دخلت فرنسا أمس مرحلة الشلل التام عشية شروع مجلس الشيوخ الفرنسي في مناقشة مشروع قانون التقاعد الذي أثار سخط الطبقة العاملة والتي قررت نقاباتها الخروج إلى الشارع في قبضة حديدية مع الحكومة إلى غاية إبطاله.فبينما شهدت شوارع كبريات المدن الفرنسية وعلى رأسها العاصمة باريس اكبر المسيرات الاحتجاجية لم يتمكن الرئيس الفرنسي البقاء في صمته وقرر إخراج عصا التهديد من جديد في محاولة لثني النقابات عن تشددها في مواقفها. شوقال الرئيس الفرنسي أمس انه سيضطر إلى اتخاذ إجراءات ردعية ضد توقف مصافيء تكرير النفط ومن اجل ضمان النظام في البلاد. وقال ساركوزي بلغة ديمقراطية طغت عليها لغة التهديد ''انني اتفهم مخاوف البعض ولكن في أية ديمقراطية لكل واحد الحرية في التعبير ولكن ذلك يجب أن يتم بعيدا عن أي عنف أو تجاوزات. وأضاف بمدينة دوفيل في شمال غرب فرنسا حيث شارك في قمة مع المستشارة الألمانية انجيلا ميركل والرئيس الروسي ديمتري ميدفيديف ''سأعقد بمجرد عودتي إلى باريس اجتماعا لإنهاء حالة الاحتقان لأن بعض الناس يريدون العودة إلى مناصب عملهم ولا يجب حرمانهم من الوقود''. ولم يتمكن الرئيس الفرنسي الصمت أكثر بعد ستة أيام من مظاهرات متلاحقة مطالبة بإلغاء مشروع قانون التقاعد بعد أن اقتنع أن المتظاهرين عازمون على مواصلة مظاهراتهم بما قد يؤدي إلى إحداث شلل تام في البلاد. ولكن مخاوف ساركوزي زادت بعد أن دخلت قطاعات استراتيجية مثل قطاعات تكرير النفط والنقل هذه الإضرابات التي انطلقت منذ طرح مشروع هذا القانون للنقاش بداية الشهر الماضي. وكان توقف 12 معملا للتكرير ونفاد البنزين في 2500 محطة توزيع بمثابة ناقوس الخطر الداهم بالنسبة للحكومة الفرنسية التي ربما لم تكن تتوقع أن تتطور الأمور لتأخذ هذا المنحى بسبب مشروع هذا القانون الذي لاقى معارضة شعبية وعمالية واسعة. وأثرت هذه الوضعية على الرحلات الجوية التي ألغي 50 في المئة منها في وقت عمد فيه أصحاب الشاحنات الضخمة إلى غلق مفترقات الطرق الكبرى ضمن ما يسمونه ''بسير الحلزون'' التي تسببت في عرقلة حركة السير وهو ما اثر على كل الأنشطة الاقتصادية في البلاد. واعترف فرانسوا فيون الوزير الأول الفرنسي أن ثلث المقاطعات الفرنسية أصبح سكانها يجدون صعوبات في التزود بالوقود الذي يحتاجونه بما يحتم على الحكومة وضع مخطط طوارئ لإيصال الوقود إليها وان الوضعية ستعود إلى نصابها خلال الخمسة أيام القادمة. وفي سياق تطورات هذه الاحتجاجات قررت الحكومة الفرنسية وضع خلية أزمة لمتابعة الوضع بعد مخاوف من وقوع مواجهات بين قوات الأمن والمتظاهرين وخاصة بعد أن قرر الطلبة الثانويون الالتحاق بركب هذه المسيرات. وهو الانضمام الذي جعل الرئيس الفرنسي يحذر من تسلل بعض الفوضويين إلى صفوف الطلبة للقيام بأعمال تخريبية وطالب النقابات إلى تحمل مسؤولياتها وحذرها من كل انزلاق للوضع. وجاء هذا التخوف بعد المواجهات المحدودة التي شهدتها العاصمة باريس ومدينة ليون في وسط شرق البلاد ولكنها كانت كافية لتؤشر على المنحى المحتمل الذي يمكن أن تسلكه المسيرات الاحتجاجية والتي قد تحول المدن الكبرى إلى ساحة لعمليات كر وفر شبيهة بحرب الضواحي الأخيرة التي تسببت فيها تصريحات الرئيس الفرنسي ضد الفرنسيين المنحدرين من أصول أجنبية.