"زواج ليلة تدبيره عام''مثلٌ يعرفه الجميع، ويعتبرونه حقيقة وواقعا معاشا.لكن السيد بلقاسم باباسي، المختص في التراث الجزائري، يرى أن هذه المقولة لم تكن أبدا صحيحة''أيام زمان''، لأن الزواج حينها كان سهلا، ولأن ظروف وشروط إتمام الزواج كانت مختلفة...معه نغوص في تفاصيل أعراس العاصمة القديمة التي يتحسّر عليها محدثنا كثيرا. التقينا السيد باباسي على هامش إحدى صالونات الزواج المنظمة بالعاصمة، كان، هناك، ينتظر إفتتاح التظاهرة لإلقاء محاضرة حول الزواج التقليدي با لجزائر،رغم أن كل ماعرضه الصالون يبتعد كثيراعن التقاليد الجزائرية، إما في اللباس أو الحلويات أو حتى الديكورات المقترحة لقاعات الأفراح. وهو ماجعل محدثنا يعترف من الأول بوجود فرق شاسع بين أعراس أمس وأعراس اليوم...فرق يشمل كل مناحي الزواج ماديا ومعنويا، وهو ما يأسف له رغم إقراره بأن التطور لابد منه بما يحمله من تغيرات وعصرنة لامفر منها. ومايحز في نفس بلقاسم باباسي، الذي عايش أعراس زمان هو ذلك التفاوت الكبير في تكلفة الزواج بين الماضي والحاضر. يقول:''زمان حفل الزفاف كان متواضعا، الآن يقولون أن زواج ليلة تدبيره عام، أنا أقول لا في الماضي كان الزواج سهلا، لم تكن هناك قاعات، ولامظاهر تفاخر...البيت أو وسط الدار كان هو المكان المفضل لإتمام مراسم العرس". لكن قد يقول قائل أنّ ماكان متوفرا في الماضي لم يعد الآن كذلك، حاليا البيوت أصبحت ضيقة ولم يعد هناك مجال لإتمام الأعراس في المنازل، لذا تعد القاعات حلا مناسبا للكثيرين، لاسيما النساء اللواتي يتكفلن بالتحضير. يعترف محدثنا بوجود أزمة سكن تغير المعطيات الحالية، ليس عند تحضير الأعراس فقط وإنما كذلك عند وضع شروط الزواج''اليوم نلاحظ أن شرط السكن أصبح مفروغا منه عند وجود أي خطبة، لكن في الماضي لم يكن الأمر كذلك لأن السكن لم يكن شرطا مطروحا، لذاأقول أنه حاليا من لا يملك المال لايمكنه أن يتزوج، وشرط ''الهناء''أصبح فكرة قديمة''. في السياق، يشير إلى أن مايعاب اليوم أكثر على تقاليد الزواج هو كونها تتم على أساس''التفاخر''، وأن عرسا جيدا يساوي 300 مليون سنتيم، توزع على كراء القاعة و''التصديرة الفاخرة'' وتحضير الحلويات التي أصبحت تقتنى ولاتعد بالبيت، فضلا عن أن إعدادها أصبح يركز على الشكل والألوان في غياب الذوق...دون أن ننسى كراء السيارات الفاخرة، لاسيما الليموزين التي تجسد فعلا مبدأ التفاخر بين العائلات، الذي أصبح هو الغالب''. أما أعراس زمان، كما يتذكرها السيد باباسي، فكانت ميزتها الأساسية التواضع، الشاب كان يتعرف على الشابة سواء على سلم المدخل أو في الحي، وعادة ماتكون جارته، فالجميع كانوا يتعارفون ولامجال للقاءات خارج هذا الإطار. كما لاينسى ذكر دور''طيابات الحمام'' في عملية الزواج. ''مايجب التأكيد عليه هنا أنه في الماضي كان يتم البحث عن بنات العائلات، أما اليوم فيتم البحث عن أشياء أخرى''. وكما يقول باباسي، الذي يسرد علينا كيف تتم الخطبة وتحضير''الطبق''الذي يتم اقتناؤه من محل ''حجوط''، وهو رجل كان يوفر في محله -الكائن بشارع بوزرينة'' لالير سابقا''- كل مستلزمات العرس والعروس وبأسعار معقولة،''لذا كان يطلق على العروس إسم ''عروس حجوط'' التي جاءت منها تسمية ''دمية حجوط". وكان ''الطبق'' يتضمن قطعا من القماش الحريري وسكر وخف، أي ''بلغة''إضافة إلى العطر الذي كان يقتنى من محل السيد زاوي، الذي كان يحضر هذا العطر المسمى ''بلوم بلوم''. ويوضح في هذا الشأن''، رغم أننا اليوم نضحك ونستهزئ بكلمة بلوم بلوم التي أصبحت تطلق على أي عطر رديء، فإنني أؤكد أنه كان عطرا ذا رائحة زكية''. وعندما تخطب البنت يبدأ دور''الماشطة''، وهي سيدة تقوم بمرافقة العروس في كل المراحل التحضيرية لزواجها ''مثل هؤلاء كان عددهن قليلا، وأعتقد أن آخرهن كانت السيدة فاطمة''، كما يقول باباسي، مضيفا أن الماشطة كانت تتكفل بالعروس من جميع الجوانب، حيث تعلمها كيفية السير وكيفية التعطر وتصفيف شعرها، كما توضح لها معنى الزواج وأسسه وكذا تحدثها عن دخول الزواج، إلى غيرها من المواضيع التي تخجل الفتاة من الحديث بشأنها مع أمها. كما تذهب معها إلى الحمام عند إقامة الحفل الذي يتميز بتوزيع الحلويات والمشروبات الغازية، وتبقى معها إلى حين زفافها إلى بيت زوجها. الأهم في كل هذا هو غياب التفاخر، وتواضع الشروط المفروضة من طرف والدي العروس الذين قد لايطالبون أحيانا من أهل العريس سوى اقتناء حاجيات العروس'' وهو ما اصطلح على تسميته ب''اكسي وادي''، مع التأكيد على أن الكساء يتم حسب قدرة كل عائلة. ولأن أزقة القصبة ضيقة، فإن العروس كانت تؤخذ إلى بيت عريسها مشيا على الأقدام، وكان أصحاب الدكاكين يغلقون محلاتهم وينظرون إلى الحائط حين مرور موكب العروس كما تقتضيه العادة. بساطة العرس تسبقها بساطة ''المهيبات'' وهي الهدايا التي يقدمها الشاب لخطيبته أثناء فترة الخطوبة كلما حل عيد أو مناسبة، كمايقول باباسي:''المهيبات زمان كانت بسيطة مثلا عطر كولونيا أو صابون، أما الآن فإذا لم يحضر لها ملابس أو مقتنيات غالية، فإنها لن تغفر له ذلك''. ويركز محدثنا في الأخير على فكرة ''البساطة''في الزواج كأمر ضروري لإنجاحه وتسهيله مهما كانت الصيغة، باعتبار أن التغيرات لامفر منها ولايمكن أن تكون كلها سيئة، ولكن عدم المبالغة والإبتعاد عن التفاخر هو الحل لتيسير الزواج.