نزل السيد علي هارون أمس ضيفا على مكتبة العالم الثالث لتقديم آخر اصداراته ''صيف النزاع'' و''التوضيح حول التخوفات من ترقية حقوق الانسان 1991 - ,''1992 حيث عرض شهادات عاشها كمسؤول في الدولة الجزائرية، مشيرا إلى أن هذه الشهادات ليست تأريخا بقدر ماهي معطيات حقيقية. ناقش الكاتب مطولا قضية حقوق الانسان في الجزائر منذ الاستقلال وحتى سنة 1988 متوقفا عند التجربة الديمقراطية الفتية التي عاشتها الجزائر منذ نهاية الثمانينيات. بداية أشار علي هارون الى أن كتاب ''صيف النزاع'' ليس تأريخا بقدر ماهو شهادات تقدم لجمهور المؤرخين كي يضعوها في اطارها العلمي الصحيح بعيدا عن أية مزايدات. تحدث المحاضر عن المهمة التي قام بها كوزير لحقوق الانسان في فترة لا تتجاوز 6 أشهر أي من جانفي إلى جوان .1992 سجلت هذه الوزارة -حسبه- مواقف مشرفة منها زيارة المعتقلين في الجنوب الجزائري بعد توقيف المسار الانتخابي ومحاولة سماعهم والسعي الى إطلاق سراح الابرياء منهم وهذا قبل فرض حالة الطوارئ التي استمرت سنوات. كما ثمن السيد علي هارون جهود المرصد الوطني لحقوق الانسان الذي أدى دوره على أحسن ما يمكن رغم بعض النقائص. بالمقابل انتقد الكاتب بعض نصوص قانون الاعلام مثلا التي لا ترقى الى مستوى حقوق الانسان في الجزائر، علما أن الجزائر بعد 1989 عرفت انفجارا اعلاميا رائدا دفع بحرية التعبير الى آفاق واسعة وهي الحرية التي باركها وثمنها الكثير من المسؤولين في أعلى سدة الحكم بمن فيهم السيد عبد العزيز بوتفليقة رئيس الجمهورية حاليا. الكاتب وإن ألح على ضرورة فتح المجال الاعلامي على مصرعيه إلا أنه حمل رجال الاعلام مسؤوليتهم تجاه ما يقدمونه للمجتمع وأول مسؤولية هي التفريق بين الخبر والاشاعة والدعاية الكاذبة وكلما كان وعي الاعلامي حاضرا كلما كانت الآلة الاعلامية أكثر مصداقية وتأثيرا. للإشارة فإن من بين المواضيع التي أثارها مؤلف ''صيف النزاع'' هو التحول السياسي الذي حدث بعد احداث اكتوبر 1988 ليتوقف عند رجوعه إلى الساحة السياسية بعد غياب دام 29 سنة وبالضبط عندما عين غزالي رئيسا للحكومة والذي قام بجولات حوار مع شخصيات جزائرية (50 شخصية) كان هارون واحدا منهم وكان هارون وقتها رئيسا لجمعية مجاهدي الولاية السابعة أي فيدرالية فرنسا، وحينها أشار هارون بضرورة تدعيم حقوق الانسان والحريات في الجزائر التي لم تكن في مستوى تطلعات جيل المجاهدين والشهداء. ونفس هذا الرأي تم التعبير عنه لغزالي في الندوة الوطنية للديمقراطية التي ترأسها علي هارون وحضرها بن طوبال وبالفعل تم استحداث وزراة خاصة بحقوق الانسان وقبل هارون رئاستها لأنها كانت ضرورة وهنا قال ''لو عرضت علي وزارة الداخلية أو الخارجية أو المالية لكنت رفضتها''. من هنا انطلقت التجربة واتضحت الرؤى وأصبح البحث عن تجارب رائدة في هذا المجال كان من ضمنها التجربة الاسبانية حيث اندهش الوفد الجزائري بقيادة علي هارون من مؤسسة تشبه وزارة حقوق الانسان الجزائرية لكنها أكثر فاعلية وتأثيرا ذلك لأنها لا تنتمي لأية جهة رسمية (الدولة) ولا إلى جهة خاصة (جمعيات) بل معينة من البرلمان الذي يمثل الشعب الاسباني تقوم بزيارة السجون والمؤسسات مهما كان موقعها لتقدم تقريرها السنوي للبرلمان وأي تهاون أو عرقلة لعملها سيتم طرحه على البرلمان ليحاكم المعنيون، ونفس التجربة اكتشفها الوفد الجزائري بالبرتغال ليبقى أمل هارون أن تبلغ الجزائر مستوى هذه التجارب الرائدة. قضايا أخرى تحدث عنها الكاتب منها المعارضة التي قادها سنة 1963 ضد بن بلة فيما يخص ''حكم الاعدام'' المساند لاسقاطه من القانون الجزائري وغيرها من القضايا، ليختم بأنه انسان متفائل كما كان دائما وهذه سمة كل أبناء جيله ممن عاشوا ظروف قهر وتسلط الاستعمار لكنهم لم ييأسوا ولم يخضعوا ويتباكوا بل غيروا مصير بلادهم نحو الاحسن وبأيدهم وهو درس لجيل اليوم الذي عليه أن يثمن قدراته ويؤمن بها كي يصل إلى حياة أفضل.