بالزهور والزغاريد والدموع فضل أبناء الوطن استقبال الجالية المقيمة بالمهجر التي نظمت نفسها في رحلات للعودة إلى أرض الوطن والاستمتاع بعطلة الصيف التي تزامنت هذه السنة مع شهر رمضان، وسواء من اختار الطائرة أو الباخرة فإنه يجد نفس الاستقبال بعد أن جندت مختلف مصالح الشرطة والجمارك والوزارة الوصية كل الإمكانيات البشرية لتسهيل عملية معالجة الوثائق الإدارية والاعتناء بذوي الفئات الخاصة، ليبقى الانشغال الوحيد الذي لمسناه عبر المطار الدولي هواري بومدين هو طول فترة معالجة الحقائب التي قد تصل إلى ساعة كاملة، أما بالميناء فالرصيف الوحيد المخصص لبواخر المسافرين أصبح غير قادر على استيعاب الطلب المتزايد في مثل هذه المناسبات، لكن لقاء الأهل والأحباب في كل مرة ينسي المسافرين مشاق السفر. حركة دؤوبة تلك التي يشهدها كل من المطار الدولي هواري بومدين وميناء العاصمة هذه الأيام والتي تتزامن مع عودة المهاجرين إلى أرض الوطن، وككل سنة في هذا الوقت تجند مختلف المؤسسات الناشطة عبر هذين المرفقين عمالها لتحسين ظروف الاستقبال وتسهيل الإجراءات الإدارية من تصديق على الوثائق وجمركة. وللوقوف على عمل هذه المؤسسات قمنا بزيارة ميدانية لكل من المطار الدولي والميناء، حيث كانت قاعات الاستقبال مملوءة عن آخرها بالمواطنين الذين تنقلوا من عدة ولايات لاستقبال ذويهم، حيث تجد عيونهم منصبة على مخرج المسافرين في محاولة لاختطاف أول نظرة وتحديد ذويهم من ضمن قوافل المسافرين، والصورة هي نفسها أينما كنا حيث لم تتمالك العيون عند اللقاء لتدمع دموع الفرح والزغاريد احتفالا بالعودة الميمونة لأرض الوطن. قاعة الوصول بالمطار لا تستوعب العدد الهائل من المنتظرين ونحن ببهو المطار الدولي هواري بومدين الذي تزين منذ مدة بالرايات الوطنية وشعارات المونديال تزامنا مع مشاركة الفريق الوطني في فعاليات كأس العالم، كانت لنا فرصة التقرب من بعض العائلات التي فضلت التنقل بجميع أفرادها لاستقبال ذويها العائدين من بلاد المهجر، حيث صعب علينا الأمر في الوهلة الأولى لاستقطاب انتباههم الذي كان مركزا بالدرجة الأولى على باب مخرج قاعة النزول وهم يتساءلون عن وجهة الطائرة التي حطت، فلا يمر أحد من أعوان الجمارك أو شرطة الحدود دون أن توجه له عدة أسئلة حول وجهة الطائرة وتوقيت وصول باقي الطائرات، حتى حزام الأمان الذي وضع لفصل مخرج القاعة عن بهو المطار كان يشهد تنقل العديد من المواطنين لاختطاف نظرة من قاعة النزول، وبعين المكان تحدثت لنا ''السيدة فاطمة'' التي كانت في انتظار ابنتها القادمة من فرنسا والتي لم ترها منذ عدة سنوات مشيرة إلى أن أصعب شيء بالنسبة لها هو الانتظار، مما دفع بأصغر بناتها صاحبة 13 ربيعا إلى اختيار زاوية عند مخرج القاعة لعلها تكون من السباقات لرؤية أختها، وبخصوص ظروف استقبال الجالية أكدت المتحدثة أن مسؤولي المطار مشكورون على حسن الاستقبال وتهيئة فضاءات للمواطنين مكيفة تتوفر بها كل ظروف الراحة، في حين أشار ''السيد محمد'' الذي كان رفقة كل أفراد عائلته في انتظار ابنه وزوجته القادمين من دولة الإمارات أن هذا اليوم سيكون تاريخيا كونه سيتعرف على حفيده الجديد القادم لأول مرة ليرى جده، وهي المناسبة التي استدعت كل أفراد العائلة التي انتظرت لأكثر من ثلاث ساعات وصول الطائرة، وما هي إلا ثوان حتى تجمهر المئات من المواطنين عبر حزام الأمان وهناك من فضل اجتيازه لاستقبال أول القادمين إلى أرض الوطن لتتعالى الزغاريد وتذرف الدموع احتفالا بقدوم الغائب الذي لم يتوان هو الآخر في مد بصره في القاعة مباشرة بعد ولوجها للبحث عن وجه يعرفه وهو في أمس الحاجة لأحضانه، حيث تجد تجمعات هنا وهناك، تقبل فيها الأيدي ورؤوس الكبار لتأكيد ذلك الوصل الذي لم تقطعه المسافات الكبيرة طوال فترة الغياب، ولتخليد مناسبة اللقاء يقوم الحضور بأخذ صور تذكارية ببهو المطار الذي تزين لاستقبال أبناء البلد. الحديث الجانبي الذي استطعنا بصعوبة انتزاعه من أبناء الجالية الذين كانوا في حالة قلق شديد وهم يطأون أرض الوطن لأول مرة بعد غياب طويل كان ممزوجا بالفرحة والاستحسان وحنين العودة، حيث استحسنوا في مجملهم العمل الدؤوب الذي يقوم به أعوان شرطة الحدود والجمارك، ليبقى الانشغال الوحيد هو طول فترة معالجة الأمتعة خاصة عند تزامن هبوط أكثر من طائرتين في نفس الوقت حيث يجبرون على الانتظار أكثر من ساعة بقاعة النزول قبل وصول حقائبهم. وحسب تصريح محافظ شرطة المطار السيد عبد الله عوادي ل''المساء'' فقد تم تجميد العطل الصيفية لكل أعوان شرطة الحدود تزامنا مع عودة المهاجرين في هذه الفترة من كل سنة، وتم توجيه تعليمات لمكاتب المراقبة لمعالجة الوثائق في وقت قياسي، حيث لا يزيد في بعض الأحيان عن 15 دقيقة للطائرة الواحدة، كما يقوم باقي الأعوان سواء على مدرج المطار أو بالبهو بمراقبة كل كبيرة وصغيرة للمحافظة على أمن وسلامة المطار، كونه البوابة الجوية للجزائر نحو العالم ومد يد المساعدة للمواطنين، كما يسهر أعوان الشرطة على إعطاء الصورة الحسنة للجزائر أمام ضيوفها من السوياح الأجانب الذين يزيد كذلك عددهم كذلك في هذا الوقت. من جهتها جندت مصالح الجمارك كل إمكانياتها المادية والبشرية للاستقبال الجيد لأبناء الجالية، حيث جهزت شبابيكها التي وضعت بقرب شبابيك شرطة الحدود مباشرة بأجهزة سكانير من الطراز الحديث لتحديد محتوى الحقائب التي يحملها المسافر بيده، وبعد وصول كل الأمتعة التي تمر عبر البساط المتحرك تتم عملية المراقبة الثانية للحقائب حيث يختار العون تلك التي تمر على جهاز السكانير وبعضها يراقب يدويا، إلا أن هذه العملية الأخيرة لا تكون إلا بعد تحديد وجود أشياء مشكوك فيها بالحقائب، وحسب تصريح أحد أعوان الجمارك فإن التجربة والتكوين الذي يقومون به ساهم بدرجة كبيرة في تسهيل إجراءات الجمركة، لتبقى قضية قيمة الأموال التي يجلبها المسافر معه الإشكال الوحيد حيث غالبا ما يجهل المهاجر القيمة المحددة للأموال الجزائرية أو الأجنبية المسموح بدخولها أو خروجها من أرض الوطن، ولم يخف محدثنا محاولة العديد من المسافرين المراوغة سواء لإدخال منتجات محظورة على غرار الذهب، قارورات الخمر، أو حتى الكمية المبالغ فيها للألبسة أو التجهيزات الكهرومنزلية، وفي كل مرة يعللون سلوكهم بطول فترة الغياب وضرورة جلب هدايا رمزية لكل أفراد العائلة، لكن ما هو مبالغ فيه يكشف نية كل محاول للتهريب وهنا تطبق إجراءات الحجز ودفع غرامات مالية لما هو زائد عن حده. وبخصوص طول فترة انتظار معالجة الأمتعة بمدرج المطار فقد بررها عمال مؤسسة تسيير المطار بقلة الإمكانيات والضغط الكبير على المدرج، خاصة عند تسجيل نزول أكثر من طائرتين في وقت واحد، حيث يستلزم لكل طائرة أكثر من نصف ساعة لإنزال كل الأمتعة قبل توجيهها إلى قاعة النزول، وهو ما يجعل المسافر ينتظر ساعة كاملة قبل حصوله على أمتعته. المسافرون عبر الميناء يطالبون برصيف ثان لتخفيف الضغط غالبا ما يفضل المهاجرون جلب سياراتهم معهم خلال عطلتهم الصيفية إلى أرض الوطن لتسهيل عملية تنقلهم بين الأهل والأصدقاء والتجول للاستمتاع بجمال الطبيعة، وهنا يقع اختيارهم على المؤسسة الوطنية للنقل البحري للمسافرين التي خصصت أربع بواخر من الحجم الكبير لاستيعاب الطلبات، وعند استطلاع أوضاع استقبال الجالية بميناء العاصمة كانت الخيمة التي نصبت عند المدخل للمواطنين المستقبلين لذويهم مملوءة عن آخرها، الأمر الذي اضطر العديد منهم إلى أخذ مكان على طول السياج الذي يفصل مخرج رصيف المسافرين عن الطريق العام، وهنا تزيد فترة انتظار وصول وخروج المسافرين من الميناء عن الثلاث ساعات في بعض الحالات بسبب طول فترة المعاملات على حد تعبير الوافدين، ويقول السيد كمال القادم من مرسيليا أن الباخرة رست بالميناء على الساعة العاشرة صباحا إلا أنه لم يتمكن من الخروج إلا بعد الساعة الثانية زوالا، وهو ما زاد من توتر ومعاناة الأطفال خاصة الذين وجدوا أنفسهم محاصرين في السيارة إلى حين استكمال إجراءات الجمركة، في حين رفع شقيق الوافد الذي قضى هو الآخر أكثر من خمس ساعات تحت أشعة الشمس اللافحة انشغاله للسلطات المحلية بغرض تخصيص فضاء مريح للمواطنين الراغبين في التنقل للميناء لاستقبال ذويهم، فلا يعقل حسبه تخصيص مساحة صغيرة عند مخرج الميناء على الهواء الطلق تغيب فيها أدنى شروط الاستقبال فلا مراحيض ولا قاعات مكيفة أو حتى محلات لبيع المرطبات والمياه المعدنية، وهو ما فتح المجال للسوق الموازية بالمكان حيث يصل في بعض الأحيان سعر قارورة المياه المعدنية من الحجم الصغير إلى 100 دج، ناهيك عن اختناق حركة المرور في كل مرة ترسو فيها باخرة نقل المسافرين. وهو نفس الانشغال الذي عبرت عنه العائلات القادمة من وراء البحر التي اشتكت من عدم وجود أكشاك لاقتناء قارورات الماء لأبنائهم الصغار! وبعين المكان برر أعوان شرطة الميناء والجمارك طول فترة المعاملات بضيق الرصيف، ورغم لجوء أعوان الجمارك إلى جمركة المركبات على متن الباخرة خلال رحلة العودة، إلا أن الأمر يتطلب الكثير من الوقت، من جهتها تؤكد المؤسسة الوطنية للنقل البحري للمسافرين أنها تحاول في كل مرة تحسين ظروف انتظار المسافرين خلال عملية الإنزال أو الصعود وهي العملية التي تتطلب الكثير من الوقت قبل توجيه كل مسافر إلى جناحه حسب نوعية تذكرته، أما مصالح ميناء الجزائر فترد سبب تخصيص رصيف واحد للمسافرين عن طريق البحر إلى ضيق الميناء بالدرجة الأولى وكذلك لموقعه الاستراتيجي بقلب العاصمة. برنامج استعجالي لتحسين ظروف استقبال المهاجرين مباشرة بعد تنصيب الوزارة المنتدبة المكلفة بشؤون الجالية الجزائرية المقيمة بالمهجر بادر كاتب الدولة السيد حليم بن عطا الله إلى تسطير برنامج استعجالي لتحسين ظروف استقبال الجالية من خلال إشراك كل القطاعات الفاعلة في العملية في انتظار تسليط الضوء أكثر على البرامج المعدة سلفا لاستقطاب طموحات وأموال أبناء الجالية بما يخدم الاقتصاد الوطني، وفي مبادرة أولية زار كاتب الدولة كلا من مطار هواري بومدين وميناء العاصمة للوقوف على انشغالات المسافرين، وحث كل الفاعلين لتنسيق جهودهم، كاشفا عن اتخاذ وزارته جملة من التدابير لتحسين ظروف الاستقبال من خلال المتابعة اليومية والاستماع المستمر لانشغالات الجالية، وهو ما يدخل في إطار السعي إلى ترقية تأطير عودة الجالية على ضوء البرنامج الحكومي الموجه لهذه الفئة، وعليه تقرر إعادة تشغيل الخط الأخضر لتسهيل التواصل بين الجالية ومختلف مصالح وزارة الخارجية. وبما أن تسهيل عملية تنقل الجالية باتجاه بلدهم الأم الجزائر، ليست مهمة وزارة الخارجية وحدها، كشف السيد حليم بن عطا الله ضرورة تكثيف جهود جميع القطاعات الوزارية المعنية، كالنقل والسياحة، حيث سيكون المخطط الجديد بمثابة خطة لبرنامج عمل موجه لحل مشاكل الجالية الوطنية بالمهجر، وأنه على ضوء هذه الإجراءات سيتم اتخاذ قرارات أخرى ذات طابع رقابي مع تفعيل نشاط جمعيات الجزائريين بالخارج.