أوصت الندوة الوطنية حول جرائم الاستعمار الفرنسي في نهاية أشغالها أول أمس، بفندق الرياض بسيدي فرج، بالعمل على استرجاع أرشيف الثورة التحريرية الموجود على مستوى العديد من البلدان في الخارج. ودعت الندوة التي انعقدت تحت شعار ''الثورة الجزائرية: إرادة، انتصار ووفاء'' بمشاركة قرابة 500 إطار من أحزاب التحالف الرئاسي إلى إنشاء لجنة وطنية تسهر على عملية المتابعة والتنسيق بين القوى الوطنية من أجل الحفاظ على ذاكرة الثورة التحريرية. وشدد المشاركون على ضرورة تشجيع كتابة تاريخ الثورة وذلك بفتح المجال أمام الباحثين والمختصين لتسجيل أطروحاتهم في مجال تاريخ الثورة، مؤكدين، في الوقت نفسه، على مواصلة عملية جمع شهادات المجاهدين حول ما عايشوه من أحداث إبان الثورة التحريرية. كما تمت دعوة وزارة التربية والتعليم العالي والبحث العلمي من خلال المؤسسات التربوية والمعاهد والجامعات إلى وضع برامج خاصة لتدريس تاريخ الثورة وتضحيات رجالاتها ورفع معامل مادة التاريخ في كل المستويات. ودعت الندوة، من جهة أخرى، إلى تشجيع تأسيس الجمعيات ذات الطابع التاريخي والثقافي وتسهيل اعتمادها ودعمها بالعمل على إبراز محاور تخص الثورة الجزائرية. كما أوصت بالعمل على إعداد مجلة دورية تتناول مواضيع تخص الثورة الجزائرية من أجل الرد على مزاعم فرنسا بشأن تزييف التاريخ وكذا توعية الشباب وربطه بمبادئ وقيم الثورة التحريرية. وفي هذا الصدد، أكد الأمين العام لحزب جبهة التحرير الوطني السيد عبد العزيز بلخادم أنه ''من واجب الجزائريين اليوم فضح ممارسات الاستعمار الفرنسي وإدانتها وتجريمها مع مطالبة المجتمع الدولي بالضغط على الدولة الفرنسية لكي تعترف بماضيها الاستعماري في الجزائر''. وأضح السيد بلخادم ''إننا لن نتراجع عن موقفنا هذا حتى تعترف فرنسا الرسمية بجرائم فرنسا الاستعمارية'' لأن التاريخ -كما قال- ''لا يمكن تزييفه والحقائق لا ينبغي القفز عليها''. وأشار في السياق إلى أن الاستعمار كظاهرة سياسية وعسكرية واقتصادية هو ''شيطان قائم بذاته'' وأنه ''ممارسة قذرة تخفي وراءها الكثير من الجرائم ومن أعمال التقتيل والتدمير تحت ستار الحضارة والتمدن''. وقال ''نحن مطالبون بالعمل على فضح كل الممارسات الاستعمارية التي لا يمكن تصنيفها إلا في خانة الجرائم ضد الإنسانية''، داعيا، إلى ضرورة ''أن نجعل من الأعياد الوطنية مناسبات نستحضر فيها كل صفحات التاريخ من أجل مواصلة رسالة الشهداء في بناء جزائر عصرية يتمتع فيها أبناؤها بالسعادة والعيش الكريم''. كما دعا المثقفون والباحثون في التاريخ إلى الاهتمام بدراسة الظاهرة الاستعمارية من جميع جوانبها العسكرية والسياسية والاقتصادية والثقافية وتعرية كل جرائمها التي حاولت من خلالها طمس معالم الهوية الوطنية للشعوب المستعمرة. من جانبه، شدد رئيس حركة مجتمع السلم السيد أبو جرة سلطاني على أهمية الإصرار على مطالبة فرنسا الرسمية بالاعتراف بجرائم فرنسا الاستعمارية. مؤكدا ''إننا سنبقى ننادي بهذا المطلب إلى غاية تحقيقه نهائيا''. ودعا الشباب والأجيال الصاعدة إلى ''استلهام الدروس والعبر من تاريخهم المجيد الذي صنعه آباؤهم وأجدادهم''. مشيرا إلى أن الهدف الأساسي لهذه الندوة هو ''ترسيخ المواطنة الحقة في عقلية وذهنية الشباب من جيل ما بعد الاستقلال''. أما السيد محمد الطاهر بوزغوب من التجمع الوطني الديمقراطي، فقد ثمن بدوره انعقاد هذه الندوة معربا عن أمله في أن تساهم في ''إثراء الذاكرة وفي شحذ الهمم في نفوس شعبنا لكي يتفطن كلية ويتجند للدفاع عن رسالة شهدائنا الأمجاد والذود عن الجزائر واستقرارها أمام أمواج عاصفة قوية تستهدف العالم العربي والإسلامي دون استثناء''. من جهته، أعرب الأمين العام للمنظمة الوطنية للمجاهدين السيد سعيد عبادو عن يقينه بأن ''الوقت قد حان لمطالبة فرنسا بالاعتراف بكل الجرائم التي ارتكبتها في حق الشعب الجزائري مع الاعتذار لهذا الشعب وتعويضه عن تلك الجرائم''. واعتبر أن ''الظروف أصبحت مهيأة لفتح ملف التجارب النووية الفرنسية بالجنوب الجزائري''. مشيرا إلى أن ما أقدمت عليه الدولة الفرنسية من خلال إصدار تشريع تمجد فيه حضورها الاستعماري في منطقة المغرب العربي على وجه الخصوص يعتبر ''مغالطات وإنكارا للحقائق''. وخلص إلى القول بأن النصر التاريخي الذي حققه الشعب الجزائري ''كان ثمرة طبيعية لنضال وطني مرير متواصل الحلقات'' مؤكدا أن المسيرة ''لم تتوقف عند تحقيق النصر السياسي وإنما كان عليها أن تواصل مشوارها لبلوغ أهداف أخرى وبوسائل مختلفة''. كما أكد الأمين العام للمنظمة الوطنية للمجاهدين أن ذكرى عيد النصر المصادف ل19 مارس من كل سنة تدفعنا للتوقف المسؤول أمام جسامة تضحيات الشعب الجزائري ومواصلة البحث في أنجع الوسائل لتمكين ناشئتنا من ''الاسترشاد بمفاخرها الوطنية في هذه الظروف المتميزة بتضارب المفاهيم''. وقد أجمع المتدخلون في ندوة إطارات أحزاب التحالف الرئاسي على ضرورة مطالبة فرنسا بالاعتراف بالجرائم التي ارتكبتها في حق الشعب الجزائري إبان فترة احتلالها للجزائر. دعا المشاركون في الندوة إلى مواصلة التوعية الدائمة للشباب باطلاعهم المستمر على تاريخ الثورة والكشف لهم عن الممارسات الإجرامية للاحتلال الفرنسي طيلة 132 سنة. وطالبوا في البيان الختامي الذي توج الندوة بالرصد المتواصل للأضرار التي عاناها ويعانيها المواطنون جراء التفجيرات النووية في الصحراء الجزائرية وإعداد الملفات التي توثق لهذه الجريمة وجرائم الألغام التي زرعها المستعمر في الأراضي الجزائرية ''لتكون شاهدا على حرب الإبادة التي مارسها المستعمر ضد مواطنين لازالوا يدفعون الثمن غاليا في صحتهم وحياتهم''. ودعا البيان إلى ترسيخ تقاليد التواصل بين أبناء الوطن في الداخل والخارج لبناء جسور الارتباط القوي بالوطن والرموز والتشبع بالثوابت والتأهب الدائم للدفاع عنها كمقدسات. وبدورهم، دعا جامعيون وباحثون جزائريون مختصون في تاريخ الثورة التحريرية إلى استعمال الأرشيف الموجود بالجزائروفرنسا من أجل إعداد حصيلة حول الجرائم التي ارتكبها المستعمر الفرنسي في الجزائر على مدار 132 سنة من الاستعمار. وفي مداخلة في ندوة حول الجرائم التي ارتكبها المستعمر الفرنسي بالجزائر أكد رئيس الاتحاد الوطني للمؤرخين الجزائريين السيد يوسف مناصرية على ''ضرورة'' إنشاء -لهذا الغرض- مخابر للبحث في مجال التاريخ تتكون من مؤرخين وأطباء ومختصين فيالبيولوجيا.