تحركت الدول الغربية بشكل لافت مباشرة بعد مجزرة سفينة مرمرة في سابقة هي الأولى من نوعها تقاطعت فيها مواقفها بخصوص ضرورة إجراء تحقيق ''شفاف'' في الملابسات التي أحاطت بعملية اقتحام أسطول الحرية والقتلى الذين سقطوا خلاله .وتأكد من خلال هذه التحركات أن إسرائيل وضعت جميع حلفائها في مأزق حقيقي مما حتم عليهم الإسراع بهذه التحركات ليس رغبة منهم في إحقاق الحق وإنما حماية لإسرائيل من تبعات جريمتها التي اقترفتها لإدراكهم المسبق أن أوراقها ضعيفة كون جريمتها وقعت في عرض المياه الدولية وضد أناس مسالمين. ولم تكن الاتصالات المكثفة التي أجراها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو مع نائب الرئيس الأمريكي جو بايدن والرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي إلا سعيا منه لبحث مخرج لهذا المأزق الذي احدث استنفارا واسعا في إسرائيل للبحث عن طريقة للتخفيف من انعكاساته السلبية. وتكون الولاياتالمتحدة هي أكثر حلفاء إسرائيل التي وجدت نفسها في قلب إعصار التصرف الجنوني لهذه الأخيرة وهي الآن تحاول ترقيع ما يمكن ترقيعه واضطرت لإرسال جو بايدن نائب الرئيس اوباما إلى مصر لاحتواء تداعيات مجزرة اقترفت في اعالي البحار. ولاحظ الكثير من المتتبعين كيف تحولت الإدارة الأمريكية عن موقفها المتصلب لإبقاء الحصار على قطاع غزة عقابا لحركة حماس إلى مؤيد لرفعه وراح بايدن أمس يبحث عن سبل لتقديم مساعدات إنسانية واقتصادية وطبية لسكان هذا الجزء من الاراضي الفلسطينية في سياق مقاربة شمولية تراعي امن إسرائيل كمطلب أساسي لأي تحرك في هذا المجال. والواقع أن تحرك واشنطن في المنطقة جاء بعد أن أبدت العديد من المنظمات الإنسانية إصرارها على تنظيم قوافل إنسانية جديدة وهو ما جعلها تستبق الأحداث ودفع بها إلى إرسال جو بادين من اجل تقليل وقع هذه القوافل على صورة إسرائيل التي تهاوت إلى الحضيض. وهو الأمر الذي لم يخفه وزير الخارجية الفرنسي برنارد كوشنير الذي أكد أن دعوة باريس إلى إجراء تحقيق دولي شفاف يخدم مصلحة إسرائيل أكثر مما يضر بها ملمحا إلى أن الفكرة المطروحة حاليا أكدت تشكيل فريق تحقيق أمريكي فرنسي. وهو أمر كاف للحكم على نتيجة تحريات أعضاء مثل هذا الفريق إذا راعينا الانحياز الذي تبديه باريس وواشنطن إلى جانب الكيان الإسرائيلي. وتحركت فرنسا وبريطانيا امس من اجل القيام بتحقيق دولي في مجزرة سفينة مرمرة ليس حبا في الفلسطينيين وإنما رغبة في ضمان حماية اكبر لإسرائيل من تبعات ما اقترفته ولم تكن دعوة وزير الخارجية الفرنسي برنارد كوشنير ونظيره البريطاني وليام هيغ بضرورة الشروع في هذا التحقيق إلا مجرد طريقة للتخفيف من نتائج التحقيق على صورة اسرائيل لدى الرأي العام العالمي. ولكن هل سيطمئن الفلسطينيون لنتائج هذا التحقيق مادامت دولا مثل فرنسا وبريطانيا وألمانيا هي التي طالبت بإجرائه؟ سؤال يفرض نفسه ويدعو إلى طرح تساؤلات متلاحقة حول آليات إتمامه والغاية منه وهل سنرى في نهايته إسرائيل تدفع ثمنا لجريمتها وهل ستتمكن الأممالمتحدة التي اصدر مجلس أمنها قرار الإدانة ضد اسرائيل القيام بدورها هذه المرة وبما تخوله لها القوانين الدولية في هذا الشأن. والمؤكد أن الأمين العام الاممي سيجد نفسه في أصعب امتحان له منذ توليه مهامه في مواجهة حكومة إسرائيلية متعنتة. وهي الحقيقة القائمة بعد أن سارع الوزير الأول الإسرائيلي إلى رفض كل تحقيق دولي في عملية القرصنة التي تعرضت لها السفينة الإنسانية التركية قبل أسبوع . ويتوقع نتيجة لذلك أن تجد المجموعة الدولية نفسها في سياق معركة قانونية لتحديد من أين يبدأ التحقيق وأين ينتهي ومن يقوم به والأكثر من ذلك هل ستكون له نتائج ويتم لأول مرة توبيخ إسرائيل على جريمتها هذا اذا سلمنا أن اسرائيل ستتعامل ايجابا مع المجتمع الدولي. وهي كلها أمور من الصعب تحقيقها إذا عملنا أن أعضاء مجلس الأمن الذين صادقوا على قرار تشكيل فريق تحقيق لمعرفة ملابسات اقتراف تلك الجريمة اختلفوا في قراءة نصه بين داع إلى إنشاء فريق تحقيق دولي وموقف أمريكي متحفظ وحكومة إسرائيلية تصر تحقيق إسرائيلي مستقل. وإذا تمكنت الولاياتالمتحدة من تحقيق مبتغاها في هذا الشأن فمعنى ذلك أن نتائجه ستكون معروفة مسبقا من منطلق القول الشعبي المتواتر لدى العامة ''الرشام أحميدة واللعاب أحميدة'' وبقناعة أنه مهما كانت درجة استقلالية من تعينهم إسرائيل للتحقيق في المذبحة فإنهم لن يقولوا الحقيقة على حساب دولتهم. وحتى إذا أخذنا بالاحتمال الثاني بتشكيل فريق دولي مستقل فإن الإشكالية الأولى التي ستواجه اعضاءه ستكون الرفض الذي ستبديه إسرائيل والعراقيل التي سيجدها أمامه. كما أن الشفافية التي طالب بها الوزيران الفرنسي والبريطاني خلال اول لقاء بينهما منذ تشكيل الحكومة البريطانية تبقى مبهمة المعالم وتدفع إلى التساؤل ايضا هل ستكون لكوشنير وهيغ الشجاعة الدبلوماسية للمطالبة بتطبيق ما ينص عليه القانون الدولي في قضايا القرصنة البحرية في المياه الدولية لمعاقبة إسرائيل وردعها على عدم تكرار ما اقترفته.