''إنه يوم تاريخي بالنسبة لسكان العاصمة وللجزائر ككل''، هي عبارة رددها أحد أقدم الإطارات الجزائرية التي عملت بمشروع مترو الجزائر منذ انطلاقه، وهو يحمل صورة في يده يظهر فيها وهو يتوسط مجموعة من الرفاق من إطارات المديرية العامة للأمن الوطني والحماية المدنية، داخل أول حفرة تم إنجازها في المشروع، وسميت ب''حفرة الاستكشاف''، تم إنجازها في 1982 بعمق 90 مترا، وهي الحفرة التي بدأت معها قصة ''مترو الجزائر''.. الذي تحول اليوم من معضلة وحلم إلى حقيقة. وقد كانت تلك الحفرة التي تم إنجازها في ساحة أول ماي، حسب محدثنا الذي كان يشغل حينها منصب محافظ شرطة، أول خطوة استطلاعية لمعرفة مدى إمكانية تجسيد فكرة مشروع مترو بالجزائر، الذي انطلقت أولى دراساته التقنية في ,.1962 والغريب في الأمر، أن التقرير الذي أعده الفريق التقني الذي كلف بمعاينة تلك الحفرة، انتهى إلى نتيجة ''محيرة''، بسبب الطابع الجيولوجي المعقد للأرضية، واتضح أن تقوية تلك الأرضية تعد عملية مكلفة جدا، كما أن ردمها يكلف كثيرا أيضا.. ما جعل هذا المشروع معضلة حقيقية بالنسبة للمشرفين على تسييره وعلى السلطات العمومية بشكل عام، الأمر الذي أدى إلى توقف الأشغال، وجعل المشروع بالنسبة للجزائريين أقرب إلى الحلم منه إلى الحقيقة.. وظل مشروع ''مترو الجزائر''، الذي مرت 30 سنة على مرحلة بعث أشغاله الأولى تراوح مكانها، وصارت رؤية المترو بالجزائر من النكت التي يرددها الجزائريون للمزاح والسخرية، والتعبير عن ''داء الفشل'' الذي ألصق بالبلاد وبالحكومات المتعاقبة، منذ بداية الثمانينينيات، إلى أن جاء الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، وأكد بلغة صارمة في إحدى زياراته إلى محطة من محطات المشروع بالحامة ''أنه كان بمقدورنا تجسيد مشروع المترو في الجزائر، لكن إن كان ذلك غير ممكن فلنتخلى عن المشروع، ولنتوقف من مغالطة الشعب''. وقد أدت صرامة الرئيس بوتفليقة في التعامل مع هذا المشروع، الذي جعله من بين أولويات المشاريع التنموية الموجهة أساسا إلى تحسين الظروف المعيشية للمواطن وتطوير المنشآت القاعدية، ورصدت له ميزانيات ضخمة، إلى إعادة بعث مشروع ''مترو الجزائر'' على أسس أكثر واقعية في سنة ,2004 حيث تم إطلاق مناقصة دولية أسفرت عن منح صفقة استكمال إنجازه في 2006 لمجمع فرنسي، إسباني، ألماني، تولت قيادته المؤسسة الفرنسية ''سيمنس ترونسبورتايشن سيستم''، بينما تتولى مؤسسة ''مترو الجزائر''، مهام تسييره إلى جانب الشركة المستقلة للنقل الباريسي ''أر أ تي بي'' التي ظفرت بعقد استغلاله التجاري لمدة 8 سنوات. واليوم، وبعد مرور 5 سنوات على انطلاق عملية استكمال مشروع ''مترو الجزائر'' والتي كانت قد استفادت من العمليات الكبرى التي أنهاها المجمع الجزائري الألماني ''جاما'' الذي تولى قبل ذلك أشغال الهندسة المدنية، حق للجزائريين عامة وسكان العاصمة بشكل خاص أن يفخروا بهذا الإنجاز الحضري الكبير، الذي جاء ليضاف إلى مجموعة من الإنجازات الهامة في قطاع النقل والتي تعززت بها حياة الجزائريين في الفترة الأخيرة، على غرار ''ترامواي الجزائر'' الذي تم تشغيل شطره الأول بين برج الكيفان وحي الموز في شهر ماي الماضي، وقبله قطار الضواحي الذي دخل حيز التشغيل في الفاتح ماي ,2010 ومطار الجزائر الجديد الذي تم تدشينه في الخامس جويلية .2006 وفي هذا المقام، تجدر الإشارة إلى أن أبرز الغائبين عن حفل التدشين الرسمي لمترو الجزائر، من قبل الرئيس عبد العزيز بوتفليقة هو وزير النقل السابق الفقيد محمد مغلاوي الذي حمل المشروع وغيره من مشاريع النقل الحضري في قلبه، وتابع ورشاتها بكل صرامة وجد، وذلك منذ توليه تسيير القطاع في 2004 إلى غاية وفاته في .2008ويحق للجزائريين أيضا أن يفتخروا بنوعية ''المترو'' الذي أصبح يجوب أنفاق العاصمة في خطه الأول الرابط بين حي البدر والبريد المركزي على مسافة 5,9 كلم، فهو إلى جانب كونه أول مترو في منطقة المغرب العربي، فإن تسييره التقني يتم بأحدث أنظمة التحكم والمراقبة التي لم تستعمل إلا في أربع مدن في العالم هي نيويورك، باريس، لوزان وبرشلونة. أما على المستوى الأمني فإن ''مترو الجزائر'' تم تجهيزه بأحدث التقنيات العالمية للمراقبة والأمن، تشمل تجهيز المحطات ب244 كاميرا للمراقبة وتحضير فرق الأمن الوطني الخاصة بهذه المنشأة الجديدة، والتي تم تكوينها بمدرسة الشرطة بالقبة في مجال أمن الأنفاق، ويقدر تعداد هذه الفرق حاليا ب400 عون ويرتقب أن يصل تعدادها إلى 600 بعد أشهر قليلة من دخول المترو مرحلة التشغيل. وفي الأخير، يجدر التذكير بأن ''مترو الجزائر'' يعد من أهم المشاريع الحيوية التي راهنت عليها الجزائر في السنوات الأخيرة إلى جانب مشروع الطريق السيار شرق-غرب، وسيسمح المترو بالتخفيف من الازدحام الخانق الذي تشهده العاصمة في مجال حركة النقل والسير، إذ سيتيح إمكانية نقل نحو 50 ألف مسافر في الساعة على الاتجاهين، وينتظر أن تسهم عملية استكمال توسعته إلى كل من الحراش، عين النعجة وساحة الشهداء، في فك الخناق على حركة النقل بالعاصمة وضواحيها ولا سيما مع تزامن هذه العملية مع التشغيل المرتقب للأشطر المتبقية من ترامواي العاصمة وما يترتب عن بعث هذه المنشآت الحضرية للنقل في ترسيخ ثقافة جديدة في أوساط مستعمليها من سكان العاصمة، كما يتزامن بعث هذه الإنجازات، مع فتح المحاور الجديدة للطرق السيارة الجاري استكمالها، ومنها الطريق الالتفافي الثاني للعاصمة الرابط بين زرالدة وبودواو والمقرر فتحه كلية هو الآخر في الأيام القليلة القادمة.