يعتبر الشاب محمدي جعفر البالغ من العمر 19 سنة، واحدا من النماذج الناجحة، والذي يستحق أن يكون قدوة لغيره من الشباب، كونه استطاع أن يقبل على تعلم العديد من الحرف حتى لا يظل مكتوف اليدين يفترسه الفراغ، لاسيما وأنه ترك مقاعد الدراسة مبكرا. ِلتقت''المساء'' بالشاب محمدي في معرض للصناعات التقليدية أقيم مؤخرا بمركز التسلية التابع لمؤسسة فنون وثقافة بأودان، حيث تفنن في عرض مجموعة متميزة من نعال ''البابوش'' النسائية والرجالية. وبمجرد أن طرحنا السؤال على الشاب محمدي حول حرفة صناعة الجلود وتحديدا ''البابوش''، استرسل في شرح مختلف الأنواع التي يتفنن بصناعتها، حيث قال: ''لدينا البابوش المعنقر، البابوش البسيط والبابوش الموزاييك،... ولكل نوع من هذه الأنواع طريقة خاصة في صناعته، ولديه أيضا رسوماته وألوانه التي تتماشى وشكله. ثم استطرد في الحديث قائلا: ''بعدما كان البابوش إلى وقت قريب من الأحذية التي يكثر الإقبال عليها من طرف النساء، بات الرجال مؤخرا أيضا يحبون هذا النوع من الأحذية، لاسيما مع حلول موسم الصيف''. وحول صناعة ''البابوش''، جاء على لسان محدثنا: ''يعد البابوش قطعة تقليدية كانت موجودة منذ القدم، وبحكم أنه ينتمي لعائلة حرفية، إذ يمتهن خاله صناعة الجلود، فوجد نفسه شغوفا لتعلم هذه الأخيرة، حيث قال: ''كثيرا ما كنت أقصد المكان الذي يعمل به خالي بعد الخروج من المدرسة، حيث أجلس إلى جانبه وأطلب منه تعليمي بعض الأمور، وكان عمري وقتها 12 سنة، غير أنني ملت كثيرا إلى إتقان عملية التقطيع والتفصيل على الرغم من خطورتها، بحكم أن من يتعامل مع آلة التفصيل ينبغي أن يتمتع ببعض المواصفات كالسرعة، الخفة، النباهة، لئلا تؤذيه الآلة. تمر عميلة صناعة ''البابوش'' بعدة مراحل، وفي كل مرحلة يشرف عليها شخص معين، وهذا يعني أن عملية صناعة ''البابوش'' لا تتطلب وجود حرفي واحد، ويعني أيضا أن هذه الحرفة، في حد ذاتها، تحمل في طياتها العديد من التخصصات التي يشرحها لنا محمدي قائلا: ''قد يخطئ البعض إن ضنوا أن حرفة صناعة ''البابوش'' تتم من طرف شخص واحد فقط، فبحكم تجربتي البسيطة في هذه الحرفة، تبين لي أن من يتعلمها لا ينبغي له أن يحترف جانبا منها، إن أراد أن يقدم عملا متقنا، فأنا مثلا أتمتع بالمواصفات التي تؤهلني لأتخصص في مرحلة التقطيع، بحكم أنني أتمتع بالخفة والسرعة وأجيد التعامل مع الجلد من حيث اختيار النوعية، ناهيك عن كوني أتحكم جيدا بآلة التقطيع. ويضيف قائلا: بعد هذه المرحلة يأتي التخصص الثاني المتمثل في جمع الأجزاء المفصلة وخياطتها، والتي ينبغي أن يبرع صاحبها فيها ليتحصل على ''بابوش'' خال من العيوب، ومن ثم تأتي مرحلة قولبة ''البابوش'' ودبغه ، وطبعه بمختلف الأشكال، بالنظر إلى طبيعة الشخص الذي ينتعله، سواء أكان رجلا أو امرأة، في هذه المرحلة تحديدا لابد على من يتولى عملية التزيين والتلوين أن يتمتع بنوع من الحس الفني، ليزيد في جمالية ''البابوش'' ويجلب الانتباه إليه أكثر، وهذا يعني أن حرفة صناعة ''البابوش'' حرفة جماعية. ولكن للتوضيح فقط، يستطرد محدثنا قائلا: ''هذا لا يعني أنني لا أستطيع أن أعد ''بابوشا'' بمختلف مراحله، ولكن مؤكد أن العمل لن يكون متقنا كما يجب، لأنني أعتقد أن لكل مرحلة خصوصياتها التي لن يبرع فيها إلا محترفها. من خلال اطلاعنا على أنواع ''البابوش'' التي تفنن الشاب محمدي في عرضها بجناحه، لاحظنا أنها غيبت إلى حد ما أصالتها، بحكم ما أدخل عليها من تعديلات؛ كإضافة الكعب العالي مثلا، وحول هذا قال الحرفي محمدي: إن ضرورة السوق وتلبية رغبات الزبائن كانت وراء جعلنا كحرفيين نبعد ''البابوش'' عن أصالته، ومع هذا، علق محدثنا بالقول: إننا نحرص على تلبية كافة الأذواق، فبالنسبة للفئة التي تميل إلى ما هو تقليدي، فنبرع في صناعة ''البابوش'' الأصلي البسيط الخالي من أي إضافات، سواء أكان موجها للنساء أو الرجال. أما بالنسبة للفئة التي تميل إلى العصرنة وتحب مواكبة الموضة، فنعدّ لها تشكيلة متميزة تجمع بين الأصالة والعصرنة من حيث الألوان والأشكال، خاصة أن بعض النسوة -تحديدا- يرغبن في أن يكون ''البابوش'' بكعب عال، وهي عموما آخر صيحات ''البابوش'' المقدمة في مجموعتنا. في الأخير، قال الحرفي محمدي جعفر: سيطرت على الفراغ الذي عشته بعد ترك مقاعد الدراسة بتعلم بعض الحرف منها الرصاصة، وحصلت على شهادة في صناعة الحلويات، غير أنني وجدت نفسي في صناعة الجلود وتحديدا ''البابوش''، وأعتبر كل هذه الحرف مكسبا لي، وأنصح كل الشباب بالإقبال على تعلم مختلف الحرف، لأنها كنز ثمين.