تشهد، ظاهرة التسول في ولاية تيزي وزو، خلال شهر رمضان الكريم، استفحالا وتزايدا كبيرين، فالمتسولون يرابضون بالشوارع والساحات العمومية والأسواق الشعبية وغيرها من الأماكن لمد أيديهم للآخرين بهدف الحصول على الأموال لاقتناء قوت يومهم وتوفير نفقات الغذاء في هذا الشهر المبارك، مستخدمين تقنيات وعبارات متعددة تؤثر في نفوس المواطنين، في حين يشتكي هؤلاء المتسولون الذين يمارسون في حقهم تجاوزات خطيرة· كانت ظاهرة التسول في ولاية تيزي وزو عادية ولم تتجاوز الحدود، لكن مع بداية شهر رمضان الكريم أصبحت مقلقة حيث انتشرت، بشكل كبير وملفت للانتباه، ومست كل المناطق الحضرية والريفية للولاية، فالمتجول في مدينة تيزي وزو يصطدم بأعداد هائلة من المتسولين الذين ينتشرون في كل مكان، في الشوارع الرئيسية والأزقة، في الحدائق والساحات العمومية، عند إشارات المرور وفي مفترقات الطرق، وبوسط طريق المدينة عند ازدحام السيارات، في الأسواق الشعبية والمقاهي، في مواقف السيارات ومحطات المسافرين، وحتى أمام مراكز البريد والبنوك، وعند أبواب المقابر.· في كل هذه الأماكن، يستوقفك متسولون من الجنسين، ومن مختلف الفئات العمرية، أطفال، نساء، رجال، شيوخ وعجائز، وحتى الفتيات الشابات أصبحن يمتهن هذه المهنة بكثرة، والعديد منهن يعملن بالتنسيق مع شباب منحرفين يضمنون لهن الحماية نظير مقابل مادي أو جنسي يتغير حسب الحاجة، لا سيما عندما يكون التسول في الفترة الليلية· وما يلفت الانتباه في ولاية تيزي وزو، أن ظاهرة التسول خلال هذا الشهر الكريم فاقت كل الحدود في المناطق الحضرية، بعدما كانت، في وقت سابق، تركز على المناطق الريفية، وتعتبر النساء والأطفال الفئة الأكثر ممارسة لهذا النشاط حيث يغتنمون فترة شهر الرحمة الذي يكثر فيه معظم المواطنين من العبادات بكل أنواعها بما فيها الصدقة· أبواب المساجد والأسواق الشعبية·· الوجهة المفضلة للمتسولين ما شد انتباهنا، خلال جولتنا الميدانية، هو أن المتسولين يتمركزون، خصوصا، بأبواب المساجد التي أصبحت مكتظة عن آخرها، وهذا منذ الصباح حتى نهاية صلاة التراويح، ويعتبر مسجد أرزقي شرفاوي، بقلب عاصمة جرجرة، الأكثر استقطابا للمتسولين باعتباره من أكبر المساجد بالولاية، ويتوافد عليه عدد هائل من المصلين من مختلف أحياء المدينة، وحتى من المناطق المجاورة كقرية بوخالفة ورجاونة واحسناوان، إلى جانب ذلك، يستهدف المتسولون، أيضا، الأسواق الشعبية لكونها الأماكن التي يكثر عليها إقبال وتوافد المواطنين· متسولون يبدعون في فنيات وتقنيات التسول وما اكتشفناه، خلال جولتنا الاستطلاعية التي قادتنا إلى مختلف شوارع وأحياء مدينة تيزي وزو، هو أن المتسولين أصبحوا يبدعون في ابتكار فنيات وتقنيات التسول قصد التأثير في نفوس المارة والظفر ولو بقطعة نقدية، فمعظمهم يستخدم عبارات دينية تدعو للمارة بصيام مقبول وبشهر كريم، وبالخير والرحمة· ويعتمد بعض المتسولين، كذلك، على وضع وصفات طبية وعلب الأدوية أمامهم، وتحمل النساء معهن أطفالا حديثي الولادة، وآخرون يبدون عاهاتهم وإعاقاتهم الجسدية.. وكل هذه الفنيات ترافقها ملامح حزينة وعبارات مؤثرة يجذب المتسولون، من خلالها، انتباه المارة ويثيرون شفقتهم· ارتفاع الأسعار والفقر·· أهم أسباب التسول ولمعرفة الأسباب الرئيسية التي أدت إلى تزايد ظاهرة التسول في تيزي وزو، في هذا الشهر الكريم، إقتربت ''الجزائر نيوز'' من بعض المتسولين الذين أجمعوا، في شهاداتهم، على أن الفقر يبقى أهم الأسباب التي تدفع إلى امتهان التسول، كونهم يعجزون، خلال هذا الشهر، على تلبية حاجيات العائلة من متطلبات مختلف المواد الغذائية، وصرح البعض منهم أن المشاكل الاجتماعية والاقتصادية التي يعيشونها هي التي جعلتهم يتسولون، خصوصا في ظل تردي الوضع المعيشي والارتفاع الفاحش لأسعار المواد الغذائية خلال هذا الشهر، حيث يعجز المواطن، حسبهم، عن اقتناء أبسط حاجياته، خصوصا عندما يتعلق الأمر بالمواد الغذائية الأساسية كالخضر والفواكه. وفي هذا الصدد، تقول متسولة (46 سنة): ''أنا أرملة، وأم لست بنات وولدين، أنا فقيرة، ولا أجد خيارا آخرا غير التسول للحصول على المال والإنفاق على أبنائي وبناتي، خصوصا بعد الارتفاع الفاحش للأسعار في هذا الشهر، حيث أعجز على اقتناء أبسط المواد الغذائية''· إلى جانب ذلك، أشار العديد من الأطفال المتسولين إلى أن المشاكل العائلية التي يعيشونها هي السبب الرئيسي الذي يدفعهم إلى الشارع للتسول كطلاق الوالدين أو وفاة أحدهما، وشعور البعض منهم بالمسؤولية، وتعرضهم لسوء المعاملة في الوسط العائلي، كما كشفت، ذات المصادر، أن بعض هؤلاء المتسولين يمتهنون هذه المهنة نتيجة لعوامل ثقافية تتمثل في التعود على التسول في شهر رمضان، ومعظمهم ينتمون إلى عائلات تحترف مهنة التسول، وهذا يحدث دون تحرك السلطات المعنية لوضع حد لهذه الظاهرة·وقد صادفنا، خلال جولتنا الميدانية في مدينة تيزي وزو، بعض المتسولون جاؤوا من مختلف المناطق والقرى المعزولة التابعة للولاية· فتيات تستغل من طرف شبكة منحرفين تضمن لهن الأمن نظير مقابل مادي أو جنسي·· ويمارسون اعتداءات خطيرة على المارة علمنا، من مصادر مطلعة وعارفة بخبايا التسول، أن معظم النساء والفتيات المتسولات، في مدينة تيزي وزو خلال هذا الشهر الكريم، تستغل من طرف شبكة شباب منحرف ومنظمة تنظيما محكما، تساهم في استفحال وانتشار ممارسة التسول وكسب المال على حسابهن، لا سيما خلال الليلية، حيث يضمنون لهن الأمن نطير مقابل مادي أو جنسي· وهذه الفئة من المتسولين تمارس، حسب شهادات المواطنين، تجاوزات خطيرة على المارة كالاعتداء الجسدي والتلفظ بالكلام اللاأخلاقي لإرغامهم على دفع صدقة وتجنب الوقوع في مشاكل· وتتأزم الأمور في حالة محاولة المواطن الدفاع عن نفسه حيث يتدخل الشباب المنحرف باستخدام الأسلحة البيضاء وهي الظاهرة التي أصبحت تهدد حياة المواطنين· استفحال الظاهرة يصعب التمييز بين المتسول المحتاج والمحتال بعد اقترابنا من بعض المواطنين لرصد آرائهم حول استفحال ظاهرة التسول في تيزي وزو، تضاربت الآراء، فالبعض يرى أن هناك متسولون بحاجة ماسة لمساعدات نظرا لظروفهم الاجتماعية والاقتصادية المزرية، خصوصا في هذا الشهر الكريم حيث تشهد كل أنواع المواد الغذائية ارتفاعا محسوسا، بينما أشار البعض الآخر إلى أن معظم هؤلاء المتسولين معروفون فهم ليسوا بحاجة لمد أيديهم للتسول، واعتادوا التسول وهم يعتمدون تقنيات معروفة في مجال الخداع والاحتيال. وأشار العديد من المواطنين إلى أنه في ظل هدا العدد الهائل من المتسولين، أصبح من الصعب التمييز بين المتسول المحتاج والمتسول المحتال، مما يدفع بالعديد من المواطنين إلى الامتناع عم دفع صدقة. وفي هذا الصدد، يقول مواطن (علي 48 سنة) ''مدينة تيزي وزو تشهد إقبالا كبيرا للمتسولين، منهم من بحاجة للمساعدة ومنهم العكس، وهذا التزايد الكبير والمقلق، يصعب من عملية التمييز بين المتسول المحتاج والمحتال، مما يجعل المواطن يتردد في تقديم الصدقة''. وفي نفس السياق يقول المواطن (حسان 32 سنة) ''صراحة أنا أقدم صدقة للمتسولين المعوقين فقط، أو الذين أعرفهم من العائلات الفقيرة، لأن هناك الكثير من المتسولين المحتالين''· أين هي السلطات المحلية والأمنية؟ سؤال طرحه العديد من المواطنين الذين تحدثنا إليهم، حيث حملوا مسؤولية استفحال ظاهرة التسول بتيزي وزو للسلطات المحلية التي لم تتكفل بفئة المتسولين الحقيقيين ولم تقدم لهم المساعدات التي من شأنها التقليل من الظاهرة، كما حملوا السلطات الأمنية، كذلك، مسؤولية تفاقم الأوضاع كونها لم تقم بواجبها، ولم تتدخل ميدانيا، وحسب آراء فهؤلاء المواطنين، فإن المتسولين وجدوا الساحة فارغة مما سهل عليهم مهمة ممارسة نشاطهم بكل حرية، وحتى ممارسة تجاوزات خطيرة في حق المواطنين والمارة·