تأكد أسبوع بعد مجزرة سفينة ''مرمرة'' التركية أن إسرائيل لم تكن تتوقع النتائج العكسية للقوة المفرطة التي استعملتها في حق متضامنين مسالمين سواء على صورتها في العالم أو من حيث درجة الإصرار الذي تركته لدى كل المنظمات الإنسانية الدولية التي أكدت أنها لن تتراجع رغم كل ما حدث مادامت مهمتها نبيلة وتهدف إلى رفع الحيف المسلط على 5,1مليون إنسان. فلم تزد الطريقة الحمقاء التي تعاملت إسرائيل بواسطتها مع قافلة الحرية النشطاء الإنسانيين في العالم إلا إصرارا اكبر من اجل مواصلة نشاطهم ولم تكن المجزرة الإسرائيلية المقترفة في حقهم إلا وسيلة كسر عبر حاجز الخوف وأصبحت إسرائيل مجرد دولة مارقة ولكنها في الحقيقة كيان يخاف من شبحه. وكانت رحلة سفينة راشيل كوري الايرلندية وعدم تراجع أصحابها عن مشروعهم الإنساني محفزا إضافيا للعديد من المنظمات الإنسانية في مختلف دول العالم لتنظيم قوافل إنسانية إضافية إلى سكان قطاع غزة المحاصرين. وبدأت حكومة الاحتلال تستشعر خطورة مثل هذا الإصرار عندما أدركت أن هؤلاء لم يعد يهمهم ما يعانوه من همجية الجنود الإسرائيليين بقدر ما يهمهم إكمال مهمتهم إلى نهايتها. وجعلها تدرك أيضا أن تجربة استعمال العنف المفرط ضد نشطاء مسالمين حتى لا يخلطوا عليها حساباتها في كيفية التعامل مع حركة حماس لم يعد يقنع وجعلها تعيد حساباتها والتكفير في طريقة تعاطي جديدة مع هذه القوافل. ووجدت حكومة الاحتلال نفسها على ضوء إفرازات ما حدث في مأزق حقيقي فهي من جهة لا تريد المغامرة بتكرار جريمة سفينة مرمرة بسبب نتائجها العكسية وقد تأكد ذلك في طريقة تعاملها مع طاقم سفينة راشيل كوري وهي من جهة ثانية غير قادرة على تغاضي الطرف على رغبة أصحاب هذه القوافل وهي ترى خطتها بقتل حركة حماس سياسيا بتجويع 5,1 مليون فلسطيني من سكان القطاع تسقط في الماء كما يقال . وتفطنت إسرائيل إلى أن طريقة تعاملها مع قافلة الحرية غيرت نظرة الرأي العام الغربي إليها من ضحية إلى معتدي ومسوؤليها من ساسة متفتحين وديمقراطيين إلى مجرد مجرمي حرب وان الصورة النمطية التي حفرت في أذهان المجتمعات الغربية لإسرائيل التي يجب أن تحظى بالعناية بدأت تتفتت في اوساط هذه المجتمعات التي استيقظت هي الأخرى ولو متأخرة على حقيقة هذا الكيان وزيف منطلقاته الفكرية . والحقيقة الأخرى التي تأكد منها العالم اجمع هي أن الرأي العام ومنظمات المجتمع المدني في العالم بإمكانها أن تصنع الحدث وتغير مسار الأحداث والأكثر من ذلك أنها قادرة على تغيير مواقف حكوماتها . وقد تأكد ذلك يومان بعد قرصنة أعالي البحار عندما تفطنت عواصم غربية فاعلة أن الغزاويين يعيشون مأساة حقيقية يجب أن تنتهي وهي القناعة التي انتشرت من واشنطن إلى باريس مرورا بلندن وبرلين ووصولا إلى الأممالمتحدة التي تناغم خطابها بنغمة واحدة أن استمرار حصار غزة أمر غير مقبول ويجب أن يرفع بل أن الحكومة البريطانية ولأول مرة قررت منح هبة بقيمة 30 مليون جنيه إسترليني لنجدة سكان غزة في التفاتة لم تكن مطروحة ساعات قبل مجزرة سفينة ''مرمرة'' . وتأكد أيضا أن إسرائيل خسرت معركتها الإعلامية ولم تتمكن من تسويق خطاب وصورة المعتدى عليه التي سوقتها لعقود للرأي العام الغربي لا لسبب إلا لأن من شاركوا هذه المرة في قافلة أسطول الحرية لم يكونوا عربا ومسلمين وإنما رعايا من دول أوروبية وهي ورقة لم تتفطن لها إسرائيل عندما هاجمت السفينة التركية زاعمة أن من كانوا فيها إرهابيين أتراك. ولكن شهادات ناجين صرب وألمان وبريطانيين وفرنسيين ويونانيين وايرلنديين وحتى أمريكيين فضحت المزاعم الإسرائيلية ولم يجد الخطاب الإعلامي الإسرائيلي من يصدقه في النهاية وانقلب السحر على الساحر كما يقال إلى درجة أن صحفا إسرائيلية ولحفظ ماء وجه الكيان الإسرائيلي حملت مسوؤلية هذه الانتكاسة التي ضربت صورة إسرائيل الدولة الديمقراطية الوحيدة في منطقة الشرق الوسط في الصميم تنقلب هي الأخرى على حكومتها وحملت نتانياهو وباراك مسؤولية ما حدث. وهو سوء التقدير الذي جعل صناع القرار الإسرائيليين يفكرون في طريقة أنجع للخروج من ورطة هذه القوافل الإنسانية التي يصر أصحابها على تكثيفها من خلال السماح لها بالوصول إلى ميناء غزة شريطة أن تخضع لعمليات تفتيش أممية لها بدعوى منع تهريب أسلحة إلى حركة حماس. ويؤكد ذلك أن إسرائيل لم تعد تمتلك تلك القوة التي تغطي فيها على جرائمها إلى درجة أن أعضاء قافلة سفينة راشيل كوري أرغمتهم على التوقيع على تعهد بعدم رفع دعاوى قضائية ضد إسرائيل لدى عودتهم إلى دولهم. وهو ما يعني أن إسرائيل بدأت تضع ألف حساب للملاحقات القضائية التي أصبحت تهدد مسؤوليها أو المتورطين في جرائم القتل التي يقترفونها.