يعتقد الكثير أنها متكبرة ومن طبقة أرستقراطية، وهو اعتقاد قطعا خاطئ، فالمقربون منها يعرفون جيدا مدى طيبة وبساطة هذه السيدة الحنونة، التي بدأت مشوارها الفني في سن مبكر وكان ذلك في سنة 1947، وعمرها آنذاك (8 سنوات) من خلال حصة أطفال التحقت بعدها في الخمسينيات بالمسرح الوطني الذي كان يعرف ب »الأوبرا«، فقدمت العديد من الأعمال في المسرح الكلاسيكي مثل »أوتيلو«، و»قناع الحديد« رفقة المرحوم مصطفى كاتب، محمد التوري، نورية، كلثوم وغيرهم... ومسرحيات عديدة أظهرت من خلالها قدرتها على التمثيل والوقوف على الخشبة، وعند اندلاع الثورة المظفرة ناداها الواجب الوطني للالتحاق بجبهة التحرير، وعند الاستقلال واصلت نشاطها الفني وقدمت عدة اسكاتشات بالأبيض والأسود. صورت في ظروف جد صعبة، وعن هذه الظروف وحقيقة المرأة الأرستقراطية التي لا تفارق أدوارها الفنية أبدا، وعلاقتها بجمهورها والمقربين منها، وكذا حياتها اليومية أجابت الممثلة القديرة »فريدة صابونجي«، التي سررنا بلقائها والتحاور معها في مقر التلفزيون على أسئلتنا قائلة: - المساء": يصفك من لا يعرفك بالمرأة الأرستقراطية المتكبرة، فهل فريدة صابونجي الإنسانة لا الممثلة حقا كذلك؟ * فريدة صابونجي: أنا على احتكاك دائم بالناس ومن بينهم أنتم الصحفيين، الذين يعرفونني جيدا ويدركون أني لست متكبرة ولست أرستقراطية، بل على العكس، امرأة بسيطة جدا وحنونة إلى أقصى درجة، حتى أن دموعي تسبق حديثي دائما! وخجولة ورومانسية، فالمظاهر تجعلنا نخطئ أحيانا في اعتقاداتنا حول الناس، ومنها كوني غنية ومتغطرسة، وأؤكد أن لا شيء من هذا صحيح. - ألا تعتقدين أن للأدوار المسندة إليك دورا في ترسيخ هذا الاعتقاد في أذهان الكثير من المشاهدين الذين لا يعرفونك عن قرب؟ * أكيد، فرغم كل ما يقال عني جهلا، إلا أني جد مسرورة، فهذا يعني أني أتقنت الدور إلى درجة أن صدقه المشاهد، وآمن أني بالفعل متكبرة ومن طبقة أرستقراطية. - الشخصية التي تؤديها فريدة صابونجي هي شخصية متسلطة، قاسية القلب أحيانا، كدورك في »كيد الزمن«، و»المصير«، فصراحة ألا يخيفك وقع صدى مثل هذه الأدوار على جمهورك ومحبيك؟ * أبدا، فأنا ممثلة قبل كل شيء، وإن كانت شخصيتي وهيئتي تلائم مثل هذه الأدوار التي تجسد واقع المجتمع الجزائري فلم لا أؤديها؟ فهي على العكس جلبت لي الجمهور أكثر من نفرته مني، فالحمد لله، الكل يقدر فريدة صابونجي ويحبها، خاصة من خلال أدوار المرأة المتسلطة الشريرة، لكني في الواقع جد طيبة، والتمثيل هو التمثيل يتطلب الشدة والغطرسة مرات، لتظهر قدرة الممثل الحقيقية على العطاء في مثل هذه الأدوار الصعبة والصعبة جدا. - بما أنك من الممثلات المخضرمات، هل من مقارنة بين العمل الفني بالأمس والعمل الفني اليوم؟ * لقد عملت بالإذاعة والتلفزيون وقدمت أعمالا مسرحية وإذاعية وتلفزيونية قبل ظهور الألوان (بالأبيض والأسود)، وكانت عبارة عن اسكاتشات سبق وأن عرضت على الشاشة، فظروف العمل كانت جد صعبة لانعدام الوسائل على غرار الأستوديو، حيث كنا نصور في »براكة« بكاميرا »اشفات على عهد الجدود« أتى بها السيد »الطاهر حناش« من فرنسا، وأتذكر أيضا أنها كانت تصدر صوتا مزعجا أثناء التصوير، وكنا نضطر لتغطيتها لتفادي سماعه، وكان أجرنا بضع فرنكات في الخمسينيات، وكنا كفنانين نعد على رؤوس الآصابع، لكن اليوم والحمد لله تحسنت الأوضاع، ومهما اشتكى هذا الجيل من قلة الإمكانيات إلا أنه يعمل في رفاهية مقارنة بالمعاناة التي عشناها نحن، لكن رغم قساوة الظروف إلا أننا فخورون وسعداء بما تركناه للأرشيف، فهي أعمال لا شك أنها ساهمت في ترسيخ الثقافة الجزائرية، وكذا في تثبيت الهوية وحافظت على اللغة العامية والعربية، في سنوات كان من الصعب الحفاظ عليها، وعلى مقومات أخرى جد هامة. - بعد »المصير« و»كيد الزمن« لم نر لك أعمالا تذكر، فلم هذا الاحتجاب أو لنقل الغياب؟ * بعد هذين العملين القيمين للمخرج الراحل »جمال فزاز«، صراحة لم أتلق العرض المناسب، وصرت أخجل من هذا السؤال لأني لا أجد له جوابا، فالأمر ليس بأيدينا نحن الممثلين بل يتجاوزنا أحياناويصعب شرحه. - نفهم من هذا أنك ستغيبين أيضا هذه السنة عن الشبكة الرمضانية؟ * أجل، والحقيقة أن هناك أيضا واجبات عائلية منعتني من العمل، منها مرض أحد أخوالي المتقدمين في السن، والذي أنا بصدد رعايته واصطحبه إلى المستشفى للعلاج وأريد أن أضيف ما يؤكد أني لست متكبرة أو أنانية، فعندما أخذته الى المستشفى، الكل يأتي اليّ بمن فيهم الأطباء والممرضون ويسألوني عن سبب انتظاري ووقوفي في الطابور، ويمنحونني حق الدخول لغرفة الكشف لكون الحالة مستعجلة والرجل مسن، ولا يستطيع الانتظار لساعات لكني أرفض بلطف، وأبقى أنتظر مثلي مثل عامة الناس. - نعلم أن السيدة فريدة صابونجي تحب المكوث في البيت كثيرا، فبم تشغل أوقات فراغها؟ * بقراءة الجرائد ومطالعة الكتب. - ما هي أهم ميزة في شخصيتك؟ * البساطة. - عيوبك؟ * الخجل! - هل نأمل في رؤيتك بأعمال جديدة في المستقبل القريب؟ * إن أتيحت لي الفرصة لم لا، سأكون سعيدة بتقديم أعمال ترقى إلى مستوى أذواق كل الفئات، أعمال تعزز الإنتاج الجزائري، تعالج مواضيع جادة وهادفة...