أخشى أن تتحول الكتابة الروائية عندنا إلى موضة تعيش بضعة أشهر ثم تدخل متحف التاريخ لكي لا أقول برزخ البرازخ إلى يوم يبعثون. اليوم، وأنا على متن سيارتي، خطر ببالي لسبب من الأسباب اسم الزميل الراحل عبد الحميد بن هدوقة. لم أفكر فيه هو بالذات، لكنني كنت منشغلا على جري عادتي بالإبداع الروائي. كيف أبني هذه الفكرة، وكيف أصور تلك الشخصية، وكيف أبحر في تضاعيف ذلك الحدث وهلم جرا. لكن سي عبد الحميد فرض علي نفسه فرضا. كان سي عبد الحميد حديث الخاص والعام في النوادي واللقاءات الأدبية، في الداخل وفي الخارج، لكن، ما عاد يجري له اليوم ذكر في نفس هذه المحافل. هل أنا مخطىء في تصوراتي هذه؟ إننا نكتب الرواية في هذه الجزائر، وهناك جيل جديد من أولئك الذين يعالجون هذا الفن الخطير الرائع، لكنني ألاحظ أن هذا المولود الجميل، أي الرواية، لا يكاد يعيش أكثر من بضعة أشهر على غرار ما يحدث في العالم الأوربي بوجه أخص. فهل نحن نسير وفقا للقوانين والمعايير المعمول بها في أوربا؟ وهل من الواجب أن يكون الروائي على قيد الحياة حتى يجري الحديث عنه؟ أغلب الظن أننا لو سرنا على هذه القاعدة التي لا تمثل قاعدة في أساسها فإن الطرق ستلوب بنا، ولن نصمد بعدها في ساحة الإبداع الروائي. بل إننا سنجعل من هذا السلوك التجاري تقليدا في حياتنا الأدبية من حيث إنه يجب أن ننهج طريقا أخرى لكي نجعل من فن الرواية فنا يصبحنا ويمسينا لأنه فن هذا العصر عن اقتدار وجدارة. الروائي الذي يمضي بضعة أشهر أو بضع سنوات لكي تولد على يديه رواية جيدة من حقه أن يطمع في البقاء في ذاكرة قرائه، ومن حقه أيضا أن يكون حديث الخاص والعام في اللقاءات الأدبية وفي الصفحات الثقافية وفي الجامعات وفي غيرها من الأماكن التي يدور فيها الحديث عن الأدب وعن الفن الروائي بشكل أخص. مرة سألني سي عبد الحميد متشائما: ولم، يا ترى، لا يبقى إبداع هذا الأديب أو ذاك مدة خمسين عاما قبل أن تسقط عنه حقوقه وتصير ملكا لما هو عام؟ لم أفهم القصد من سؤاله ذاك، لكنني اليوم أدرك سبب مرارته بعد أن غاب عن دنيانا الثقافية، وبعد أن نسيه الطلاب والباحثون والجامعيون اللهم إلا من لقاء يتيم ينظم كل عام في مدينة برج بوعريريج، ولا يكاد يشهده إلا بعض المختصين. فهل فن الرواية عبارة عن موضة عندنا في هذه الجزائر لا يعيش إلا بضعة أشهر في حين أنه يفترض فيه أن يعيش طويلا ويبتهج بالحياة على حد تعبير الشاعر إيليا أبي ماضي؟