يعيش سكان مدينة عنابة ومن نزلوا ضيوفا عليها، الساعات التي تفصلهم عن مباراة الفريق الوطني لكرة القدم بنظيره المغربي، التي ستقام غدا بملعب 19 ماي ,1956 على إيقاع الحماس والترقب والاحتقان في احيان كثيرة، حيث يشكل العدد الكبير للشباب الذين ينزلون يوميا الى الشوارع الرئيسية للمدينة ضغطا كبيرا على سير نمط الحياة بها، وبات كل من يتحرك عبر شوارع المدينة لا يتحدث إلا عن المباراة ونجومها، وبات من النادر ان تجد من يحدثك في جوانب اخرى، انها فعلا حالة استثنائية اجبرت الكل على التكيف مع الواقع الذي فرضته هذه المباراة قبل انطلاقها بأيام عديدة... وحتى أحداث ليبيا التي كانت تحوز اهتمامات الناس هنا في عنابة تدحرجت في سلم اهتمامات الناس، يقول كبار السن الذين اعتادوا هدوء وسط الميدان، لكن ومع اقتراب موعد المباراة وفي ظل الأحداث المؤسفة التي وقعت يوم الاربعاء الفارط في محيط ملعب 19 ماي وما خلفته من فوضى واصابات، ومع تزايد عدد الوافدين الى عنابة، ازداد ضغط المناخ على السكان وبات الخوف يسكن نفوس كل من تعودوا على الهدوء، فهم يقرؤون حساب كل شيء، ويعرفون ماذا يعني التعثر لا قدر الله في نفوس الأنصار، ويتخوفون من التجاوزات التي تحدث عادة في الملاعب حتى في حالة الفوز، لكن هذا لم يمنع البعض من ابناء عنابة من الحديث عن امكانية تجاوز هذا الظرف، وهم يقولون المهم ان يفوز المنتخب الوطني وثقتهم كبيرة في تحقيق ذلك ثم يحدث ما يحدث، إذ أن الفوز في حالة استثنائية كهذه بإمكانه ان يمحو كل احتقان. وسط المدينة لا يعرف فيها الغريب من صاحب الدار ففي وسط مدينة عنابة حيث تحولت الشوارع الرئيسية الى ملتقى الاحباب من عشاق الكرة، استغل سماسرة المناسبات التوافد الكبير للجماهير منذ يوم الخميس على المدينة، لعرض ما سخروه لهذه المناسبة من رايات وقبعات ومزامر على الأرصفة وبالأسعار التي تمليها ايضا هذه المناسبة، كما انتعشت المطاعم والمقاهي، في حين اكتظت الفنادق ومن الصعب حجز غرفة بالتسعيرة التي تريدها، وعلى من اراد المتعة والفرجة ان يدفع الضريبة، هكذا يقول جشع التجار والسماسرة، لأنهم يدركون ان العرس ليلة وليس ليالي، اما السيارات التي تجوب المدينة والتي ازدانت بالالوان الوطنية فهي تحمل كل ارقام الولايات عبر الوطن من تبسة الى تلمسان مرورا بتيزي وزو وبجاية والعاصمة والشلف وولايات الجنوب، لتتحول هكذا مدينة عنابة الى جزائر مصغرة، لا يعرف فيها الغريب من صاحب الدار. انها المظاهر التي تذكر زائر مدينة عنابة بما عاشته مدن جزائرية في السنة الفارطة، عندما كان يقود شيخ المدربين رابح سعدان ''كومندوسه '' المونديالي، الذي كان آنذاك وراء صنع كرنفالات خرافية، خاصة في اعقاب عودته بتأشيرة التاهل الى المونديال 2010 بجنوب افريقيا. وربما تذكرنا هذه المظاهر حقا بما سبق مواجهة ام درمان اوالقاهرة امام المنتخب المصري، وهذا طبعا إذا عدنا للحديث عن عملية بيع التذاكر...، حين طالب يومها الشباب السلطات بتمكينهم من السفر الى ام درمان للمساهمة في اقتطاع تلك التأشيرة الغالية جدا. ويبدوالآن ان العنابين الذين تأسفوا كثيرا لتلك الفوضى وما نجم عنها من احداث او اصابات باتوا اكثر من أي وقت اكثر حرصا على إضفاء اجواء من الحميمية وهم يستضيفون على طريقتهم كل من جاؤوا ليكونوا ضيوفا عليهم، الى درجة ان هناك من فتحوا بيوتهم لإيواء الكثير ممن فقدوا اموالهم وسط تلك الفوضى وما اكثرهم، لكنهم بالمقابل يقولون يجب الا يغلق ملف تلك الفوضى التي ذكرت الكثير منهم بما حدث بملعب مصطفى تشاكر بالبليدة، بمناسبة إقامة مباراة الجزائر - زامبيا، حيث تلاعب البعض في عملية بيع التذاكر وحدث الذي حدث يومها. الجماهير في كل مكان في الملعب والفندق لكن ما حز في نفوس جماهير المنتخب الوطني من ابناء مدينة عنابة على وجه الخصوص، هو حرمانهم من متابعة تدريبات المنتخب، بعد ان قرر المدرب عبد الحق بن شيخة ان يجري كل شيء بعيدا عن الجمهور، تفاديا لتكرار ما حدث في اول حصة تدريبية من التربص، حيث غزا مئات الانصار من الجنسين ارضية الميدان وأجبروا بن شيخة على إلغاء الحصة التدريبية. أما عند محيط الفندق، فإن الامور لا تختلف كثيرا، وكثيرا ما يجد رفاق بوقرة صعوبات في مغادرته للتدريبات، نتيجة الإقبال الكبير لمئات الانصار ومن الجنسين ايضا، حيث يتهافت الكل على اخذ صور تذكارية مع لاعبين كانوا يرونهم من خلال الشاشات او يقرأون عنهم في الصحف والمجلات، وهنا يرون فرصتهم كبيرة عندما يشاهدون هؤلاء النجوم على بضع امتار فقط منهم. بن شيخة ممتعض لكن ما باليد حيلة وقد امتعض المدرب الوطني بعض الشيء من هذه الظواهر، دون البوح برأيه، لأنه يحرص على عدم الإدلاء بأي تصريح للصحافة الوطنية وحتى الدولية المتواجدة بعنابة، لكنه بالمقابل اعطى تعليمات صارمة للاعبيه لتفادي الاحتكاك بأي شخص. اغلب الذين صادفناهم من المنتخب الوطني سواء عند مداخل ملعب شابو اين تدرب المنتخب الوطني في معظم الحصص او عند مدخل فندق الإقامة، قالوا لا يهمنا ما يقرره بن شيخة بقدر ما نحرص على التواجد حيث وجد افراد المنتخب لوطني، ويكفي أننا هنا من اجل تحفيزهم ليدركوا ان جماهير المنتخب الوطني تحفزهم في كل مكان وفي كل الظروف، لأننا نريد منهم ان يكونوا رجالا ويسترجعوا نشوة الانتصارات والتسجيل وامتاع كل الجزائريين التواقين لكل ما يسعدهم ويدخل البهجة إلى نفوسهم. تلك هي اجواء ما قبل المباراة ب 24 ساعة، ولا شك ان الساعات المقبلة ومع اقتراب العد التنازلي للمباراة ستكون أكثر إثارة.