عاد مشكل نقص التدفئة على مستوى المؤسسات التربوية، ليطرح بقوة هذه الأيام مع موجة البرد والصقيع الناجمة عن الاضطرابات الجوية الاستثنائية التي تشهدها البلاد والمصحوبة بتساقط كميات هائلة من الثلوج، حيث اضطرت العديد من المدارس عبر الوطن إلى غلق أبوابها وإجبار التلاميذ على المكوث في البيت بعد أن انقطعت كل السبل المؤدية إلى أقسام الدراسة، فيما وجد العديد من التلاميذ الذين لم تغلق أبواب مدارسهم، أنفسهم مكرهين على متابعة دروسهم في جو بارد لا يحتمله حتى الكبار بسبب انعدام التدفئة داخل الأقسام، إما لأن أجهزة التدفئة غير موجودة أصلا في الأقسام وإما لأن الوقود غير متوفر أو الأجهزة معطلة... يحدث هذا رغم الأموال التي رصدتها الدولة للغرض والتي بلغت خلال السنوات الأربع الأخيرة 58.5 مليار دينار. وقد كشفت موجة البرد التي تجتاح البلاد هذه الأيام، المستور في عدد كبير من المؤسسات التربوية، من تدهور في الأقسام وغياب التهيئة والترميم لسنوات طويلة ببعض المؤسسات التي لم تعد صالحة تماما لاستقبال التلاميذ. ويعتبر عدم توفر التدفئة المشكل الأكثر خطورة هذه الأيام لما له من انعكاسات على تحصيل وتركيز التلاميذ وحتى على صحتهم. ومن بين المؤسسات التي بقي التلاميذ بها محرومين من التدفئة لسنوات، متوسطة محمود منتوري بالعاصمة، التي وقفنا على وضعيتها وسجلنا التدهور الكبير الذي آلت إليه المؤسسة، حيث لا وجود للجدار المحيط بها والذي يفصلها عن الشارع مما يجعل ساحتها ملجأ لبعض الشباب الغرباء عنها. وتؤكد أستاذة بالمؤسسة أن جميع الأقسام لا تتوفر على أجهزة تدفئة، في الوقت الذي يكتفي فيه المعلمون والأساتذة بقليل من الدفء خلال فترة الاستراحة بالقاعة المخصصة لهم حيث جلبوا مدفئة كهربائية صغيرة. ولم يخف التلاميذ الذين تحدثنا إليهم استياءهم من غايب التدفئة في الأقسام، حيث أكد لنا ''عماد'' - سنة أولى متوسط - أنه يتعمد ارتداء عدد من الأقمصة وقبعة صوفية وحتى القفازات ويحتفظ بها حتى داخل القسم هروبا من البرد القارس، بينما أكدت إحدى المراقبات أن التلاميذ الأكثر حظا هم الذين يدرسون في أقسام بنوافذ سليمة حيث يشعرون بشيء من الدفء بعد مرور فترة من دخولهم إلى القسم، بينما تتحول الأقسام ذات النوافذ المكسورة إلى ثلاجات حقيقية. وفي مؤسسات أخرى بالعاصمة، دفعت مشكلة التدفئة داخل المدارس أساتذة ومعلمين، إلى جلب سخانات من منازلهم، فيما قرر البعض الآخر الاحتجاج بالتوقف عن الدراسة والاعتصام أمام المؤسسات، مطالبين المعنيين بالتدخل الفوري لتوفير لتدفئة لهم، وأشاروا إلى أن الوصاية تعلن سنويا عن أموال ترصد لغرض التدفئة إلا أن في الواقع لا شيء تغير. جمعيات أولياء التلاميذ تدعو إلى ''محاصرة '' انعكاسات الاضطرابات الجوية من جهتها، أكدت رئيسة جمعية أولياء التلاميذ للعاصمة السيدة فضيلة خيار ل''المساء ''، أن أغلب المؤسسات التربوية تتوفر على أجهزة تدفئة. موضحة أن الأمر يتعلق بظروف مناخية استثنائية، وبالتالي فإن انعدام التدفئة في العديد من المؤسسات سببه إما الانقطاع المتكرر للكهرباء وأما لعدم تزويد العديد منها بالوقود بسبب انقطاع الطرقات. وأضافت المتحدثة أن مسؤولية التكفل بانعكاسات الاضطرابات الجوية سواء ن على المؤسسات التربوية أو غيرها، هي مسؤولية الجميع، وعليه لا بد من هبة تضامنية شاملة للتقليل من المعاناة ومساعدة خاصة المناطق المعزولة بسبب الثلوج ومعها المدارس طبعا. وأضافت أن جميع القطاعات الوزارية معنية بهذا الوضع. مشيرة إلى الدور الرئيسي الذي يجب أن تلعبه الجماعات المحلية في مثل هذه الأوقات العصيبة، ودعت في هذا السياق إلى إنشاء خلية أزمة على مستوى الحكومة للتكفل بالوضع ومحاصرته. أما نقابات التربية فدعت من جهتها وزير القطاع إلى الإسراع في توفير التدفئة في أقسام المؤسسات التربوية المتضررة بالعديد من الولايات، حيث أصبحت ظروف الدارسة بالنسبة للتلاميذ والتدريس بالنسبة للمعلمين والأساتذة لا تطاق، جراء موجة البرد التي أثرت سلبا على أداء الأساتذة والمعلمين والتلاميذ في أقسام الدراسة. وزارة التربية : الدولة وفرت كل الإمكانيات والمسؤولون المحليون مقصرون ومن جهته، يؤكد مدير التخطيط بوزارة التربية، السيد خوجة بلجلالي في تصريح ل ''المساء''، أن مهمة توفير التدفئة بالنسبة للمؤسسات الابتدائية، تعود إلى البلدية وإلى مديريات التربية والولاية بالنسبة للمتوسطات والثانويات. موضحا أن الدولة تتكفل بتوفير الأموال وكل الإمكانيات لتجهيز المؤسسات التعليمية وترميمها وصيانتها. وكشف محدثنا عن رصد الدولة ل 3,5 ملايير دينار لترميم المؤسسات التربوية وصيانتها، إضافة إلى ملياري دينار للتجهيز وتجديد التجهيزات بما فيها التدفئة، وذلك ضمن ميزانية التجهيز لسنة ,2012 بالإضافة إلى 14 مليار دينار للصيانة والتجهيز في 2010 و19 مليار دينار لسنة .2011 وبلغت الأموال المرصودة للصيانة بما فيها التدفئة خلال الأربع سنوات الأخيرة، أي بداية من ,2009 أزيد من 30,5 ملايير دينار، فيما بلغ ما رصد للتجهيز بما فيها التدفئة 28 مليار دينار. وبالنسبة للعاصمة وحدها، تم رصد في 587 ,2011 مليون دينار من ميزانية الدولة للترميم والصيانة، زيادة عن إعانة الولاية، فضلا عن 849 مليون دينار لتجديد التجهيزات بما فيها التدفئة. وفي هذا الصدد أشار ممثل وزارة التربية، إلى أن مشكل التدفئة أساسه محلي وانه على الجهات المعنية متابعة المسؤولين على مستوى الولايات، وعليه، فإن المراقبة يجب أن تكون عن طريق مديريات التربية والمفتشيات.