اشتغل منذ 40 سنة في نقش الخشب، وأنتج أعمالا فنية تكلف الكثير من الجهد العضلي والوقت، فتحول بيته إلى ''متحف'' يعبر عن ذلك الإلهام الذي يحط رحاله في مخيلته من حين إلى آخر.. وفي المعرض الوطني الأول للإنتاج الأسري المنظم مؤخرا، عرض الحرفي ''يوسف نبيلي'' من عنابة نتاج ساعات جهده الفني التي تدعو كل من يمر بجانبها تقريبا إلى التوقف. موهبة كانت تنتج الفن بصمت، حيث لم ينتبه إليه الأفراد في محيطه العائلي، لأنهم لم يكونوا ممن يقدر قيمة تلك الأعمال التي تنبض بالإبداع، وهو الذي كان يحول صناديق التمر الخشبية إلى موائد في سن لا يتجاوز العاشرة، لكن من كان يفهم آنذاك أن الحرفي هو فنان له قدرات فنية تلقائية، ينتج عنها أجمل الأشكال ذات الدلالات المتجذرة في الماضي؟ رغم أنه متعلم وشغل منصب إطار في إحدى المؤسسات قبل التقاعد، إلا أن ذلك لم يمنعه من فتح ورشة للنجارة، تعد بالنسبة له بمثابة محطة للاستراحة.. فالراحة مرهونة بالاستجابة إلى ذلك الحس الفني الذي يدفعه إلى تحويل بقايا الخشب إلى قطع في غاية الجمال. ففي ورشته الكائنة بعنابة، يصنع الأثاث إلى جانب النقش على الخشب وتحويله إلى قطع للديكور أو للاستعمال اليومي، لكنه لا يسجل طلبات على أعماله الفنية بقدر ما تتهاطل عليه طلبيات على الأثاث، حيث يقل عدد الناس المشترين كونهم لا يعرفون قيمة فنه المستمد من روح التقاليد العريقة، ما يجعل الإقبال مقتصرا على الأشخاص الذين بإمكانهم فهم رسائل هذا النوع من الفن الذي يمثل أحد أوجه الصناعة التقليدية. ففن النقش على الخشب يعتبر من الفنون الإبداعية الأصيلة، التي تستمد خصوصياتها من تقاليد عتيقة تكشف الغطاء عن الفكر الفني لإنسان العصور السالفة، لتشكل بالتالي جزءا مهما من فيض الصناعة التقليدية وإنتاجا متميزا عن باقي المصنوعات العادية. ويشرح الحرفي يوسف نبيلي قائلا: ''كل قطعة تتطلب مني عملا فكريا وعضليا وحيزا زمنيا ليتسنى لي إسقاط روح الفن التي تسكنني من خلال تجسيد أشكال مختلفة تحمل دلالات ورموزا عن الحياة التقليدية.. وهذه الأعمال لا يقتنيها إلا من يفهم معانيها." مئات القطع الخشبية الفنية تغزو بيت السيد ''يوسف نبيلي'' الذي يقر بأن ذوقه الفني حول بيته إلى ''متحف''، فرغم أنه ماهر في الطبخ وصناعة الحلويات والخياطة، إلا أن النقش على الخشب يبقى فنه المفضل الذي يتوافق مع ميولاته. وتبقى الإشارة الضرورية إلى أن هذا الفن مهدد بالزوال بسبب عزوف شباب اليوم عن تعلم تقنياته التي تتطلب الصبر الكثير... ويصرح الحرفي: ''الجيل الحالي يركض وراء الربح السريع.. إنه جيل غير منتج تسيطر عليه نزعة المتاجرة، خاصة وأنه يفتقر إلى ثقافة استثمار الوقت الذي يذهب هباء منثورا في نوادي الانترنت وقاعات الألعاب الإلكترونية." وهو متحسر عن انعدام خلف يحافظ على فن النقش على الخشب، يدعو محدثنا شباب اليوم إلى مفارقة أسوار مقاهي الأنترنت ليفكروا في المستقبل الذي لا يمكن أن يزدهر على يد جيل يلتئم نصابه على ثقافة البيع والشراء.