ينتظر أن تشل كل مظاهر الحياة اليوم في كامل التراب الفرنسي فاسحة المجال أمام أضخم مظاهرات عمالية رافضة لمساعي الحكومة لرفع سن التقاعد إلى سن الثانية والستين بدلا من السن الحالية المحددة بستين عاما.ودخلت مختلف النقابات الفرنسية في سباق مع الزمن للتأثير على نواب مجلس الشيوخ الفرنسي الذي ينتظر أن يصوت الاثنين القادم على هذه التعديلات وهو ما يعني دخوله حيز التنفيذ التي أججت غضبا شعبيا واسعا ضد الرئيس الفرنسي الذي ما انفك يتبنى قوانين لا تحظى بموافقة غالبية الناخبين الفرنسيين. ويواجه الرئيس نيكولا ساركوزي اليوم اكبر عملية لي ذراع بينه وبين هذه النقابات التي سوف لن يخرج من امتحانها دون أن تأثر وخاصة وأنها اعتبرت مظاهرات اليوم بداية لأخرى لاحقة في رسالة أرادت من خلالها التأكيد له أنها لن تتراجع عن مطالبها. وفي مؤشر على هذا الإصرار فقد قررت نقابات النقل الجوي إلغاء 30 بالمئة من الرحلات الجوية من مطار رواسي و50 بالمئة في مطار اورلي وبنسبة 80 بالمئة في مطار بوفيي في الضاحية الشمالية للعاصمة باريس في وقت قررت فيه شركة النقل بالسكك الحديدية الاكتفاء بضمان الحد الأدنى من الرحلات بداية من ليلة أمس. وهو إصرار أرادت من خلاله النقابات المختلفة التأكيد أنها لا تريد الاستسلام هكذا دون إحداث ثورة أخرى في الشارع الفرنسي لرفض الأمر الواقع الذي تريد الحكومة فرضه عليهم. وتوقعت مختلف النقابات خروج أكثر من ثلاثة ملايين عامل ومتضامن ورافض لهذه التشريعات الجديدة إلى الشارع لتأكيد تمسكها بموقفها على أن يكون هذا الرقم مضاعفا في مسيرات نهاية الأسبوع القادم حيث برمجت مسيرات اكبر يوم السبت القادم. ولا تجد النقابات العمالية أي خيار آخر أمامها إلا قدرتها على تجنيد الشارع لفرض منطقها وتمرير موقفها بسبب هشاشة موقفها في ظل التركيبة الحالية للجمعية الوطنية الفرنسية المائلة كفتها لصالح الرئيس ساركوزي. وهي معادلة تبقى معرفة نهاية لغزها صعبة ومرهونة بمدى تمسك النقابات بموقفها الرافض وجعل الاقتصاد الفرنسي يتأثر بهزات عنيفة قد تدخله في متاهة الإفلاس المحتوم أشبه بذلك الذي تعاني منه الجارة اسبانيا واليونان. والمؤكد أن الرئيس الفرنسي سوف لن يترك الرهان يميل لصالح النقابات لأن كل تراجع بالنسبة له سيكون بمثابة ضربة قوية أخرى لصورته كرئيس حاول قطع الصلة بطرق التسيير السابقة في فرنسا متأثرا بما هو حاصل في الولاياتالمتحدة وتأثرا بشعار التغيير الذي حمله الرئيس باراك اوباما في الولاياتالمتحدة. والمؤكد أن درجة التجنيد والقطاعات التي ستنظم إلى الإضراب سيكون اكبر معيار للحكم على قوة هذه الاحتجاجات وحظوظ نجاحها. وتخشى السلطات الفرنسية دخول قطاع النقل والإدارة العمومية والطاقة والخدمات في هذه الحركية الاحتجاجية وهو ما يعني حدوث شلل تام لكل الأنشطة وحينها سيكون للنقابات شأن آخر وسيحتم على الحكومة الدخول في مفاوضات معها وربما الإذعان لمطالبها بدعم من الأحزاب اليسارية التي وجدت في هذه الاحتجاجات مناسبة لكسر شوكة الحزب الحاكم وقياس درجة شعبيتها للمواعيد الانتخابية المحلية والجهوية وحتى الرئاسية التي لم يعد يفصلنا عنها سوى 18 شهرا فقط. حركية سعت حكومة الوزير الأول فرانسوا فيلون إلى كسرها من خلال التخفيف من مواد القانون دون أن تتنازل عن جوهره عندما سمحت بتعديلات تسمح للأمهات اللائي لديهن ثلاثة أطفال من الاستفادة من تقاعد في سن الستين ضمن ليونة كان الهدف منها كسر قوة النقابات المختلفة ولكنه عرض قوبل برفض قاطع وأكدت أن الحل لهذه القبضة ليس ليوم غد.