تحل اليوم على الشعوب المغاربية الذكرى الثانية بعد العشرين لتأسيس اتحاد المغرب العربي المتمخض عن قمتي زرالدة في 1988 ومراكش في 17 فيفري ,1989 في ظل تمسك الفاعلين في مؤسسات الإتحاد بضرورة عقد اجتماع قمة في أقرب الآجال لتسريع وتيرة العمل المغاربي، وتأكيد الجزائر مرة أخرى تشبثها بمواصلة تجسيد هذا المشروع الحضاري، ولا سيما من خلال حرصها على إدراج البعد المغاربي في مشاريعها التنموية الاستراتيجية. وتكتسي الذكرى ال22 لوضع أسس الاتحاد المغاربي، ميزة خاصة كونها تأتي في ظرف تسعى فيه جميع الأطراف المشكلة للاتحاد إلى إعادة إحياء هذا التكتل، وتجاوز العقبات التي تعيق تحقيق حلم الشعوب في رؤية اتحاد مغاربي قادر على مواجهة التحديات العالمية الراهنة وخاصة منها ما ارتبط بمواجهة زحف العولمة. وتبقى الجزائر التي لم تدخر يوما جهدا لتحقيق أهداف الاتحاد، متشبثة بقناعتها بأن مشروع البناء المغاربي وبالرغم من الصعوبات الظرفية التي عرفها، قابل للتجسيد على أرض الواقع، وان العثرات التي واجهته لا تمنع قادة الدول المعنية من تدارك الفرص الضائعة ومضاعفة الجهد لمواجهة التحديات الكبرى المطروحة على الساحة العالمية. وقد جدد رئيس الجمهورية السيد عبد العزيز بوتفليقة في كلمته أمام الدورة ال65 للجمعية العامة للأمم المتحدة، التي انعقدت في سبتمبر الماضي بنيويورك، تمسك الجزائر بمواصلة العمل المشترك من أجل تشييد اتحاد المغرب العربي وتفعيل مؤسساته، بهدف تجسيد هذا المشروع الحضاري الذي يشكل الإطار الملائم للتعاون والتكامل الاقتصادي بين دول المنطقة، مشيرا إلى أن الجزائر التي تحرص على إعطاء الأولوية لبناء الصرح المغاربي، باشرت في إطار برامجها الجديدة الخاصة بالإنعاش الاقتصادي والاجتماعي، مشاريع تنموية كبرى ذات بعد مغاربي من شأنها تسهيل عملية الاندماج الإقليمي. كما سبق للجزائر أن أكدت حرصها على تجسيد التكامل الاقتصادي المغاربي بدعوتها لإقامة مجموعة اقتصادية مغاربية، تجعل من اتحاد المغرب العربي فضاء اقتصاديا مندمجا وقطبا فاعلا في إنجاز المشاريع المغاربية الاستراتيجية، وذلك انطلاقا من نظرة صريحة وواقعية، تستند بالأساس على الحركية والإنجازات المحققة من قبل آليات الاتحاد ولجانه الفرعية وبرنامج عملها المستقبلي، ولا سيما على صعيد تعزيز التعاون الاقتصادي. وهي النظرة التي ينظم إلها العديد من الفاعلين في مؤسسات الإتحاد المغرب العربي الذين يؤمنون بإمكانية المضي قدما في بناء الصرح المغاربي، بالارتكاز على عمل آلياته ولجانه الفرعية المتخصصة في المجالات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والفنية والرياضية والحضارية، والحرص على ضمان استمرار هذا العمل، لتهيئة الأرضية المتينة للصرح، في انتظار القرار السياسي الذي يحرره من الجمود. وفي هذا الإطار جاءت دعوة مجلس الشورى لاتحاد المغرب العربي أمس إلى ضرورة انعقاد مجلس رئاسة الاتحاد في أقرب الاجال، من اجل تسريع وتيرة العمل الوحدوي ودفع حركية أجهزته وتدارك التأخر المسجل في مسيرته. وأشار مجلس الشورى المغاربي في بيان أصدره بمناسبة الذكرى ال22 لتأسيس الاتحاد إلى التحولات العميقة والسريعة التي تشهدها الساحة الجهوية والدولية، وأكد ضرورة تفعيل العمل الاتحادي في إطار هذا التكتل الإقليمي والعمل على تكييف آلياته واستكمال تجسيد مشاريعه البينية الواعدة في مختلف المجالات، بما يمكن من مجابهة الأجيال الجديدة للتحديات والصعوبات التي تعيق وتيرة العمل الاندماجي ورقيّه، معتبرا في سياق متصل بأن الاتحاد المغاربي يستمد قوته وآماله من إرادة شعوبه الطموحة والتواقة إلى الوحدة في فضاء رحب لمواطنيه المقدرين ب100 مليون نسمة. وكان الأمين العام للاتحاد المغاربي السيد الحبيب بن يحيى قد كشف في حديث خص به ''المساء''، على هامش اجتماع الدورة السابعة لمجلس الشورى المغاربي بالجزائر في جوان الماضي، عن مساع يتم بذلها من اجل إقناع القادة لعقد قمة، مؤكدا وجود رغبة ملحة لدى مختلف هياكل الاتحاد من اجل التوصل إلى توفير جميع الشروط لالتئام هذه القمة. وتعود آخر قمة انعقدت على مستوى القادة إلى افريل 1994 بتونس ومنذ ذلك التاريخ لم تتمكن جميع الأطراف من الالتقاء مرة أخرى رغم بروز بوادر عقد قمة في سنة 2003 بليبيا غير أنها تأجلت في آخر لحظة. ويستمد الأمين العام للاتحاد المغاربي تفاؤله من الحركية المكثفة التي تميز مجالات التعاون المغاربية، والتي لم تنقطع بتاتا، وأسفرت عن إبرام أكثر من 37 اتفاقية متعددة الأطراف، تسعى من خلالها الدول الأعضاء في الإتحاد إلى تكريس التكامل قبل الاندماج. وقد كان آخر ثمار هذا التعاون المكثف إنشاء اتحاد مغاربي لرجال الأعمال واتحاد مغاربي للفلاحين في سنة ,2007 وكذا بعث اتحاد مغاربي للبنوك والمؤسسات المالية، الذي يضم 109 مصارف وبنوك مغاربية. وعلى العموم فإن إحياء ذكرى تأسيس الاتحاد المغاربي قبل 22 سنة، يعيد للشعوب المغاربية نشوة الاستلهام من التاريخ المشترك الذي يحفظ للمنطقة تلاحمها وتكافلها في إطار الكفاح التحرري، ولا سيما من خلال اتحاد نجم شمال إفريقيا، الذي يعد النواة الأولى لميلاد الوحدة المغاربية.