في الوقت الذي كثفت فيه المصالح المعنية جهودها من أجل تحويل المساحات الخضراء ''الحدائق العمومية'' إلى روضة غناء يلعب فيها الأطفال.. ويستريح فيها المتعبون من عناء الطريق.. ويعتمدها كبار السن كملجأ لقتل الوقت... نلمس نوعا من الحنين والشوق لدى فئة كبيرة من المواطنين ''لحدائق زمان'' التي يؤكّد البعض ممن حاورتهم ''المساء'' أنها لم تعد كما كانت لعدة أسباب أهمها غياب الحس البيئي، وكثرة المتشردين والمتسوّلين الذين حوّلوها إلى أوكار ومراقد تفوح منها روائح كريهة. في زيارة استطلاعية قادتنا إلى بعض الحدائق العمومية الموزعة عبر عدة أحياء من العاصمة، لاحظنا نوعا من التشابه من حيث النقائص التي تعاني منها هذه الأخيرة التي تعتبر المتنفس الوحيد داخل التجمعات السكنية في العاصمة لبعض العائلات التي أكّدت على أهمية مثل هذه المساحات خاصة بالنسبة للأطفال. ولعلّ من بين هذه النقائص قلة المساحات الخضراء المزروعة وعدم وجود عدد كافي من الأشجار التي توفر الظل مع الارتفاع الكبير لدرجات الحرارة التي عرفتها العاصمة في الآونة الأخيرة، أين يصبح الظل المطلب الوحيد للهروب من الحرارة المرتفعة، إلى جانب افتقار بعض الحدائق الأخرى لعدد الكافي من المقاعد، ناهيك عن غياب حراس الحدائق ما يجعلها فضاء مفتوحا لكل من هبّ ودبّ، هذا دون الحديث عن الجانب الجمالي الذي يسجل تراجعا في بعض الحدائق بسبب أعمال التخريب التي تطال بعض المرافق كالإنارة العمومية أو المقاعد أو الأرضية، مما يجعل منظرها يبدو منفرا. من بين الحدائق التي وقفت عندها ''المساء'' حديقة طرابلس ببلدية حسين داي، عندما دخلنا إليها كان بعض العمال المكلفين بتقليم الأشجار يقومون بعملهم بينما كان عامل النظافة يشرف على كنس الأرضية. تبدو حديقة طرابلس واسعة منظمة وتستجيب لمقاييس الحدائق العمومية التي توفر الحد الأدنى من الراحة. وكان معظم زوارها من المتقاعدين، اقتربنا من أحدهم كان بصدد تصفح الجريدة وعندما سألناه عن رأيه بالحدائق العمومية ردّ في حسرة وقال ''يا حسرتاه على الحدائق كانوا زمان وما عادوش يولوا''، واستطرد في الحديث قائلا ''أذكر فيما مضى أن حديقة طرابلس كانت جنة فوق الأرض، حيث كانت الأشجار وفيرة وحولها العديد من المقاعد بشكل دائري، وكانت فيها مساحات مائية تعيش فيها أسماك كثيرة ملوّنة تعطي انطباعا بأن الحديقة حية، إلى جانب الكثير من النباتات والأزهار الموسمية، وكان زوار الحديقة يتمتعون بالحس البيئي، حيث يقصدونها رفقة عائلاتهم للراحة. وأرجع المتحدث السبب في الإهمال الذي طال بعض الحدائق على غرار حديقة طرابلس إلى غياب الحراسة بالدرجة الأولى، الأمر الذي جعلها فضاء مفتوحا للمتشردين والمتسوّلين وحتى المشاغبين والمتعاطين لمختلف أنواع الكحول والمخدرات، إلى جانب غياب الحس البيئي لدى زوار الحديقة خاصة الأطفال الذين يلعبون بدرجاتهم أو بالكرات فيتسببون في تخريب المساحات الخضراء، إلى جانب عدم الالتزام بالنظافة، إذ يلقون بمخلفات طعامهم في كل مكان. وغير بعيد عنه، قال عمي رابح الذي كان هو الآخر يطالع جريدته والحسرة تملؤه ''حديقة طرابلس فقدت الكثير من خصوصياتها ولعلّ أكثر ما كان يستهوي الزوار هي تلك الأسماك الحمراء التي كانت تسبح في الحوض، والغريب في الأمر أن كل من كان يزور الحديقة يتفرج عليها من دون محاولة لمسها أو صيدها، هذا دون الحديث عن نظافتها وإخضرارها بحكم وفرة الأشجار بها، أما الآن اعتقد -يضيف- ''أن ما ينقصها هو إيجاد من يتولى حراستها إلى جانب التكثيف من الأشجار والعناية بالجانب الجمالي لها واعتقد أن الأمر يخص البلدية باعتبارها المسؤولة عنها''. نقلنا هذه الانشغالات إلى بلدية حسين داي على اعتبار أنها المسؤولة عن إدارة وتسيير الحديقة، فحدثنا مسؤول بالقسم الاجتماعي في ردّه عن الانشغالات قائلا: ''لا اعتقد أن هنالك تقصيرا من جانبنا فيما يخص النظافة، وإنما اعتقد أن الأمر يعود إلى غياب ثقافة بيئية، وبمناسبة الحديث عن الحارس يعلق المتحدث قائلا: ''أحيطكم علما بأن حديقة طرابلس كان بها حارس يشرف على غلقها وفتحها، وتوفير الأمن بها إلاّ أن ما حدث هو أنه كان في كل مرة يعترض على أمر ما يتم شتمه وسبه وحتى الاعتداء عليه، الأمر الذي جعله يتخلى عن هذه الوظيفة وبالتالي ما تعيشه بعض الحدائق من حالة إهمال خاصة ما يتعلق بالنظافة يقع بالدرجة الأولى على عاتق المواطن الذي لا يعطي البيئة أي أهمية''.
..وحدائق أعيد لها الاعتبار ويحرسها أعوان أمن بكلاب مدربة في الوقت الذي تعاني فيه بعض الحدائق نوعا من الإهمال لقيت أخرى عناية خاصة، حيث أعيد لها الاعتبار وأنفقت عليها أموال طائلة من أجل إعادة هيكلتها وتنظميها. ولعلّ من بين هذه الحدائق حديقة تيفارتي الواقعة بتليملي حيث تحوّلت بشهادة كل من زارها إلى فضاء ترفيهي بيئي غاية في الجمال والروعة، إذ تجمع بين روعة المحيط الأخضر وكثرة الألعاب الترفيهية الموجهة للأطفال إلى جانب وجود بعض الحيوانات الأليفة على غرار القردة والبط والأحصنة بعدما كانت هذه الأخيرة عبارة عن غابة استغلها المنحرفون للقيام بأعمال السطو والسرقة على المارة. وحتى تظل هذه الأخيرة محافظة على جمالها، كلفت مصالح البلدية بعض الحراس بالإشراف على حراستها من أي نوع من التخريب قد يطالها، ولمزيد من التفصيل دردشة ''المساء'' مع حكيم بطاش مكلف بالشؤون الاجتماعية على مستوى بلدية الأبيار الذي قال ''تتربع حديقة تيفاريتي على مساحة 3 هكتارات وبحكم موقعها المتميّز ومساحتها الشاسعة حملت البلدية على عاتقها مهمة إعادة الاعتبار لها بتحويلها من غابة مهملة إلى فضاء ترفيهي يشرف عليها حراس وأعوان الأمن، يقصدها عدد كبير من الزوار خاصة الأطفال الذين تستقطبهم الحديقة لما تتوفر عليه من ألعاب وحيوانات خاصة المهرج''، بينما قال في ردّه عن سؤالنا حول بعض النقائص التي تطال بعض الحدائق الأخرى الموجودة على مستوى العاصمة على غرار حديقة صوفيا وحديقة بيروت فرد قائلا ''إنها حدائق تابعة لمؤسسة تسيبر الحدائق العمومية ''اوديفال''. وإذا كانت حديقة تيفاريتي قد تحوّلت من غابة مهملة إلى فضاء ترفيهي محبب لكل العائلات خاصة الأطفال، فإن حديقة تونس الواقعة بالأبيار هي الأخرى أنفقت عليها أموال باهظة من أجل إعادة تهيئتها بعدما كانت عبارة عن وكر للمتسوّلين والمتشردين، حيث أعيد تهيئة غطائها النباتي وأعيد تجديد كافة المرافق الموجودة بها على غرار الكراسي وبعض ألعاب الأطفال، وحتى لا تطالها أعمال التخريب كلفت مصالح البلدية بعض الحراس المرفقين بكلاب مدربة لحمايتها خاصة أنها مكان محبب للعائلات التي لا تجد متنفسها لها هروبا من حر الصيف إلاّ الحدائق العمومية. وحول الجهود المبذولة لإعادة الاعتبار لمثل هذه الحدائق، حدثنا حسين بن بلاغ، نائب رئيس بلدية الأبيار قائلا: ''في محاولة منا لإعطاء حديقة تونس وجها جديدا وحتى نسهم في راحة المواطن، قمنا منذ سنتين تقريبا بإعادة الاعتبار للحديقة بالتنسيق مع مؤسسة تسيير الحدائق ''أوديفال'' التي تولّت عملية تهيئة المساحات الخضراء، بينما تولّت بلدية الأبيار بالتعاون مع شركة حراسة تأمين حوالي 6 حراس يشرفون على حماية الحديقة من أي اعتداء ومنع المشردين والمتسوّلين من الدخول إليها من أجل أن ينعم المواطن بالراحة والحماية، وهو الأمر الذي استحسنه عدد كبير من زوار الحديقة الذين استجوبتهم ''المساء'' خاصة أن مثل هذه الحدائق العمومية قليلة على مستوى العاصمة وتعتبر المتنفس الوحيد لبعض العائلات التي لا تجد مكانا تلجأ إليه في العطلة''.