أكد المفكر الفرنسي السياسي باسكال بونيفاس أن حالة الاستنكار التي أحدثتها بعض الأطراف الفرنسية عقب احتفال الفرنسيين من الأصول الجزائرية بتأهل الفريق الوطني الجزائري إلى نهائيات كأس العالم، يعود إلى عنصريتها ضد الفرنسيين من الأصول المغاربية لا غير. مضيفا أن ما حدث عادي جدا ويحدث لأصحاب الهويات المزدوجة، ليتساءل لماذا عندما يناصر فرنسي من أصل إسباني مثلا، الفريق الإسباني لا تحدث أية ضجة ويعتبر هذا الأمر أكثر من طبيعي؟ قدّم أول أمس، رئيس معهد العلاقات الدولية والاستراتيجية في باريس، الدكتور باسكال بونيفاس محاضرة تحت عنوان: ''كرة القدم والعولمة'' وهذا في إطار فعاليات الصالون الدولي للكتاب التي تختتم اليوم. ورّكز بونيفاس على العلاقة الوطيدة بين رياضة كرة القدم والعلاقات الدولية مضيفا أن هذه الرياضة تعتبر مؤشرا رئيسيا لظاهرة العولمة وهذا أكثر بكثير من المؤشرات الأخرى كالنظام الديمقراطي أو اقتصاد السوق مثلا.وفي هذا السياق، اعتبر المحاضر أن رياضة كرة القدم تمس الجميع دون استثناء سواء كانوا فقراء أو أثرياء، معتبرا أن بعض لاعبيّ هذه الرياضة أصبحوا أكثر شهرة من نجوم هوليود، كما أنه ليس من الضروري أن يكون المناصر عربيا حتى يحب زيدان.وأشار بونيفاس إلى أن الاتحاد الدولي لكرة القدم ''الفيفا'' يضم 207 أعضاء بينما تشتمل منظمة الأممالمتحدة على 193دولة أي أقل عددا من أعضاء ''فيفا''، كما أن الفيفا استطاعت ان تحقق ما لم تستطع السياسة إنجازه، وضرب مثالا على ذلك في ضمها لفلسطين واعتبارها دولة وهو ما لم تتمكن الأممالمتحدة من تحقيقه، كما قدم المحاضر مثالا آخر يتمثل في مشاركة تايوان ككيان مستقل عن الصين في الفيفا. وأضاف بونيفاس أن الفيفا رفضت تدخل الرئيس الفرنسي ساركوزي في شؤون الفريق الوطني لكرة القدم عقب مهزلته في نهائيات كاس العالم بجنوب إفريقيا بحيث أرسلت له خطابا شديد اللهجة في هذا السياق، مستطردا قوله إن بلاتيني رئيس الاتحاد الأوروبي لكرة القدم هدد الإسرائيليين بمراجعة مسألة مشاركتهم في المقابلات التي ينظمها هذا الاتحاد إذا استمروا في عرقلة وصول المعّدات الرياضية إلى الفلسطينيين وكذا في عرقلة تنقل اللاعبين الفلسطينيين إلى الخارج.وعاد الدكتور في القانون الدولي إلى جذور رياضة كرة القدم فقال إنها نشأت في بريطانيا وانتشرت في العالم عن طريق البحارة البريطانيين الذين كانوا يمارسونها في المناطق المختلفة التي يرسون فيها، مضيفا أن بريطانيا اخترعت هذه الرياضة لأنها كانت أيضا الدولة التي أنشأت النظام الديمقراطي البرلماني، بالمقابل أشار المتحدث إلى أن هذه الرياضة ما تزال لحد الآن تعاني من الاحتقار من طرف الطبقة المثقفة الفرنسية عكس ما يحدث في بريطانيا.وفي هذا السياق أكد بونيفاس أن ثراء لاعبي كرة القدم هدم سلّم الأثرياء المعروف، مضيفا أن امتعاض المثقفين الفرنسيين من ثراء اللاعبين يعود إلى غيرتهم منهم رغم أنه يحق للرياضيين ان يكونوا أثرياء مثل الفنانين وغيرهم.وواصل بونيفاس حديثه حول تاريخ رياضة كرة القدم فقال إنها عرفت تنظيم أول كأس العالم بالأورغواي سنة 1930وشهدت غياب بعض الفرق المتأهلة عن هذه الدورة وهو الذي يستحيل حدوثه الآن، كما تدربت الفرق الأروبية الأربعة المشاركة في هذه التظاهرة معا في السفينة التي أقلّتهم جميعا. وأضاف المحاضر أنه مع مرور السنوات أصبح عدد متابعي نهائي كأس العالم يصل إلى ملياريّ مشاهد مضيفا انه لا يوجد حدث عالمي آخر يشهد كل هذه المتابعة والمشاهدة، بالمقابل أكد محدثنا عن دور التلفزيون المهم في جمع محبيّ هذه الرياضة من حيث مشاهدتهم المشتركة لمباريات كرة القدم، وهو ما اعتبره بونيفاس رمزا من رموز الهوية بحيث تجمع هذه الرياضة بين الجميع باختلافاتهم مستطردا قوله إن عدم امتلاك دولة لفريق وطني لكرة القدم يشكك في وجودها أصلا، وقدم مثالا آخر حول فريق جبهة التحرير الوطني الذي كان يمثل الجزائر في عهد الاحتلال وقد سمح برفع العلم الجزائري وإسماع الجميع للنشيد الوطني في حين كان تحقيق ذلك في الإطار السياسي مستحيلا.وقدم بونيفاس أمثلة أخرى عن دور رياضة كرة القدم في لّم الشمل، فقال إن بلجيكا تعاني من اضطرابات سياسية لكنها تقف كالرجل الواحد أمام الفريق الوطني البلجيكي وأن اسبانيا فازت بكأس العالم الأخيرة لأنها تجاوزت الفرقة وضمت في فريقها لاعبين من مختلف الأصول وحتى كوت ديفوار فتأهلها لأول مرة الى كاس العالم سنة 2006 حقق وحدة الشعب الذي كان يتجه نحو الحرب الأهلية.وتناول بونيفاس الاتهامات التي توجه لرياضة كرة القدم وهي العنصرية والحرب والأموال، فقال انه لا يجب الخلط بين العامل الذي كان فقط القطرة التي أفاضت الكأس وبين الأسباب الرئيسية التي أدت إلى هذا الأمر مضيفا أن كرة القدم بدورها ضحية للعنصرية، أما عن دورها في إحداث الحروب مثل الحرب التي حدثت بين الهندوراس والسلفادور سنة 1969على هامش تصفيات التأهل إلى نهائيات كأس العالم، فقد كانت هذه الرياضة سببا غير مباشر في ذلك، مضيفا أن اندلاع هذه الحرب يعود إلى أسباب رئيسية أخرى. أما عن قضية الأموال الكثيرة التي تمتلكها الفيفا، فقد أكد المحاضر سلطة الفيفا وقوتها مضيفا أن المزيد من الشفافية في تسيير أموال الفيفا لن يضر أحد، مشيرا إلى أن الفيفا تساعد الكثير من الدول مثل دول إفريقيا شبه الصحراوية.وفي الأخير اعتبر بونيفاس أن رياضة كرة القدم يمكن أن تفقد شعبيتها إذا تحول المال إلى عامل لتحديد نتائج المباريات مضيفا أنه من واجب هذه الرياضة أن تحيا وتنمو وهي في طريقها إلى ذلك باعتبار انها أصبحت تضم الجنس اللطيف وكذا دولا لم تكن معنية بهذه الرياضة من قبل.