تسارعت الأحداث في العراق خلال اليومين الأخيرين باتجاه تعقيد أكبر للوضع وزيادة تشابك الأزمة السياسية في هذا البلد مما قد تعيق التوصل إلى تسوية نهائية لأزمة عمرت لقرابة ثمانية أشهر. وأخلطت المحكمة العليا العراقية أمس حسابات الفرقاء بعد أن دعتهم في قرار لا يقبل الطعن إلى استئناف جلساتهم لانتخاب رئيس البرلمان ونائبيه تمهيدا لانتخاب وزير أول يكلف بتشكيل حكومة جديدة بناء على نتائج الانتخابات العامة التي جرت في السابع من مارس الماضي. (الوكالات) وتكمن أهمية قرار المحكمة العراقية العليا كونه جاء في سياق الزلزال الذي أحدثته التسريبات السرية لموقع ويكليكس بخصوص فظائع وفضائح وخبايا الحرب في العراق وجعلت كل الطبقة السياسية في هذا البلد في موقع المتفرج على أحداث فرضت عليها بفعل نتائج احتلال مفروض. ويكون الوزير الأول المنتهية ولايته نوري المالكي اكبر المتضررين من هذه التسريبات وهو الطامح إلى الاستمرار في قيادة الحكومة العراقية ومباشرة بعد عودته من جولة إلى عواصم المنطقة حيث حصل على دعمها من اجل إعادة انتخابه في منصبه. ولم يعط المالكي والمقربين منه قراءة أخرى لهذه التسريبات سوى التأكيد على أنها ''مؤامرة'' تستهدف شخصه وان تاريخ نشرها كان مقصودا لمنع عودته إلى الإشراف على الحياة السياسية في العراق. والواقع أن الحقائق التي تضمنتها الوثائق التي لا يرقى إليها الشك لو كانت في دولة أخرى لحطمت المستقبل السياسي للمالكي ودفعت به إلى الانسحاب طواعية وعلى حواف الأقدام لتفادي محاكمته. فالقول بتأسيس ألوية موت كانت تتحرك تحت إمرته لم يكن بالأمر الهين بالنسبة لشخص من وزن المالكي وتسبب عناصرها في عمليات قتل للأبرياء على أساس طائفي تكفي لأن تكيف على أساس أنها جرائم حرب وضد الإنسانية يحاكم عليها مقترفوها أمام محاكم دولية تماما كما حصل مع زعماء الحرب في رواندا وبورندي. ومن الطبيعي أن يكون رد فعل المالكي بهذه الحدة والتأويل السياسي لأنه كان يطمح فعلا هذه المرة إلى قطع الطريق أمام منافسه الأول إياد علاوي بعد جولته الناجحة إلى عواصم القرار الإقليمية في طهران وأنقرة والقاهرة. وهو الوضع الذي يدفع إلى التساؤل حول مدى تقبل الطبقة السياسية العراقية لقرار المحكمة العليا بل كيفية تطبيقه وقد بلغ الشرخ مداه ولم يعد هناك أي أمل لرأب الصدع بين أطراف المعادلة السياسية العراقية التي بلغت درجة التنافر. وأمرت المحكمة العراقية العليا أمس أعضاء البرلمان العراقي بعقد جلسة جديدة لانتخاب رئيس البرلمان الجديد تمهيدا لانتخاب وزير أول وتشكيل حكومة جديدة وملء الفراغ الدستوري الذي تعيشه البلاد منذ مارس الماضي. وقال عبد الستار بر القدر أن المحكمة طالبت الجمعية الوطنية لعقد جلسات عادية والقيام بعملها العادي والبدء بانتخاب رئيس لها ونائبيه تمهيدا لخطوات عملية أخرى. وأضاف أن كل تأخير في هذا الأمر يعد مخالفا لدستور البلاد. يذكر أن قرار المحكمة العليا غير القابل للطعن أو الاستئناف جاء بناء على دعوى قضائية رفعتها 12 جمعية من منظمات المجتمع المدني يوم 16 أوت الماضي طالبتها بالتدخل ووضع حد للأزمة السياسية في البلاد. وينص الدستور العراقي على انتخاب رئيس للبرلمان العراقي خلال فترة 30 يوما من عقد أول جلسة له لكن أعضاء البرلمان الذين عقدوا أول جلسة لهم يوم 14 جوان الماضي لم يتمكنوا من انتخاب رئيس للجمعية الوطنية ونائبيه بسبب الخلافات السياسية وقرروا إبقاء الجلسة مفتوحة الأمر الذي شكل انتهاكا للدستور العراقي من قبل أول مؤسسة تشريعية في البلاد.