال تطبيق المصالحة بعد سنوات أزمة كادت تعصف باستقرار الدولة، وكان بمثابة فضاء لتبادل الأفكار حول فضائل مسعى المصالحة ونبذ العنف، وإحياء التعايش بين الضحايا والإرهابيين أو عائلاتهم، قصد تجنيب المجتمع الصراعات الداخلية. وفي كلمة ألقاها بالمناسبة أكد السيد جمال ولد عباس ان مسعى المصالحة الذي بادر به الرئيس عبد العزيز بوتفليقة مكن الجزائر من استعادة مكانتها على الساحة الدولية، وأن الجزائر التي حاربت الإرهاب بمفردها خلال فترة التسعينيات هي ''حاليا تستشار على المستوى الدولي بالنظر الى تجربتها المميزة في مكافحة الإرهاب''. وبالنسبة للسيد ولد عباس فإن المصالحة الوطنية ونتائجها تستوقف الجميع كونها فتحت الباب واسعا أمام مباشرة مشاريع تنموية، كما أنها أصبحت مرجعا للمجموعة الدولية التي ترى في كفاح الشعب الجزائري ضد الإرهاب مثالا للصمود في وجه الهمجية. ومن جهتها تحدثت السيدة فاطمة الزهرة فليسي الأمينة العامة للمنظمة الوطنية لضحايا الإرهاب عن الانخراط غير المشروط لفئة ضحايا الإرهاب في مسعى المصالحة وذلك قناعة منها بان هذا المسار هو الخيار الوحيد للخروج من الأزمة وطي صفحة الماضي الأليم، وقالت السيدة فليسي في كلمة لها ان نتائج هذه المصالحة الوطنية أصبحت ''واضحة في جميع الميادين'' الاقتصادية منها والاجتماعية. وذكرت بأن لم شمل الجزائريين بكل شرائحهم وموقعهم في المجتمع سواء كانوا من ضحايا او من عائلات الإرهابيين، هي الصورة الحقيقية لنجاح مسعى المصالحة، وأوضحت ان ضحايا المأساة الوطنية ساهموا في انجاح هذا المسعى وهو ما جعل التجربة الجزائرية تكون رائدة في العالم. واعتبرت ان الوجه الجديد للجزائر حيث أصبحت تستشار في القضايا الدولية الحساسة، وتحتضن تظاهرات دولية ضخمة على غرار ندوة الغاز الأخيرة، لم يكن لتظهر به لولا نجاح المصالحة. ودعت الأمينة العامة للمنظمة الوطنية لضحايا الإرهاب رجال القانون والدين والمختصين الى البحث في أسباب بروز ظاهرة الإرهاب، للقضاء على كل ما من شأنه ان يساهم في بروز هذه الظواهر مستقبلا. أما بالنسبة للحضور الدولي في الملتقى فقد كان مميزا، حيث عرف مشاركة المدير العام بالنيابة لمنظمة اليونسكو والمكلف بمكتب إفريقيا السيد تيجاني سيربوس نورييني، الذي أشاد بدور الجزائر في مساعدة المنظمة الدولية في كل أنشطتها الموجهة لتحقيق المصالحة في دول افريقية. ومن جهة أخرى أوضح أن سياسة المصالحة المنتهجة في المجتمع تجعل الحقد والخراب يتراجعان ويفسحان المجال أمام ثقافة السلم، وأضاف ان موضوع المصالحة الوطنية ''يعتبر دعوة الى تجاوز الأحقاد والضغائن ويدفع بالمجتمع إلى التصالح''. وقدم تصورا حول البرامج التي شرعت منظمة اليونسكو في تنفيذها وذكر بأن منظمة اليونسكو بادرت سنة 1989 ببرنامج بعنوان ''مساهمة اليونسكو في السلم وحقوق الإنسان ولمحاربة كل أشكال التمييز'' وذلك بهدف إحلال السلم بالنسبة للجميع. وأبرز ان تنظيم هذا الملتقى من طرف المنظمة الوطنية لضحايا الإرهاب يعبر عن الدور الحيوي للمجتمع المدني في رفع التحديات. وبدوره اكد رئيس لجنة أوروبا-إفريقيا السيد جونسون كينيث الذي تحدث باسم الاتحاد الإفريقي ان إفريقيا ''تتجند وتطالب بحقها في التكفل بمصيرها''، وقال ان الاتحاد الإفريقي يشجع كل الجهود الرامية الى محاربة الإرهاب، واعتبر مبادرة المنظمة الوطنية لضحايا الإرهاب بتنظيم هذا الملتقى خطوة ايجابية في سبيل تكريس السلم في دولة عانت الكثير جراء ظاهرة الإرهاب.أما المدير السابق للصندوق الدولي من اجل ترقية الثقافة السيد بيست كيفلي سيلاسي الذي تحدث كممثل للسيد فيديريكو مايور ساراغوزا رئيس المؤسسة من أجل ثقافة السلم، فقد أشار الى ان ضحايا الإرهاب هم الذين ''عليهم رفع أصواتهم عاليا لإدانة الإرهاب وفظاعته''. ورافع المدير السابق على مستوى اليونيسكو السيد قاسم بن صالح في محاضرته التي جاءت تحت عنوان'' النزاعات، السلم والتنمية المستدامة: دور وتحديات تلقين ثقافة السلم'' من اجل دور فعال تلعبه المنظومة التربوية في تكريس المصالحة الوطنية، وشدد على الدور البارز للمدرسة خاصة الأجيال الناشئة ووصف المدرسة بأنها احد أهم دعائم القضاء على الضغائن وإفشاء روح السلم والتسامح بين أبناء الوطن الواحد وحتى بين الشعوب.