هي إنسانة هادئة، متفتحة.. حنونة.. وعطوفة.. ذات شخصية قوية بشهادة الجميع، اقتحمت المجال الفني وهي صغيرة السن، إذ اِلتحقت بالمجموعة الصوتية سنة ,1969 بعدها أُسند إليها دور بسيط رفقة المرحوم رويشد في فيلم ''البوابون''... ليتواصل بعدها عطاؤها الفني، حيث عرف عنها الدقة في اختيار أدوارها، من بين الأعمال الذي برزت فيها بقوة إلى جانب الممثل عثمان عريوات فيلم''امرأتان''، حازت على العديد من الجوائز منها جائزة أحسن ممثلة عربية في مهرجان الإذاعة والتلفزيون بتونس عن دورها في فيلم ''صابرة''، كما تحصلت أيضا على جائزة الفنك الذهبي. وكان آخر تكريم لها من طرف جمعية نجوم الشاب، اختارت ''المساء'' أن تكون بهية راشدي واحدة من شخصياتها الأسبوعية، فكان لنا معها هذا الحوار. - ''المساء'': ما الذي يضيفه لك هذا التكريم الأخير كفنانة؟ * بهية راشدي: في الحقيقة يضيف لي هذا التكريم الذي جاء بمبادرة من جمعية صغيرة، وهي جمعية نجوم الشباب، أشياء كثيرة، يكفي أن نقول أن هذا النوع من التكريمات يعطي دفعا للفنان ليواصل العطاء، فالمشوار الفني يبدو قصيرا، ولكنه طويل في نظر التاريخ، وأنا كنت دائما من اللواتي يطالبن بتكريم الفنان وهو حي، وإلا فما الفائدة من تكريمه بعد وفاته، بل أعتقد أن تكريمه بعد رحيله يدخل في مجال المعاملة الإنسانية لأهله لا غير.. والحمد لله أنه تم تكريمي وأنا على قيد الحياة. - عُرف عنك من خلال أعملك الفنية أنك تتقمصين تقريبا نفس الأدوار لماذا؟ * في الحقيقة تشابه الأدوار راجع بالدرجة الأولى إلى طبيعة النص الذي يُقدّم لي، وفي الحقيقة، أتمنى أن ألعب دور المرأة الشريرة والقاسية، لأن الحياة فيها ''المليح والقبيح''، ولكن ما ينبغي أن تعرفوه هو أن شكل الممثل، سنه، طوله، وقيمته وخبرته الفنية، كلها تلعب دورا كبيرا عند إلباسه الشخصية أي تقمصها، فمثلا بعض الممثلات العربيات طيلة حياتهن الفنية يتقمصن نفس الأدوار لشخصيات خبيثة وشريرة، ولكنهن عندما يتقمّصن أدوار سيدات طيبات، أبْكيْن الجمهور، لذا أتمنى في يوم من الأيام أن تُمنح لي الفرصة لأتقمص دورا يخرج عما تعوّد عليه الجمهور. - منذ عرفنا السيدة بهية راشدي وهي محافظة على شكلها، ما السر في ذلك؟ * أعتقد أن طيبة قلبي وشعوري بالسعادة لرؤية سعادة الجمهور عند متابعتهم لأعمالي، جعل البعض يعتقد أني لم أتغير، ولكن في الحقيقة السر يكمن في حب الجمهور ورضاه عني. - حدثينا عن بهية راشدي في المنزل؟ * بهية راشدي في المنزل كغيرها من النساء الجزائريات، أحب القيام بالأعمال المنزلية بنفسي خاصة الطبخ الذي يعد من أحب الأعمال إلى قلبي، ولا أخفي عليكم أنني أشعر بسعادة كبيرة عندما أطبخ ليأكل غيري، كوني أحاول أن أرضي كل أفراد العائلة، علما بأنني في كثير من الأحيان لا آكل ما أطبخه. - إذا كان الطبخ من الأعمال المنزلية التي تحبينها، ما الأعمال التي لا تحبين القيام بها؟ * أحب القيام بجميع الأعمال المنزلية، ما عدى كي الثياب، لذا أتعمد عند اقتناء الملابس، أختيار تلك التي لا يتطلب كيها. - كيف تجاوزت غياب رفيق دربك المرحوم محمد راشدي؟ * خلّف لدي فراق المرحوم محمد راشدي فراغا كبيرا، واليوم أنا أعيش على الذكريات.. فعِشرة أكثر من 30 سنة لا يمكن أن تزول بسهولة، وأتذكر في كثير من الأحيان -عندما أفتقده- ما كان يقوله لي عندما كنا نتقاسم بعض اللحظات السعيدة ''إن حدث ورحل أحدنا قبل الآخر''، ستظل هذه الذكريات أجمل ما يجمعنا وهو ما أعيشه اليوم، ولا أخفي عليكم محمد راشدي بالنسبة لي توفي ولم يمت.... كان كل شيء في حياتي، وإن رأيتموني أبتسم، فهذا لأن الحياة تستمر، وما هو في القلب يظل بالقلب، كما يُقال. - ما هي آخر أعمالك الفنية؟ * شاركت مؤخرا في عمل فني يتمثل في مسلسل اجتماعي من 16 حلقة للأستاذ محسن ناصف والمخرجة نادية درابلية، يتناول المسلسل ظاهرة إرهاب الطرقات، حيث أتقمص فيه دور الجدة الحنون المقهورة، وهو من الأدوار التي تعودت على تقديمها إذ تطابق فحوى النص مع شخصيتي ومواصفاتي. - تحدثت عن تطابق شخصيتك مع الدور، فهل هذا يعني أن الأدوار التي لا تتطابق مع شخصيتك تتجنبينها؟ * وهذه هي خصوصية الفنان، فهناك فنانون يتمتعون بمواصفات تجعلهم يتقمصون الأدوار بسهولة ويؤدون العمل على أكمل وجه، وهي عموما مواصفات قد لا تتوفر عندي، وبالتالي لا يمكنني أن أتقمص دورا لا يتلاءم مع ما أتمتع به من مواصفات قد لا تتوفر في فنان آخر، لذا ينبغي على الممثل تقمص الأدوار التي تتماشى مع شخصيته. - ما هي الأدوار التي تحب الفنانة بهية راشدي أداءها؟ * طالما عهدت إلي أدوار الأم الحنونة الطيبة المكافحة في الأعمال الاجتماعية، غير أنني أتمنى أن تتاح لي الفرصة لألعب دور البطولة في عمل تاريخي يخص الثورة الجزائرية كان أمثل، مثلا حياة مجاهدة أو بطلة من بطلات الثورة، وهي عموما الأدوار التي أميل إليها وأجد نفسي فيها، لأن الأدوار التاريخية تتطلب مجهودا جسديا و فكريا كبيرين، هذا من جهة ومن ناحية أخرى، نفتقر في تاريخ ثورتنا لشهادات حية مدونة عن بعض المراحل التي ترويها بعض الجدات من اللواتي عشن الثورة، فحبذا لو يتم تدوين مثل هذه الشهادات وترجمتها في أعمال فنية. - هل أنت راضية على مشوارك الفني؟ * في الواقع، أنا راضية على كل أعمالي الفنية بنسبة معينة، غير أن الأعمال التي أستطيع القول بأني راضية عنها بنسبة مائة بالمائة هي فيلم صابرة ''وفيلم ''رشيدة''، وفيلم ''امرأتان''، هذه الأفلام التي دخلت الأرشيف لقيمتها الفنية. - ما هي مشاريع بهية راشدي؟ * في الحقيقة، المشاريع المستقبلية في المجال الفني موجودة، غير أنني لم أوافق عليها بعد كوني ببساطة لا أحب من يساومني، وأقصد بذلك المخرجين الذين يعرضون عليّ بعض الأدوار من دون مقابل، فمن لا يملك المال لا ينتج ببساطة، وأتحدث عن المساومة بحكم أنه حدث مؤخرا أن قصدني مخرج معروف وطلب مني العمل معه بدون مقابل، وقد سبق لي وأن عملت معه في حوالي 10 أعمال فنية دون مقابل، بينما بعض هذه الأعمال حصدت العديد من الجوائز! - لمن تهدي الفنانة القديرة بهية راشدي تكريمها الأخير؟ * أعتز كثيرا بهذا التكريم وأهديه إلى أحب إنسانة على قلبي وهي والدتي العزيزة التي طالما وقفت إلى جانبي، وشجعتني، كما أهديه إلى كافة أفراد عائلتي، وإلى كل من يحب بهية راشدي الإنسانة والفنانة.