استفاق المغربيون جميعهم من القصر الملكي إلى أبسط مواطن في قرى الريف النائية والأطلس العالية على معطى سياسي جديد أفرزته نتائج أول انتخابات نيابية تعددية كسرت القاعدة التقليدية التي حصرت رئاسة الحكومات المغربية بين ثنائية حزبية طرفاها حزب الاستقلال والاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية. وكان فلك السلطة المغربية منذ الملك الراحل محمد الخامس يسير وفق هذه المعادلة، احتفظ فيها الملك بسلطاته المطلقة بصفته أميرا للمؤمنين والآمر الناهي وضابط كل شيء في مملكة حكمت بيد من حديد ضمن منطق انفرادي تكرس أكثر مع نجله الراحل الحسن الثاني وبقي أيضا في ظل حفيده الملك الحالي. ولولا تأثيرات ''ربيع الحراك العربي'' لما تغير أي شيء في مشهد سياسي مغربي يبقى فيه المخزن بمثابة حامي ضوابط تسيير المملكة مقابل منافع ريعية وسلطوية ولما أقدم الملك محمد السادس على تغييرات وصفت بالجذرية في نمط تسيير تقليدية ضمن عملية استباقية لإنقاذ عرشه من هاوية ''تسونامي'' الثورات العربية. وإذا راعينا التحول الحاصل وأخذنا بالنتائج المسجلة بفوز الإسلاميين بالمرتبة الأولى في هذه الانتخابات فإن القاعدة التي حكمت نظام السلطة المغربية ستشهد هزة قوية بعد أن ظفروا بالأسبقية وتحولوا من مجرد حزب للأقلية إلى قوة ذات أغلبية في البرلمان الجديد. والتحول سيؤكده الملك محمد السادس اليوم بعد أن يقوم باختيار رئيس لحكومته القادمة من حزب الأغلبية ممثلا في حزب العدالة والتنمية في تجربة جديدة كسرت قاعدة الاحتكار التي فرضها حزبا الاستقلال والاشتراكي. ولكن هل يحدث التعايش المنشود بين نظام ملكي حكمته تقاليد تسيير معروفة وحزب إسلامي يريد أن يحدث القطيعة ويلبي مطالب ناخبين منحوه ثقتهم لإحداث التغيير المنشود؟وإذا حدث مثل هذا التعايش فهل سيصمد لأطول مدة ممكنة في وجه الهزات المحتملة؟ وتطرح هذه الأسئلة خاصة وأن مقاربات الطرفين ليست بالضرورة متجانسة حد التطابق بل هي متعارضة حد التنافر بخصوص الكثير من القضايا الجوهرية. كما أن فوز الحزب الإسلامي بالأغلبية النيابية سيؤدي إلى إحداث هزات ارتدادية في سلم القوى السياسية والمجتمعية النافذة وهو ما سيؤدي بطريقة تلقائية إلى تضييع عدة دوائر وشرائح لمزايا انتفعت منها طيلة عقود ولا تريد تضييعها في عملية تزاوج سياسي ينظرون إليه بعين الريبة والخوف على مستقبلهم في مغرب انقسمت شرائح مجتمعه بين منتفعين حد التخمة وفقراء حد البؤس. وتريد هذه الشرائح الأخيرة أن يعاد لها الاعتبار المفقود في صراع مصالح جعلها لا تحصل حتى على لقمة عيشها اليومي وأصبحت تشكل أغلبية المجتمع المغربي. وعندما رفع حزب العدالة والتنمية شعار الدفاع عن الطبقات المسحوقة إنما أراد استعطافهم وكسب ودهم الانتخابي ولكن هل سيلبي رغباتهم المكبوتة وخاصة وأن أمينه العام عبد الإله بن كيران تعهد بأن الدولة ستتحول إلى خادم لمصالح الشعب وليس العكس وأكد أن ذلك يحمل دلالات كبيرة بالنسبة لنا. وإذا تمكنت أول حكومة إسلامية في المغرب من كسب هذا الرهان الذي يبدو مستحيلا بالنظر إلى ترسبات الماضي السياسي في المغرب فإن ذلك سيكون فعلا ''تحولا تاريخيا'' في مسيرة الممارسة السياسية في المملكة. ولكن هل تتجاوب القوى التقليدية مع أفكار حزب يريد أن يترك صورة ايجابية في بلد يسعى لأن يسوق نموذج الديمقراطية في البلاد العربية وكسب ود القوى الغربية؟