شدد مشروع القانون المتعلق بحماية المسنين الإجراءات العقابية ضد الذين يتعرضون إلى هذه الفئة بسوء أو يستغلون الإعانات التي تمنحها الدولة لفائدة هذه الشريحة، حيث تصل العقوبة إلى السجن النافذ لمدة ثلاث سنوات، وحددت الحكومة من خلال التشريع الجديد مجال تدخلها لحماية هذه الفئة بما يخفف عنها متاعب الحياة. أودعت الحكومة رسميا مشروع القانون الخاص بفئة المسنين لدى البرلمان تحسبا لمناقشته والمصادقة عليه في الدورة الخريفية المرتقب انطلاقها بداية شهر سبتمبر، وذلك في خطوة لتنفيذ السياسة الوطنية الموجهة لهذه الشريحة والتي ما فتئ عددها يتزايد حيث تشير الإحصائيات الرسمية إلى أن عددها يقارب 3 ملايين نسمة ويتوقع أن يرتفع العدد إلى 6 ملايين في السنوات القادمة. وحسب مضمون المشروع الذي تحصلت ''المساء'' على نسخة منه فإن الهدف من النص الجديد هو تحديد القواعد والمبادئ الرامية إلى تدعيم حماية الأشخاص المسنين وصون كرامتهم في إطار التضامن الوطني والعائلي والتضامن بين الأجيال. وتطبق أحكام النص على كل شخص مسن يبلغ من العمر 65 سنة فما فوق، وتهدف تلك الأحكام إلى ضمان التكفل بالأشخاص المسنين المحرومين أو دون روابط أسرية والذين يوجدون في وضع صعب أو هشاشة اجتماعية وتوفير لهم ظروف معيشة تليق بحالتهم البدنية والنفسية. وجاء مشروع القانون في 37 مادة أساسية موزعة على سبعة فصول، حددت بوضوح التصور الجديد للدولة في حماية هذه الفئة، وفي هذا السياق فإن الفصل الخاص بدور الأسرة وواجباتها تجاه الأشخاص المسنين يشير بوضوح في مادته الخامسة إلى ضرورة أن تتكفل الأسرة بذويها من المسنين وحمايتهم وتلبية حاجياتهم، وهذه المادة يريد من خلالها المشرع جعل مسألة رعاية المسنين من طرف أفراد العائلة واجبا بقوة القانون ولا يمكن أن تتحجج بقلة الإمكانيات، كون الدولة والجماعات المحلية وكذا كافة المؤسسات المتخصصة المعنية بالمساعدة الأسرية تعود على عاتقها تقديم إعانة للأسر المحرومة أو التي هي في وضعية هشة اجتماعيا. أما بالنسبة للعائلات التي تملك إمكانيات مادية كافية فإن التكفل بالأشخاص المسنين من ذويهم يعد واجبا بقوة القانون. وفي الفصل الخاص بحماية الأشخاص المسنين فإن المشرع الجزائري أشار كذلك إلى أن الهدف من القانون هو دعم إبقاء الشخص المسن في وسطه العائلي وتجنب قدر الإمكان توجيهه نحو دور الشيخوخة التي تبقى المأوى الأخير لهذه الفئة وذلك في حال عدم وجود أي أصول لهم أو في حال عدم وجود أية عائلة تعبر عن رغبتها في ضمان رعايتهم. وبالنظر إلى ما تعانيه فئة المسنين، فإن الدولة تأخذ على عاتقها حمايتهم ومساعدتهم من خلال اتخاذ إجراءات تساهم في محاربة كل أشكال التخلي والعنف وسوء المعاملة والاعتداء والتهميش والإقصاء من الوسط الأسري والاجتماعي، كما تقع على عاتق الدولة مسؤولية توفير العلاج لهم وإحداث هياكل الصحة الخاصة بطب الشيخوخة وذلك على مستوى كل الهياكل الاستشفائية. وأكثر من هذا فإن الأشخاص المسنين المحرومين أو الذين هم في وضع صعب وفي وضعية اجتماعية هشة يستفيدون من مجانية النقل البري والجوي والبحري والنقل بالسكك الحديدية أو من التخفيض من تسعيراته، ويستفيدون أيضا من المقاعد الأولى للنقل العمومي. كما يستفيد هؤلاء من الأولوية في المؤسسات والأماكن التي تضمن خدمة عمومية، كما يستفيدون من الأولوية في المقاعد المتواجدة في الصفوف الأولى في الأماكن والقاعات التي تجري فيها النشاطات والتظاهرات الثقافية والرياضية والترفيهية. وتقع على عاتق الدولة مهمة تمكين المسنين من الحصول على المعلومات المتعلقة بميادين ذات صلة بحقوقهم واحتياجاتهم، خاصة التدابير المتخذة لصالح الأشخاص المسنين المحرومين أو في وضع صعب أو في وضعية اجتماعية هشة. كيف يتم تحديد الإعانة الممنوحة للمسنين؟ ولتنظيم عملية منح الإعانات لشريحة المسنين فإن القانون الجديد الذي بادرت به الحكومة يبرز مجال تدخل الدولة والفئات المعنية بالمساعدة، ويشير المشروع في الفصل الرابع بأن الإعانة تمنح للأشخاص المسنين الذين هم في حالة تبعية ويقصد بذلك ''كل شخص مسن يحتاج لمساعدة الغير للقيام بأعمال الحياة اليومية الأساسية أو يحتاج إلى مراقبة منتظمة''. ويستفيد الأشخاص المسنون في وضعية تبعية والمحرومون من تكفل خاص، لا سيما في مجال العلاج واقتناء التجهيزات الخاصة والأجهزة وعند الاقتضاء من مرافقة مناسبة، وتتكفل المصالح المكلفة بالنشاط الاجتماعي المختصة إقليميا بمعاينة وضعية تبعية للشخص المسن.وتقع على عاتق الدولة مهمة السهر على توفير المؤسسات وهياكل الاستقبال والمستخدمين والوسائل الضرورية للتكفل بالأشخاص المسنين في وضعية تبعية. وتوفر الدولة لكل شخص مسن في وضع صعب أو بدون روابط أسرية وذي مستوى موارد غير كافية إعانة اجتماعية أو منحة مالية. ويمنع القانون الجديد وضع شخص مسن في مؤسسة متخصصة للمسنين إذا كانت لديه روابط أسرية حيث تشير المادة 25 من المشروع إلى أنه ''يخصص الوضع في المؤسسات المتخصصة أو هياكل الاستقبال للأشخاص المسنين المحرومين أو بدون روابط أسرية ... ولا يمكن قبول الأشخاص المسنين في المؤسسات المتخصصة أو هياكل الاستقبال أو إبقائهم فيها إلا عند الضرورة أو غياب بديل''. وتستفيد عائلات الاستقبال مقابل التكفل بالأشخاص المسنين المحرومين أو بدون روابط أسرية من دعم الدولة في مجال المتابعة الطبية وشبه الطبية والنفسية والاجتماعية، وتكون الخدمات ووضع الأشخاص المسنين محل اتفاقيات تبرم بين المصالح المختصة المكلفة بالنشاط الاجتماعي المختصة إقليميا ومقدمي الخدمات المعنيين. وينص القانون الجديد على أن العائلات التي تتكفل برعاية الأشخاص المسنين بإمكانها الاستفادة من الخدمات التي تقدمها المؤسسات وهياكل استقبال الأشخاص المسنين وذلك خلال النهار فقط، ويتعين على الأسر التي تملك دخلا ماليا كافيا المساهمة في مصاريف الخدمات المقدمة داخل المؤسسة. ونفس الشيء ينطبق على الأشخاص المسنين الذين يملكون دخلا كافيا والذين يستفيدون من خدمات تلك المؤسسات حيث يتعين عليهم دفع مقابل مالي نظير الخدمات المقدمة لهم. السجن للمستفيدين المزيفين من إعانة موجهة للمسن وفي الفصل الخاص بالأحكام الجزائية فقد شدّد المشرع الجزائري من الإجراءات الردعية حيث أنه كل من ترك شخصا مسنا أو عرّضه للخطر فإن العقوبة قد تتراوح ما بين 6 إلى 18 شهرا وبغرامة من 20 ألف إلى 200 ألف دينار، إضافة إلى العقوبات المنصوص عليها في قانون العقوبات وخاصة المادتين 314 و,316 فالأولى تنص على أن ''كل من ترك طفلا أو عاجزا غير قادر على حماية نفسه بسبب حالته البدنية والعقلية أو عرضه للخطر في مكان خال من الناس أو حمل الغير على ذلك ويعاقب لمجرد هذا الفعل بالحبس من سنة إلى ثلاث سنوات. أما المادة 316 فتنص على أنه ''كل من ترك طفلا أو عاجزا غير قادر على حماية نفسه بسبب حالته البدنية والعقلية أو عرضه للخطر في مكان غير خال من الناس أو حمل الغير على ذلك يعاقب لمجرد هذا الفعل بالحبس من ثلاثة أشهر إلى سنة''. وأكثر من هذا فقد شدد القانون الإجراءات الردعية ضد الذين يتحايلون على القانون من خلال تمكين ''مستفيدين مزيفين'' من الإعانات التي تمنحها الدولة، وعليه فإن كل ''شخص ساعد أو سهل بأي وسيلة كانت الحصول على الأداءات أو الإعانات الاجتماعية'' لمستفيدين غير شرعيين فإن العقوبة تتراوح بين السجن لمدة سنة إلى ثلاث سنوات وبغرامة مالية تتراوح ما بين 50 ألف إلى 200 ألف دينار. كما تسلط نفس العقوبة على كل شخص تلقى عن طريق الاحتيال الخدمات إو الإعانات التي تمنحها الدولة للمسنين. ويمنع على المواطنين أيضا إنشاء مؤسسات أو هياكل استقبال خاصة بالمسنين التي هي من مهام الدولة وحدها.ومن جهة أخرى فإن الوزير المكلف بالتضامن الوطني مطالب بموجب القانون الجديد بعرض تقرير سنوي إلى الحكومة يتناول وضعية الأشخاص المسنين وتنفيذ البرامج المخصصة لحمايتهم. وتقرر كذلك تخصيص يوم 27 أفريل من كل سنة كيوم وطني للشخص المسن.