لم يكن قصر الثقافة وقاعة مفدي زكرياء على ما جرت به العادة مساء أول أمس حيث شهدا فرسان الثورة وهم ينزلون بقاماتهم كما تنزل النسور من على قمم الجبال للترحم على روح أحد فرسان العاصمة الفدائي الأستاذ والوزير المجاهد عبد الرحمن بن حميدة الذي التحق بالرفيق الأعلى يوم 05 سبتمبر ,2010 الحضور كان كثيفا، والوجوه كانت تاريخية من النوع الثقيل التي اعتمدت البندقية والقلم لترسم خارطة الجهاد والثورة. الوقفات الترحمية هذه هي استعراض للتاريخ ولمشاهد الأحداث إبان الثورة وقبلتها وفي ذات الوقت اعتراف بفضل الرجال الذين لونوا هذه المشاهد وحركوا هذه الأحداث ومن جملة الرجال المشهود لهم بالجهاد الأكبر والأصغر الفدائي عبد الرحمن بن حميدة الذي وقف له رفقاء الدرب وقفة تذكر وترحم من مؤسسات ثقافية وجهادية تاريخية فالقيت الكلمات التي عرفت بهذا الرجل وقد استهلها الأمين بشيشي بعد عرض شريط وثائقي عن سيرة المرحوم عبد الرحمن بن حميدة، بعرض سيرة وحياة الفقيد النضالية حيث انحدر من أسرة علمية ودرس بمدرسة الإصلاح بدلس التابعة لجمعية العلماء المسلمين والتي أوفد لها الشيخ عبد الحميد بن باديس العلامة الشيخ العقبي لتدشينها كما درس في المدارس الفرنسية. الفقيد عبد الرحمن بن حميدة من مواليد 21 أكتوبر 1931 بمدينة دلس. ويضيف الأمين بشيشي أن المرحوم انخرط منذ صغره في الكشافة الاسلامية الجزائرية، ومن ثم عضو مؤسس للاتحاد العام للطلبة المسلمين الجزائريين الذي عقد مؤتمره التأسيسي بباريس في صيف ,1955 انضم الى صفوف جبهة التحرير الوطني 1955 في شهر فيفري بالعاصمة وتقلد مسؤوليات سياسية وعسكرية، ثم عضوا مكلفا بالجانب السياسي المحافظ للمنظمة ألقي القبض عليه من قبل سلطات الاحتلال في 14 أكتوبر 1957 وسجن بباربروس وحكم عليه بالمؤبد ثم بالإعدام ثلاث مرات وبقي سجينا مدة خمس سنوات متنقلا بين السجون، سركاجي، الحراش، البروقية، وسجون فرنسا ''البومات الصغرى'' و''البومات الكبرى'' و''ليل دوري'' بالمحيط الأطلسي، وأطلق سراحه في أفريل 1962 من سجن باربروس. واشتغل عند الاستقلال نائبا بالمجلس التأسيسي الجزائري وعضوا قياديا في اتحادية الجزائر الكبرى لجبهة التحرير الوطني (1962-1963). وتقلد عدة مناصب أخرى ثقافية واقتصادية، وترأس وساهم في تأسيس عدة جمعيات ثقافية واجتماعية مختلفة. ياسف سعدي ومحاولة تهريب جميلة من المستشفى أما المجاهد ياسف سعدي فقد سجل حضوره في هذه المناسبة بإدلائه بشهادته حول هذا المجاهد الكبير عبد الرحمن بن حميدة صاحب رائعة معركة الجزائر وأحد أبطال المعركة المجاهد ياسف سعدي بدأ حديثه عن الثورة وأكد في مستهل شهادته أن هناك بعض الأحداث داخل الثورة لم يعرفها البعض ومنها أحداث جرت في العاصمة، حيث كان عبد الرحمن بن حميدة مسؤولا سياسيا وكان فدائيا وعندما ألقي القبض على جميلة بوحيرد قال لي لابد أن نظهر للعدو أننا رجال أقوياء وذلك من خلال رسم خطة لتهريب المجاهدة جميلة بوحيرد من الحبس. ويضيف ياسف سعدي قائلا: ''وقع اشتباك بيننا وبين العدو وكنت أنا من أصاب جميلة وسبب لها جرحا فألقي عليها القبض ونقلت الى المستشفى''. عبد الرحمن رحمه الله قال: -يضيف ياسف سعدي لابد من تدبير خطة وكان يعرف عسكريا فرنسيا برتبة مساعد ''أجيدان''. فاقترح علي الذهاب إليه فذهبنا إليه وطلبنا منه مساعدتنا في تهريب -جميلة- التي هي في المستشفى فقبل مساعدتنا وبقي الأمر يتعلق بعملية التهريب والدخول الى المستشفى فقال عبد الرحمن رحمه الله أنه يعرف خياطا، فذهبنا الى الخياط وطلب منه عبد الرحمن أن يهيأ لنا بذلات عسكرية (تونى) وتم الاتصال بجميلة واعطائها كلمة السر ''زنقة بوعقاشة'' وأن تقول ''البونبات'' ذهبنا الى المستشفى باللباس العسكري وبقينا في قاعة الانتظار حتى جاء المساعد الذي اتفقنا معه وقال لنا لا تتعبوا أنفسكم فقد تم ترحيل هذه الشابة الى جهة أخرى. ولم يكتف ياسف سعدي بسرد قصة محاولة تهريب جميلة بوحيرد، بل سرد قصة أخرى. قصة تهريب البلاستيك من تونس يقول ياسف سعدي في شهادته حول مواقف عبد الرحمن بن حميدة البطولية أن هناك مشكلة أخرى أصبحت بالنسبة لنا قضية صعبة وهي قضية ''البلاستيك'' الذي تصنع منه القنابل فقد نفد والحدود مغلقة بالخطوط المكهربة سواء منها الحدود الغربية أو الشرقية ولابد من حل وتدبير خطة لتهريب البلاستيك لكن من أين نأتي به؟ فكرنا في الأمر وتدبرناه وخطرت ببال عبد الرحمن فكرة محكمة وهي تهريب البلاستيك في بطون الحوت، واتصلنا بأحد العاملين في هذا الحقل للقيام بالعملية كما اتصلنا بالسيد كريم بلقاسم وأخبرناه بالقضية وأننا في حاجة للبلاستيك وأننا تدبرنا خطة تهريبه من تونس الى الجزائر حتى يتدبر الأمر هناك في تونس، قلنا لكريم بلقاسم لازم ترسل لنا البلاستيك داخل ''سيبيا'' و''القرنيط'' و''الحوت'' وكنا اتفقنا مع السيد كادري ليستقبل البضاعة على رصيف الميناء على أن لا تدوم العملية أكثر من عشر دقائق إلا أن السيد كادري ركبه الرعب والخوف عند وصول البضاعة وألقى بها في البحر، وعندما علمنا بعملية إلقاء البضاعة في البحر رحنا نبحث عن غطاس لكي يخرجها من البحر والغطاس كان اسمه ''مومو''. أما السيد كادري فقد اجتمع الفدائيون ليحاكموه على فعلته تلك وقد اتفق الجميع على قتله إلا أن السيد عبد الرحمن رفض عملية القتل واستطاع أن يقنع الجماعة برأيه وعدم قتل كادري وذلك لما يعرفه من الشرع ويحفظه من القرآن الكريم وهكذا استطاع أن ينقذ كادري من الموت. يقول السيد ياسف سعدي: ''عباد بحال بن حميدة كان لازمهم يسيروا البلاد لأن نيتهم كانت خالصة'' بن حميدة عائلته مناضلة فمنها من كان يصنع القنابل. ويضيف ياسف سعدي: أنه بعد اضراب الثمانية أيام قلت له أنت أكثر مني من ناحية المستوى الثقافي وأنت أولى بالمسؤولية وأن تكون أنت المسؤول السياسي بالعاصمة. كان شجاعا يضيف سعدي وقد ألقي عليه القبض بسبب وشاية والواشي هو بن قريس الذي اطلق على نفسه ''الصافي'' لكي يقوم بتصفيتنا أنا وعلي وعبد الرحمن. أما عن اعتذار فرنسا فيقول السيد ياسف سعدي: ''هناك البعض ممن يقول ينبغي على فرنسا أن تعتذر عن الجرئم التي ارتكبتها في حق الجزائريين أنا ضد طلب الاعتذار لأن الاعتداء على الجزائر تم عن طريق القوة العسكرية سنة 1830 واخراجهم من الجزائر تم أيضا عن طريق القوة العسكرية، حيث كان لا يسمح للمعمرين الفرنسيين عند مغادرتهم الجزائر ألا يحملوا أكثر 30 كلغ فقط. ويضيف سعدي فرنسا نهبت الجزائر وأخذت غلالها وخيراتها لأكثر من قرن ولهذا ينبغي أن نطالب بإعادة ما نهبوه وسلبوه من ثرواتنا وخيراتنا، الجزائر كافحت 70 سنة، الأمير عبد القادر وحده كافح 17 سنة قضى منها ثلاث سنوات على صهوة جواده، المقراني، بوعمامة، فاطمة نسومر، كانت كل عشر سنوات تندلع ثورة ومقاومة حتى اندلعت ثورة نوفمبر وكانت ثورة عارمة وشاملة من الحدود الى الحدود. ويضيف سعدي قائلا أنتم الشباب شباب اليوم قوموا بثورة العلم، عندما أعلم أنكم صنعتم طائرة ''أفرح وعندما ألقى ربي سأكون مرتاحا''. بعد شهادة ياسف سعدي تكلم رئيس المجلس الاسلامي الأعلى الشيخ بوعمران والدكتور عبد المجيد شيخي المدير العام للأرشيف الوطني، ومراد آيت بلقاسم رئيس جمعية المدرسين ومصطفى زرقاوي رئيس جمعية 11 ديسمبر التاريخية ومصطفى حسان رئيس والمدير العام لمؤسسة مواد البناء، وجابر باعمارة أمين مؤسسة مفدي زكرياء.ط وكثير من الشهادات الأخرى التي أقرت بجهاد وبطولة المرحوم عبد الرحمن بن حميدة الذي يعد من الوجوه البارزة في الثورة الجزائرية وممن تركوا أثرا لأعمالهم البطولية فقدناه ونحن بعد أيام قليلة نحتفل بالذكرى ال56 لاندلاع ثورة نوفمبر فرحم الله عبد الرحمن بن حميدة والشهداء الأبرار.