الله جميل يحب الجمال، فخلق الفن وسخّر له الإنسان لخدمته والتلذّذ به ليكون هذا العالم أكثر جاذبية وأقل تعاسة، ولم يتوقّف هذا الإنسان عن الإبداع، فأنتج الروائع وصنع التحف وبذلك كان من الطبيعي أن يؤسّس فنا جميلا جدا يرتبط بعالميّ الصناعة والثقافة، ألا وهو "الديزاين" أو بما يسمى ب"فن التصميم"· وفي هذا السياق يحتضن متحف الفن الحديث والمعاصر بالجزائر وإلى غاية الثالث من الشهر المقبل معرض "الديزاين المغاربي الجديد، زخرفة ومعاصرة" بمشاركة 48 فنانا، ((3 من الجزائر،11 من المغرب و5 من تونس)، يقيمون في بلدانهم الأصلية ويستعملون في هذا المعرض العديد من المواد كالخشب، الكرتون، المعادن المختلفة، الزجاج والقماش وغيرها· وعن هدف إقامة هذا المعرض قال السيد زبير هلال محافظ المعرض ل "المساء" انّ هذه التظاهرة تهدف إلى التعريف بأعمال فناني الديزاين في كل من الجزائر، تونس والمغرب الأقصى بالإضافة إلى إظهار طريقة اشتغالهم وإبرازهم لمبادئ تنوّع الشيء وكيفية إشراكها بالصفات الإيجابية والسلبية للاستهلاك عبر أشكاله الأكثر تنوّعا بما في ذلك المرتبطة بالإشهشار· هلال كشف أيضا عن معاناة فناني الديزاين في هذه المناطق من قلّة الاعتراف بهم وقطيعتهم مع العالمين اللذين لا يستطيعون أن يكونوا بدونهما وهما: العالم الصناعي والعالم الثقافي، وهذا يتطلّب إرادة سياسية محكمة تبدأ أولا بالاهتمام بتكوين فناني الديزاين ومن ثم توجيههم إلى المجالات التي يتعاملون معها، مضيفا في الصدد نفسه أنّ فنان الديزاين مجبر على توسيع علاقاته واتصاله بالعالم الخارجي خاصة الذي يتعامل معه بطريقة مباشرة· وانتقل المتحدث إلى علاقة فنان الديزاين بالاستهلاك في عالم يتحكم فيه الاقتصاد وتسيطر عليه الشركات متعددة الجنسيات، حيث أكّد أنّ فنان الديزاين يجب أن يدرك تماما ما يرغبه المستهلك حتى يواكب متطلباته، مستطردا في قوله انّ البحث عما يرغبه المستهلك يولّد التنافس الذي بدوره أنشأ ظاهرة الإشهار وكلّ هذه الأمور مرتبطة بالربح الذي إذا لم يتحقّق تكون له عواقب وخيمة كتسريح العمال· هلال أشار أيضا إلى أنّ الديزاين لا يمكن فصله عن المجتمع القائم فيه، لأنّه جزء لا يتجزأ منه ويستعمل حسب طبيعة المجتمع الذي يعيش فيه ولكلّ مجتمع الديزاين الذي يستحقه والذي ينتجه، أي أنّه ثمرة تكوين مدارسنا وطبيعة مجتمعنا· بالمقابل قال محافظ المعرض انه لا يوجد تعريف خاص للديزاين، ففي نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين كان يقصد بالديزاين "المشروع والهدف المراد الوصول إليه"، ففي ألمانيا مثلا -التي تعتبر إحدى الدول الرائدة في هذا الفن- كان الديزاين مادة صناعية تشترط أن تكون كلّ النماذج الأخرى التي تشكّل السلسلة المراد صنعها متشابهة تماما مع النموذج الأوّلي، وكلّ نموذج خارج عن الشكل المراد صناعته ينزع تماما من السلسلة، ولكن في الفن غير ذلك فعندما ينتج الفنان، حتى وإن أنتج سلسلة كبيرة من نفس الشكل، فلا يمكن أن تكون كلها متماثلة وهذا هو الفرق بين استعمال الديزاين في الصناعة واستخدامه في الفن، مضيفا أنّ الصناعيين ما يزالون يستعملون الديزاين في إنتاج سلاسل من نفس المنتوج بينما الفنانين أصبحوا يقدّمون أشياء تحفية في سحب محدّد· هلال اعتبر أنّ وراء كلّ فنان الديزاين موقف وفكر، وهو ما تجلّى في نهاية القرن التاسع عشر في انجلتراوألمانيا حيث تسلّح فنانو الديزاين أو المهندسون بمسار نضالي، وكانوا يقولون انّ المنتوج المميّز أو التحفة الجميلة الموجّه إلى الطبقة الارستقراطية يمثّل نوعا من الظلم· وفي بداية القرن العشرين كان يقال انّ الزخرفة جرم لأنّها كانت موجّهة إلى الطبقة البرجوازية التي كانت تمارس الظلم تجاه العامة، وبالتالي كان يجب صنع منتوجات غير مزخرفة تمسّ العامة وهذه خطوة سياسية أسّست من طرف المهندسين وفناني الديزاين، وإلى غاية سنوات الثمانينيات تطوّر مصطلح الديزاين في هذا السياق أي يجب وضع الأشياء في صالح العامة وشكّل ذلك تصرّفا معيّنا للاستهلاك· أمّا في الفترة التي تلت فترة الحداثة والتي نسميها "فترة ما بعد الحداثة" فنلاحظ العودة إلى ما كان عليه في أواخر القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، فمثلا عدنا إلى صنع نموذج واحد من الشيء الموجّه إلى أشخاص محدّدين وبثمن مرتفع، هذا ما يؤكّد علاقة فن الديزاين الوطيدة بالمجال السياسي والثقافي والاجتماعي وغيرها· وفي هذا السياق أضاف المتحدث أنّ الكثير من فناني الديزاين كانوا في البداية مهندسين ويهتمّون بالديكور الداخلي ومع مرور الزمن تحوّل الكثير منهم ومن الرسامين إلى فناني الديزاين، وبالتالي فالمدارس المتخصّصة في الديزاين لم تكن موجودة في القرن التاسع عشر ولا حتى في بداية القرن العشرين، كان يجب انتظار مهندسين مثل كوالتر كامبوس وهنري فان دوفال الذين انشأوا مدارس فن الديكور في فرنسا وبلجيكا وألمانيا، لتتخرّج أولى دفعات فناني الديكور ولكن الديزاين هذا باسمه الأنجلوساكسوني ظهر في سنوات السبعينيات· أمّا في الجزائر فهناك مجموعتان مهمتان في مدرسة الفنون الجميلة تهتمان بالديزاين وهما الجرافيك والتهيئة التي تعني الهندسة الداخلية، فالكثير من العارضين في هذا المعرض من خريجي المدرسة وبالأخص الهندسة الداخلية، ودرس بعض المغاربة في فرنسا وأمريكا في تنظيم فضاء الأشياء المنتجة· للإشارة يشارك في معرض" الديزاين المغاربي الجديد، زخرفة ومعاصرة" الذي افتتحت أبوابه في الثالث من الشهر الجاري ويستمر ثلاثين يوما، فنانون من الجزائر، المغرب وتونس، نذكر من بينهم سمير حميان الذي عرض صندوقا كبيرا من الخشب والخزف مرصعا بلآلئ تحت عنوان"بربر"، فايزة حفيان قدّمت مقعدين صغيرين من الخشب والمعدنة ووسادة منسوجة، وعرض سيفاوي كريم ثلاثة فساتين من الحرير، الستان، الكريب والريش وغيرها، قاسم فريال قدّمت أثاث ترتيب أسمتها "خادع العين" وشاركت مرزوق سامية بسبعة طواجين فخارية مختلفة الأحجام والألوان· أمّا من المغرب فهناك قيهيا سعيد بطاولة من الخشب المطلي وصينية زجاج والمودن رشيد بأثاث ترتيب من الكرتون والورق الملوّن وحبل، ومن تونس نشير إلى عمل بوسحابة يسر التي تعرض أثاث ترتيب عمودي من الخشب المطلو، كذا كسكاس صديقة بمزهرياتها الزرقاء الجميلة·