أصدر مشروع ''كلمة'' للترجمة التابع لهيئة أبوظبي للثقافة والتراث، رواية جديدة من ستة أجزاء بعنوان ''خيول الشمس: ملحمة الجزائر'' للأديب الفرنسي جول روا، والتي قامت بنقلها للعربية المترجمة ضياء حيدر، وقد تمّ نشر هذه الرواية في البداية على مراحل من خلال ستة كتب نشرت تباعاً ''ولكن المؤلف عاد وجمعها في رواية واحدة أسماها ''خيول الشمس - ملحمة الجزائر''، والتي يعود ''مشروع كلمة'' لينشرها في صيغتها الأولى، أي في ستة أجزاء'' مبنية في قسم كبير منها على تجربة المؤلف الشخصية، وتكاد تكون سيرة ذاتية، في ملحمة وزع فيها تجربته على أكثر من شخصية. ''ثورة المليون شهيد'' قد يكون هذا العنوان هو أقصى ما يعرفه الكثير وربما أغلبية العرب اليوم، عن تلك الحقبة من الاستعمار الفرنسي للجزائر التي امتدت زهاء مئة وثلاثين عاماً ''1830 - .''1962 هذه البلاد التي لم يبق في ذاكرة معظم العرب عنها سوى أنها خاضت مقاومة باهظة الكلفة لنيل استقلالها، ولم تحفظ الغالبية منها سوى بعض أسمائها ورموزها، ويظل نمط الحياة التي عاشها الشعب الجزائري ''وأيضاً المجتمعات الاستيطانية أو الاستعمارية الفرنسية'' على امتداد هذا الاستعمار الطويل مبهمًا وغامضًا، هذه التجربة الإنسانية الغنية ومتعدّدة المستويات والتقلبات والمراحل على ضفتي المستعِمر والمستعمَر التي لم يؤرخها بهذا العمق والاتساع والشمولية سوى هذا العمل الروائي، الملحمة الضخمة للكاتب الفرنسي جول روا، ''خيول الشمس''، راصداً من خلالها شبكة العلاقات الشائكة والمعيش اليومي والتحوّلات النفسية على مدى أجيال، لتنتهي بالإطاحة بالاستعمار مع الكثير من الأثمان، وهي أثمان لم يدفعها فقط الشعب الجزائري بل والمستعمرون أيضاً الذين عاشوا وهما طويلا لبناء حياة حسبوها مستقرة ومديدة في بلاد بديلة. و''عشقوا'' الأرض التي استعمروها، فهي التجربة والتي حسب روا ''كما جاء في مقدمة عمله''، ''ضخت عروق فرنسا بدم لم يتوقف عن الغليان، لأنه لم يكن في وسع أي إمرئ يطأ أرض الجزائر ألا يقع في عشق هذه البلاد، حلم لم يفارق الذاكرة، من يعلم؟ سراب، ملحمة ذات ارتجاعات غير منتظرة، ضمن عائلة تشبه تماماً عائلات أخرى بالعواصف والإرهاصات والمحن التي عاشتها لأكثر من قرن، أسطورة يمكن لكل شيء فيها أن يكون حقيقياً أكثر من الواقع''. فالكاتب الفرنسي جول روا الذي ولد في الجزائر وكان واحداً من أولئك الذين سموا ب''الأقدام السود'' وهم الفرنسيون والأوروبيون الذين عاشوا في الجزائر خلال فترة الاستعمار، كان لصيقاً بهذه التجربة بكل ما فيها، وعاش حتى تجربتها العسكرية، ولكن انتهى الأمر به ليكون واحداً من أشدّ مناهضي الاستعمار ومن مؤيدي الشعب الجزائري في معركة استقلاله وحريته. وقد بدأ روا بكتابة هذه الملحمة في العام 1966 عندما كانت هذه التجربة ما تزال حية نابضة بكل تواريخها ووجوهها ورموزها، ولكن ما بثه روا في روايته هذه أعمق بكثير من التأريخ السياسي للاستعمار، لقد صنع تأريخاً إنسانياً مبنياً على قصص واقعية على خلفية مخيلته الروائية، فبالإضافة إلى تجربته الشخصية، عاد روا وزوجته إلى الجزائر وعمل لسنوات على جمع المعلومات عن الأماكن والأحداث، وعند وضعه الرواية لم يقم بعمل توثيقي كلاسيكي، بل نسج رواية ملحمة امتدت على أجيال، مبنية على قصص عائلات لاحق تطور أجيالها بكل شبكة علاقاتها العاطفية والسياسية والاقتصادية المعقدة، تشعب قليلاً هنا وهناك، ورسم دائماً الحياة على خلفية الأحداث التاريخية الكبيرة والصغيرة، ولكن من دون أن يغرق فيها، ليقدم خلفية شفافة تتشابك فيها الحيوات اليومية لأشخاص ''شخصيات'' ولدوا وكبروا وأحبوا وخانوا وتزوجوا وماتوا وعاشوا الصراعات وأصيبوا وقتلوا وخرجوا. ولد ''هكتور'' في الرواية من أم تدعى ''ماتيلد'' ومن مدرّس فرنسي يدعى ''ديماتون''، وهو كالكاتب في الرواية عاش تجربة المدرسة الإكليريكية ومن ثم التجربة العسكرية في الهند الصينية... وأخوه نفسه عامل السكك الحديدية و''إليز'' زوجة أخيه التي يصفها في مقدمة كتابه... إنها الحياة النابضة في ملحمة قدمت ما لم يقدمه أحد عن تجربة الاستعمار الفرنسي، عن المعنى الحقيقي للاستعمار في الحياة اليومية، عن ذلك الصراع الداخلي الدامي، عن التناقضات التي تصنع التحوّلات في البشر، عن التدمير اليومي للهوية، وعن الاقتلاع والتغريب أيضاً وعن معنى الأرض والأرض البديلة، عن معنى الأوطان والهويات... ولد جول روا في الجزائر عام 1907 من واحد من عائلات المستوطنين الفرنسيين، وتابع دروسه الثانوية في المدرسة الإكليريكية، قبل أن يدخل إلى السلك العسكري في جند المشاة ثم الطيران العسكري في فرنسا لينتقل بعدها إلى بريطانيا ويشارك في الجيش الفرنسي للتحرير. في العام 1946 يغادر الجيش الذي اعتبر حربه في شبه الجزيرة الهندوصينية مخزية، ليتحوّل بالكامل إلى العمل الأدبي، حاز العديد من الجوائر الأدبية، وأصدر إلى أعماله الروائية والقصصية التي وصلت إلى أكثر من ثلاثين عملاً، أعمالاً مسرحية وشعرية. من أعماله الروائية: ''خيول الشمس''، 1968 - ,1972 ''صحراء ريتز''، ,1978 ''موسم زا''، غراسيه، .1982 والمترجمة ضياء حيدر ولدت في جبيل، لبنان، درست الإعلام والتوثيق في الجامعة اللبنانية، وعملت في الصحافة اللبنانية بين عامي 1996 و,2005 قبل أن تنتقل للعمل والعيش في الإمارات، حيث تعمل في مجال الترجمة والصحافة الإلكترونية، لها في الترجمة: ''سلاحف بوليلنغا''، ''في بلاد تيتو''، ''زيبولين الصغيرة جداً''، وغيرها.