هل يمكن أن تصبح ''الميزيرية'' موضة من موضات العصر، فيرتدي الثري لباس الفقير حتى يشعر ولو لهنيهات بشقاء أخيه وصعوبة حياته؟ هل يمكن أن يحدث هذا فعلا؟ ربما نعم ولو في مسرحية ''الميزيرية الموضة'' عن نص سيد علي بوشافع واخراج عبد الرحمن حبوش، والتي عرضت سهرة أول أمس بقاعة ''ابن زيدون'' برياض الفتح. المكان: الجنينة، الزمان: صباحا، الشخصيات، صافي، مراد خان، صافية (لويزة نهار) وعبد النور (جعفر مشزين). تبدأ أحداث المسرحية مع صافية، التي تسكن وربي (البيت القصديري) بالجنينة، وتواجه كل يوم أكواما من الزبالة تتناثر في الحديقة، فتسعى لتنظيف المكان رغم قرفها من تصرفات أناس لا يجيدون سوى رمي قاذوراتهم في الأماكن العامة حتى أنهم يقضون حاجاتهم فيها!! أما المتشرد عبد النور الذي سكن الجنينة فلم يعد يبالي بالقذارة التي تحيط به، بل أصبح لا يخرج من عالمه الذي سجن نفسه فيه. وها هو صافي السياسي الذي يحتاج الى توقيع واحد ليتمكن من الترشح للانتخابات التشريعية فهل يجد ضالته في الجنينة ؟ قد يحدث هذا وقد لا يتم، فصافية ليست ساذجة ولا يمكن الضحك عليها بسهولة، وتتساءل في قرارة نفسها عن سبب قدوم هذا الرجل صاحب الثياب الأنيقة إلى جنينة تحتضن المتشردين والمجانين؟. صافي شعر بوجود ضالته في هذه الجنينة، فطلب من صافية التوقيع حتى يتمكن من الترشح لمنصب يخدم به شعبه وهنا تضحك صافية من كلام هذا الغريب وتقول له ''من يصل إلى الأعالي، ينسى أنه كان في يوم من الأيام في الدرك الأسفل، ومن يصعد السلم يتجاهل الفقراء أمثالنا''. ويرفض صافي اتهام صافية ويعدها بالكثير في حال تحقيقه لمراده، ولكنها لا تصدق وتسخر من كلامه خاصة عندما يقول لها أن مستقبل الأمة يقع في محفظته التي تحمل التوقيعات ولكنها تطلب منه أن يعيش ولو لأيام في زي الفقير، حتى يشعر بهموم الطبقة التي يقول أنه سيدافع عنها كسياسي. ويقبل صافي بتحدي صافية وينزع عن نفسه لباس الثري ويتحول الى فقير يسكن قوربي ويتكفل بجلب الماء من عين تقع في مخرج الجنينة، حتى أنه يعيد بناء الوربي بعد أن تهدمه الأمطار الغزيرة وتتسارع الأحداث ويقع صافي في غرام صافية المرأة التي وجدت في الجنينة ملاذا لها بعد أن أباد الارهاب عائلتها حتى أنها أصبحت أما لطفل وجدته في الحديقة بعد أن تخلى عنه والداه، وماذا عن صافية هل خفق قلبها لصافي؟ نما الحب في الجنينة بين صافي وصافية فيقرران الزواج، وبالمقابل ينطق عبد النور أخيرا بالكلام المباح ويخرج من عالمه ويحكي قصة حياته عندما كان أستاذا. لقد تناولت هذه المسرحية العديد من المواضيع الحساسة، في قالب حزين أحيانا ومضحك أحيانا أخرى جسدها التمثيل المميز لمراد، لويزة وجعفر، من بينها الحالة المزرية التي تعيشها الكثير من فئات المجتمع والتي فقدت الأمل في السياسيين الذين يقولون أكثر مما يفعلون الى جانب مشكل السكن الذي يمس حتى طبقة المثقفين وأصحاب المهن، علاوة على ظاهرة الأوساخ المتناثرة في المدن دون أن ننسى واقع ضحايا الإرهاب.