لا تزال أزمة السيولة والأوراق النقدية المهترئة تميز نشاط مكاتب البريد بالعاصمة رغم كل المساعي التي انتهجتها إدارة بريد الجزائر لحل الإشكال الذي ظهر منذ منتصف السنة الفارطة، وتبقي الطوابير الطويلة أمام شبابيك البريد والموزعات الآلية تميز يوميات زبائن بريد الجزائر الذين ألفوا كلمة ''نعتذر عن عدم تلبية طلبكم بسبب نقص السيولة'' أو ''اقبلوا النقود البالية أو لا شيئ '' وأمام هذا الإشكال يبقي المواطنون في حيرة من أمرهم بعد عدم تمكنهم من سحب مرتباتهم نهاية كل شهر خاصة المتعاقدون منهم. عادت الفوضى للمكاتب البريدية عبر بلديات العاصمة بعد تفاقم أزمة السيولة المالية التي أصبحت تؤرق الحياة اليومية لزبائن أكبر مؤسسة مالية خاصة خلال فترات دفع الأجور وهو ما وقفنا عنده بعدد من المكاتب البريدية، حيث شدنا في أولى ساعات النهار الطوابير التي شكلها المواطنون أمام مدخل المكتب البريدي ببلدية بن عكنون، وعند التقرب منهم أبدى بعضهم استياءهم من تماطل الجهات الوصية في إيجاد حل نهائي لأزمة السيولة التي تتفاقم من شهر إلى آخر ''ينتابني قلق شديد مع كل موعد لتسليم الأجور، حيث قد أنتظر ليومين قبل أن أتمكن من سحب راتبي'' هكذا علقت إحدى المواطنات تعمل بالمجال التربوي، ليؤكد زميل لها في المهنة ''أصبح اهتمامنا اليوم منصبا على البحث عن المكاتب البريدية البعيدة عن المحيطات الحضرية الكبرى لنتمكن من سحب أموالنا المودعة لدى بريد الجزائر بدون مشاكل''، ومباشرة بعد فتح أبواب المكتب البريدي هرع المواطنون لافتكاك الأماكن الأولى قرب أكشاك الدفع، لكن هذه المرة يجب عليهم الانتظار لساعات أخرى قبل الحصول على أموالهم بسبب عدم توفر السيولة الكافية وهو ما صرح به أحد أعوان المكتب ''يجب أن ننتظر إيداع أحد الزبائن قيمة مالية كبيرة قبل أن نتمكن من توفير كل الطلبات''. وبالمكتب البريدي لحسين داي كانت قاعة الانتظار مزدحمة عن آخرها بالمواطنين الذين ينتظرون دورهم وكلهم أمل في الحصول على كل القيمة المالية المدونة في الصك وهو ما صرحت لنا به إحدى الزبونات ''لدي التزامات وأريد سحب قيمة مالية كبيرة، لغاية اللحظة لا أدري هل يمكنني الحصول على طلبي أم لا؟ لقد طلب مني الانتظار لساعات أخرى بسبب نقص السيولة المالية''، وبنفس القاعة أكد لنا شيخ طاعن في السن ''لم أتمكن لغاية اللحظة من سحب منحة تقاعدي بسبب تعاملي بالحوالات البريدية، أجبروني على فتح حساب بريدي ولغاية اللحظة لم أتمكن من فتحه وأتنقل يوميا للمكتب البريدي علني أتمكن من سحب منحتي إلى حين حصولي على حساب بريدي''. إشكال السيولة لا يخص أكشاك المكاتب البريدية فحسب بل امتد إلى الموزعات الآلية التي تشهد هي الأخرى تشكل طوابير من المواطنين علهم يستطيعون سحب ولو قيمة بسيطة من أموالهم المودعة لدى مؤسسة بريد الجزائر، وهو ما وقفنا عليه عند البريد المركزي الذي كان مكتظا عن آخره سواء بقاعة السحب أو بالقرب من الموزعات الآلية، وبعين المكان تحدثنا مع إحدي المواطنات التي أكدت ''فضلت مؤسسة بريد الجزائر عن سائر المؤسسات المصرفية الأخرى كوني أستطيع سحب أموالي أينما كنت، خاصة وأنني كثيرة التنقل، لكن أزمة السيولة الأخيرة غيرت نظرتي كوني لم أستطع الاستفادة من أموالي المودعة لدى المؤسسة وهو أمر يؤرقني''. رفع أجور العمال وراء تفاقم أزمة السيولة تلقى البنك المركزي منذ بداية السنة تعليمة جديدة من قبل الحكومة لضخ جميع الأوراق الائتمانية من فئة 200 و500 و1000 دينار مباشرة بمكاتب البريد عبر مختلف ولايات الوطن، وذلك حسب احتياجات ومتطلبات كل مكتب لتلبية مطالب زبائن مؤسسة بريد الجزائر والقضاء على أزمة السيولة التي لم تفارقها منذ منتصف السنة الفارطة، وتفكر إدارة بريد الجزائر في اقتراح تغيير مواعيد دفع أجور عمال القطاعات التي تتعامل معها المؤسسة وعلى رأسها الداخلية والتربية الوطنية والتعليم العالي، حيث تشير مصادرنا إلى أن تفاقم أزمة السيولة المالية خلال هذه الفترة تعود إلى رفع أجور العمال خاصة أعوان الأمن وعمال التربية. وبغرض استدراك العجز بعدد من المكاتب البريدية الرئيسية، قرر القابضون الاستعانة بالأوراق النقدية المهترئة التي تدخل المكاتب البريدية عبر إيداعات المواطنين، علما أنه في السابق كانت هذه الأوراق تعاد إلى البنك المركزي لإتلافها، وهي الصيغة التي زادت من قلق الزبائن الذين يجدون صعوبة كبيرة في التعامل بهذه الأوراق التي يرفضها التجار بشكل عام وهو ما أكده لنا أحد المواطنين ''ننتظر كثيرا للحصول على أموالنا، وعند الحصول عليها تكون عبارة عن أوراق نقدية مهترئة يصعب علينا التعامل بها. وبمكتب البريد المركزي كان لنا لقاء خاص مع أحد التجار وهو صاحب قاعة شاي أراد تغيير 5 آلاف دج من أوراق نقدية بالية من فئة 200 و100 بأوراق نقدية جديدة، لكن قابض المكتب رفض طلب التاجر بحجة نقص السيولة، في حين يرد باقي أعوان المكاتب البريدية على انشغال المواطنين حيال الأوراق النقدية المهترئة ''يجب التعامل بما هو موجود، إما النقود المهترئة أو لا شيئ ''.