تأتي ذكرى يوم العلم، الذي سطر استراتيجيته ووضع أسس قواعده ودعائمه، العلامة الشيخ عبد الحميد بن باديس، والجزائر تنهشها الفتاوى المستوردة والمهربة عبر الفضائيات لتمزيق المجتمع وتشكيكه في دينه ويقينه، بل تجرأ بعضها بتنعيت الجزائر بصفة خاصة والمغرب العربي بصفة عامة، ميدانا للجهاد ضد الكفار· في هذا اليوم العلمي الوطني، استضافت الجاحظية، فضيلة الشيخ عبيد الرحمن شيبان رئيس جمعية العلماء المسلمين، أول أمس، فألقى أمام جمع غفير من المثقفين محاضرة تحت عنوان "الحياة الإسلامية والاجتهاد"·
الشيخ عبد الرحمن شيبان الذي عاصر الثورتين، ثورة الإصلاح والاجتهاد، التي قادها الشيخ عبد الحميد بن باديس، وثورة الجهاد التي اندلعت في نوفمبر 1954، قال في محاضرته مستعرضا هذه الخصوصية أشكر الله على أنني أدركت أهمية الجهاد والاجتهاد وكتبت على الاستقلال وبعده وأشرفت على الملتقى الدولي ال15 للفكر الإسلامي "القرآن وال 16" السنة وال17 "الاجتهاد" الذي احتضنته مدينة قسنطينة· وأكد الشيخ شيبان في محاضرته، أن صيحات ابن باديس كانت شهبا بددت الظلمة والجهل لما تعرضت له الجزائر في دينها وأخلاقها، حتى ظن الغزاة أن المجتمع الجزائري حلو من القيم الصحيحة· وأضاف الشيخ، أن ابن باديس رحمه الله، كان يرى في الإسلام ما هو اسلام وراثي واسلام ذاتي، الإسلام الوراثي هو الذي لا ينهض بالأمم، ولكنه يحفظ الشخصية من الذوبان، أما الاسلام الذاتي، فهو القائم على الفهم الصحيح لقواعد الإسلام والمتفاعل مع أحداث العصر· وأكد الشيخ شيبان أن بن باديس كان سلفيا في العقائد وعصريا الى أبعد الحدود في الحداثة· وعلى هذا الأساس أقام ابن باديس نهضة إسلامية اركانها الإسلام الصحيح· وأضاف الشيخ شيبان أن أحوال المسلمين اليوم تعود الى عدم الانسجام، وهذا ما تعكسه من معاناة ونقائص وكل ذلك لعدم فهم دينهم الذي أسعد أوائلهم· ويرى الأستاذ شيبان ان الاجتهاد ضرورة ملحة، لقد اجتهد أسلافنا الأوائل في جميع شؤون حياتهم، ثم جاءت من بعدهم عصور جدباء سود، مما جعلنا في تركنا للجهاد يتمكن فينا الاضطهاد والاستعباد، وفي تركنا الاجتهاد تعطيل مواهبنا، فحاجتنا للاجتهاد تفوق حاجة أسلافنا إليه، فالقرن العشرون يكاد وحده يعادل نصف عمر البشرية، لكثافة الأحداث والطفرة العلمية التي احدثت انقلابا في مسافات الزمن، وتركت أثرا قويا في الحياة الإسلامية· وعن الأسباب التي تركت الساحة فارغة لغير أهل الاختصاص، يقول الشيخ شيبان، أن الحاجة الماسة الى الفتوى الفقهية وغياب الاجتهاد، فتح المجال لبعض المنحرفين والمجتهدين، المنحرفون يتجرأون على الإسلام، يخضعون النصوص الى الواقع الفاسد ويحاولون اعطاء الواقع الفاسد سندا شرعيا، هناك من يدعو الآن الى زواج المسلمة من كتابي، وهناك مجموعة تدعو الى التقوقع والتحجر، فليزمون الناس باتباع المسلمين الأوائل لأنهم لا يفرقون بين ما هو من شؤون العادة الذي يتغير بتغير العادات وبين ما لا يتغير· ويضيف فضيلته أن للاجتهاد قواعده ومناهجه، وللمجتهد شروطه، وللحد من الفوضى التي يعاني منها العالم الإسلامي، ينبغي النهوض بالدراسات الفقهية والتشريعية ومواصلة العمل على قيام الندوات والمؤتمرات والملتقيات، وانشاء مجمع للفقه الإسلامي الدولي سنة 1981 بمكة والتقريب بين المذاهب الذي انشئ بطهران والاتحاد العام للعلماء المسلمين، كل هذا يعمل على وضع حد لهذه الفوضى التي يعاني منها العالم الإسلامي· ودعا الشيخ في آخر محاضرته، الى التسامح الذي يؤدي الى العزة المؤدية الى الوحدة التي تكون نتيجتها القوة، ونحن ندعو المتعبد ان يعبد ربه منشرحا لا منقبضا، ولو كان في الجزائر جميع مذاهب الإسلام لوسعتهم هذه الجمعية·