ظواهر مشينة تلك التي أصبحت مستشرية في مجتمعنا، ونكاد لا نصدق حين سماع بعض الألفاظ أننا في مجتمع مسلم حثّه الاسلام على انتهاج السلوك الحسن والخلق الحميد، وحث الصائم بالأخص بأن لا يفحش في كلامه ولايصارع أحدا وإن صارعه يردّ عليه بالقول اللهم إني صائم، وأنت تتجول في شوارع العاصمة، تسمع من الألفاظ البذيئة والمناوشات الممقوته مايدهشك، رغم أن رمضان شهر الصبر والكرم والعبادة، فهل نحن في مستوى كرم وآداب وثقافة رمضان؟ الثقافة هي سلوك اجتماعي بها تقاس درجات التحضر والتمدن ولا يمكن فصل الثقافة عن المجتمع ووضعها في موضع شريحة معينة تسمى بالمثقفين، إن الثقافة شاملة لأنها سلوك ومعاملة ونظام حياة، فاحترام قانون المرور ثقافة، وحسن التخاطب والتعامل ثقافة وكل الأشياء التي تصدر من الإنسان فيها من الجمال المعنوي والمادي شيء فهي ثقافة. أجمل ما يتميز به رمضان من السلوك الحسن هو صبر الصائم وسخاؤه وكرمه، تحرير النفس البشرية من أنها ومن حبّ المال، حيث تكسر في رمضان هذا الحاجز النفسي وتجود ببعض ما تملك، اقتداء برسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم، حيث يعرف كما جاء في الأثر أنه في رمضان كالريح المرسلة، والكرم كما نعلم خصلة جميلة في الانسان يتحلى بها ويتجمل حتى أصبح يوصف بالكريم، والكريم كما نعمل صفة من صفات اللّه سبحانه وتعالى، والعرب قديما اشتهروا بالكرم ومدحوا أهله، وذموا البخل والبخلاء، كما نجد في نوادرهم عندما نقرأ مآثرهم وكتبهم خصوصا عندما نقرأ الجاحظ الذي التقط لنا الكثير من أخبارهم، كما أن الكرم هو الآخر يعرفون به، وقد جاءت أقوال مأثورة وأشعار في هذه الخصلة الإنسانية العظيمة، حتى قال قائلهم: من ظنّ بالله خيرا جاد مبتدئا والبخل من سوء ظنِّ المرء بالله وقال عبد الله بن عباس رضي الله عنه: سادات الناس في الدنيا الأسخياء، وفي الآخرة الأتقياء. وقال أبو مسلم الخولاني: ماشيء أحسن من المعروف إلا ثوابه، وما كل من قدر على المعروف كانت له نيّة، فإذا اجتمعت القدرة والنية تمّت السعادة وأ شّد: ''إن المكارم كلها حسن والبذل أحسن ذلك الحسَنِ كم عارف بي لست أعرفه ومُخبّر عني ولم يرني يأتيهم خبري وإن بعدت داري وبوعد عنهم وطني إني لحرّ المال ممتهن ولحرّ عرضي غير ممتهن وإذا نظر اللبيب إلى الكرم وفكر وتدبر يجده سريع الإثمار، كثير الخصب، وهذا بوعد من الله عز وجل، حيث تربو الصدقات وتتضاعف الحسنة بعشر أمثالها. وقد قال أحد الكرماء يصف كرمه: ''لا يعدم السائلون الخير أفعله إمّا نوالا وإما حُسْن مردود'' فإن لم يجد ما يقدمه، يقدم كلاما جميلا وهذه هي ثقافة الكرماء وسلوك المتحضرين. ''وأما السائل فلا تنهر''. وقيل لبعض الحكماء، من أجود الناس؟ قال: من جاد من قلّة، وصان وجه السائل عن المذلّة. وقال حماد عجرد: ''أورق بخير تُؤمّل للجزيل فما ترجى الثمار إذا لم يورق العود إنّ الكريم ليخفى عنك عسرته حتى تراه غنيّا وهو مجهود وللبخيل على أمواله علل زرق العيون عليها أوجه سود بُثّ النوال ولا يتمنعك قلته فكل ماسدّ فقرا فهو محمود''. وقد بقي للكرماء ذكر يذكرون به على مرّ العصور، وتسير بين الناس قصصهم، بل أصبحت قصص الكرماء قدوة لمن يريد أن يفتخر بجوده، ويكفي فخرا قول أحدهم: ''ملأت يدي من الدنيا مرارا وما طمع العواذل في اقتصادي ولاوجبت عليّ زكاة مال وهل تجب الزكاة على الجواد'' فأين هذه الخصال الحميدة التي كانت تزين مجتمعاتنا، وأين هذه الثقافة التي كانت ترتقي بنا لأعلى الرتب الحضارية، فلم نعد نسمع عن مثل هذه المكارم إلا القليل، بينما أصبح الكثير منا يتبجحون بالسلوك غير الأخلاقي، ويتكلمون بألفاظ الفحش ثم يدّعون أنهم صائمون، وأن ما يصدر منهم هو سببه الصوم، وحاشا أن يكون رمضان الكريم والعظيم مصدرا للفحش ومبعثا للتخاصم والتشاجر، لأن رمضان سلوك حضاري ثقافي متقدم جدا، فمتى نذرك أن الثقافة حضارة، وأن الحضارة كلها تتلخص في سلوك الفرد والمجتمع والدين المعاملة.