يستفيد عامة العمال والمتمدرسين في المجتمع الجزائري خلال أشهر السنة من عطل مدفوعة الأجر، بفضل تنوع وتعدد المناسبات ما بين الوطنية والدينية والتاريخية، يضاف إليها العطل التي تتعلق بمحطات عالمية، وبهذا الشأن استطلعنا آراء بعض المواطنين، فتبيانت ما بين مرحب وممتعض لكثرة أيام العطل، فالبعض يجدها فرصة للتفرغ لمشاغل الحياة، بينما يرى فيها البعض الآخر تشجيعا على الكسل وتعطيلا لمصالح عامة الناس. فاصل لامتصاص التعب يميل الكثيرون إلى اعتناق فكرة أن العطل متنفس للاستراحة بالنسبة للعائلات والشباب.. تقول الآنسة ''عقيلة'' العاملة كمنظمة بالكشافة الإسلامية الجزائرية: ''إن أيام العطل متنفس يستجيب لطبيعة الإنسان التي تميل إلى وضع فواصل لامتصاص تعب وروتين أيام العمل." وتستطرد: ''أنا غالبا ما أغتنم الفرصة خلال أيام العطل للقيام ببعض الأشغال المنزلية، وفي حالات قليلة تتاح لي الفرصة لاستغلالها في إنعاش العلاقات الاجتماعية، أو عيادة المرضى." ومن جانبها لا تعتقد ''أم عبد الجليل'' موظفة بأن أيام العطل التي تتوزع على مدار أيام السنة تضر بالاقتصاد من منطلق أنها مبرمجة، ولها نصيبها من الميزانية العامة للدولة، فضلاً عن أن العديد من المؤسسات العمومية والخاصة تضمن الحد الأدنى من الخدمات خلالها. وتوضح: ''أنا بصفتي ربة بيت يستهويني استغلال العطل في تدبير شؤون البيت واقتطاف حيّز للاستراحة والاحتكاك بالأولاد." "ناريمان''، شابة موظفة، تميل هي الأخرى إلى استحسان فكرة الحصول على عطل خلال أيام السنة.. تقول: ''هي متنفس أحلم بقدومه لأتنفس الصعداء من مشقة أيام العمل سيما أن طبيعة عملي لا تسمح لي إلا بيوم واحد من الراحة خلال الأسبوع... هي باختصار حيز زمني لقضاء أشغال مؤجلة، الاستراحة من عناء وسائل النقل، التمتع بالقيلولة وبوجبة غذاء صحية كثيرا ما أدعو إليها الصديقات اللواتي لا تتاح لي فرصة اللقاء بهن في سائر الأيام الأخرى." المبالغة تولد الكسل وعلى خلاف المرحبين بأيام العطل، تكشف الآنسة ''رتيبة.ح'' صحفية بوكالة الأنباء الجزائرية: ''صحيح أن العطل مهمة للاسترخاء وتجديد نشاط الفرد العامل، ولكن كثرتها تولد الكسل قياسا على مقولة إذا زاد الشيء عن حد انقلب إلى ضده، فالمبالغة في أي لأمر غالبا ما تسفر عن نتائج عكسية، خاصة أن الأعياد والمناسبات في بلادنا لها مفهوم سلبي يحصر أهميتها في تمديد ساعات النوم والكسل.." وتتابع الصحفية قائلة: ''الفرد الجزائري عموما يفتقر إلى ثقافة استثمار أيام العطل في كسر فتور العلاقات الاجتماعية وطرد آثار الملل والاكتئاب الناجم عن ضغط العمل من خلال التوجه إلى المنتزهات والأماكن الترفيهية." المواطنة ''ريم'' شابة تعمل في مؤسسة عمومية تستنكر من جانبها كثرة أيام العطل... تصرح: ''هي برأيي مرادف للكسل..''. وعن السبب الذي يدفعها إلى حمل هذا الانطباع تجيب: ''هذه العطل يستفيد منها غالبا عمال الإدارة الذين يظفرون بيومين من العطلة كل أسبوع وكذا عمال قطاع التعليم والطلبة ممن لا تكاد تحصى أنواع العطل التي يتحصلون عليها خلال العام الدراسي... صراحة الأمر مبالغ فيه كثيرا ويتطلب إعادة النظر في رزنامة أيام العطل التي أجد بأنها تكريس لثقافة ''اللاعمل''، باستثناء فئة عمال القطاعات الذين لا يستفيدون إلاّ من يوم واحد للراحة خلال الأسبوع." وتشاطرها الرأي ''أم آلاء'' فتقول: ''أجد في المسألة مبالغة كبيرة ...لا أفهم مثلا ما علاقة الثورة النوفمبرية المجيدة التي كانت ثمرة عمل متواصل وكفاح مرير بالعطلة التي تمتد على مدى عدة أيام بالنسبة للمتمدرسين بصفة خاصة لتذهب هباء منثورا بعيدا عن هدف زيارة المتاحف وحضور ندوات تاريخية..''، وتتساءل محدثتنا مجددا: ''ما الجدوى من الاحتفاء بالفاتح من جانفي مثلا، وماذا يمثله هذا اليوم بالنسبة لنا؟ خاصة أن الكثير من الأفراد يسرقون من رزنامة الأيام، حيث لا يكتفون بيوم عطلة وحيد بل يضيفون له يوما أو يومين على الأقل في حين تبقى مشاغل الناس معلقة!''. وتضيف ''إن ابنتي رغم صغر سنها، تدرس في القسم التحضيري، إلا أنها اعتادت على العطل فصارت بعد كل يومين أو ثلاثة من الدراسة تقول لي غدا لا ندرس واضطر للاتصال بمعلمتها للتأكد من الأمر لأكتشف أن المسألة وما فيها هي أنها لم تعد لديها رغبة بالدراسة.. لقد أصبح كل تفكيرها بالخروج والتنزه واللعب مع الأقران، ذلك أن كثرة العطل تؤدي إلى بروز رغبة لدى التلاميذ لترك مقاعدهم الدراسية، وهو أمر تنبه إليه العديد من المعلمين ممن يشتكون عادة من عدم التمكن من إكمال البرنامج الدراسي بسبب كثرة العطل المدفوعة الأجر وميل الطفل بطبيعته إلى محاولة الابتعاد والتهرب من الدراسة''. ومن بين التأثيرات السلبية لزيادة العطل، تكشف السيدة ''سامية'' خريجة كلية الحقوق: ''لقد كانت أيام العطل الكثيرة التي نستفيد منها على مدار السنة أيام الدراسة تدفع بالأساتذة لتقديم الدروس على عجل من خلال حصص تعويضية، مما يشكّل نوعا من الضغط على كل من الطلبة والمدرسين على حد سواء... فما الداعي لهذا الضغط غير المبرر والذي يؤثر كثيرا على المستقبل الدراسي لطلبة؟. ويضم السيد ''عامر.ت''، مصور، صوته إلى الفريق الرافض لكثرة أيام العطل والمناسبات، لافتا إلى أن العديد من الدول الأوروبية لا يفوق عدد أيام عطلها المدفوعة الأجر إثنين أو أربعة، بينما تبرمج الدول الإسلامية عددا لا يحصى منها دون الاكتراث بالملايير التي يخسرها الاقتصاد سيما وأن بعض هذه العطل تكون امتدادا للعطلة الأسبوعية. التسيّب هو الذي يضر بالاقتصاد وليس العطل السيد ''سعيد قبلي''، الأمين العام الوطني للشؤون الاقتصادية بالاتحاد العام للتجار والحرفيين الجزائريين يقول: ''إن الاحتفال بالأعياد الدينية والمناسبات الوطنية في نظري ظاهرة إيجابية سيما عندما تكون محطة للعودة بالذاكرة إلى أحداث تاريخية، كما أنها على صعيد آخر قد تكون موعدا هاما لإنعاش الحياة الأسرية والاحتكاك بالأطفال." ويرى المتحدث أن أيام العطل لا تشكّل عائقا للنمو الاقتصادي انطلاقاً من أن مختلف دول العالم تحيي مناسباتها الوطنية، ولكن العائق الذي يربك الاقتصاد في بلدنا، والذي تكون له آثار اقتصادية وخيمة هو عدم التزام العمال بأداء واجبهم المهني كما ينبغي خلال الدوام، تحت غطاء عدة حجج: جنائز، أعراس، يضاف إليها التسيب الذي يحمل الكثيرين على ممارسة عادة الذهاب والإياب لارتشاف فناجين القهوة خلال ساعات العمل. وفي هذا الصدد، انتقد الخبير الاقتصادي استفحال ظاهرة إيداع العطل المرضية وسط العمال لاستغلالها في قضاء بعض الأشغال، وذلك في ظل تساهل العديد من الأطباء في منحها دون وجود ضرورة لذلك، ملفتا إلى أن هذا النوع من التسيّب الذي يؤثر على الإنتاجية ينتشر بصفة ملحوظة في المؤسسات العمومية بالدرجة الأولى. ويؤكّد المصدر أن مشروع استرجاع المؤسسات العمومية الذي تسعى الدولة إلى تجسيده مرهون بفرض الرقابة الصارمة وتطبيق القوانين ومحاربة كافة أشكال التحايل والتزوير على غرار العطل المرضية لضمان انطلاقة سوية تسهم في تحقيق الرخاء والقيمة المضافة لفائدة الاقتصاد الوطني.