لم تبق لحرفة إعداد الأحذية التقليدية سوى أياما قلائل حتّى تختفي عن الوجود كلّية من ولاية وهران بعدما كانت رائدة في هذه المنطقة، لاسيما بحي البدر (بيتي)المشهور بهذه الصناعة التي تراجعت في العشر سنوات الأخيرة والتي أطلق عليها هؤلاء الحرفيون إسم العشرية السوداء، لأنّها قضت على العديد من العائلات وأدخلت أربابها الى عالم البطالة بعدما كانت هذه الحرفة مصدر رزق تقتات منه العديد من الأسر الوهرانية، التي ورثت هذا الشغل أبا عن جدّ، وخلقت في نفسية كلّ واحد منهم شعور حبّ هذه الحرفة التي نستطيع أن نقول عنها أنّها ركبت القطار المتّجه نحو طريق الإندثار والزوال من ولاية تكون في حقيقة الأمر العاصمة الثانية من حيث إبتكار صناعة الأحذية التقليدية، بما فيها »البابوش« وهو عبارة عن نعل مغطى منه ما هو خاص بالرّجال ومنه ما هو خاص بالنساء، هذا فضلا عن »الفاسية« وهي نعل ترتديه النّساء فقط، عليه طرز جميل جدا. - أصل النشاط... تلمسان وكما ذكرنا آنفا أنّ الباهية هي ثاني ولاية من حيث إبتكار هذه الأحذية التي تأسست في ولاية تلمسان بعدما نقلها الأندلسيون إليها بعد ذلك نقل التلمسانيون هذه الحرفة إلى المغرب، أين أطلق عليها المغاربة أسماء خاصة بهم وتفنّنوا في صناعة هذه النّعال، في الوقت الذي يعمل فيه جيراننا على توسيع صناعة هذه الأحذية التقليدية وتطويرها، نعمل نحن على قتلها يوما بعد يوم من خلال مجموعة من القوانين تمّ تطبيقها على هاته الفئة من الحرفيين الذين تمّ إدخالهم بالقوّة في المجال الصناعي بالرغم من أنّهم يقومون بإنجاز هذه الأحذية بواسطة أيديهم، ولا يستخدمون أي ماكنات تذكر. وفي ذات الشأن أبرز رئيس جمعية صناعة الأحذية التقليدية السيد »بلعيدي حفيف« أنّ هناك أكثر من 700 حرفي في مجال صناعة الأحذية التقليدية أوصدوا أبواب ورشاتهم إذ منهم من غيّر مهنته ومنهم من طرق أبواب البطالة، هذه الظاهرة التي لا ترحم أحدا بل تسفر عن ظواهر وآفات خطيرة جدا على مجتمعنا، وحسب محدثنا أنّه وبعد أن كان عدد هؤلاء الحرفيين لا يحصى بل يقدر بالآلاف، تقلّص حسبه في السّنوات الأخيرة وأضحى يعدّ على أصابع اليد، وذلك حسب مصدرنا يعود لأسباب متعدّدة، لخّصها نائب رئيس الجمعية السيّد »هواري صبري« في العديد من النقاط أهمها دخول الجزائر الى السوق العالمية الحرّة، وفتحها المجال أمام الإنتاج الصيني، هذا الأخير الذي غزى السوق الجزائرية علما أنّ الأمر لا يقتصر على صناعة الأحذية فقط وإنّما باقي المنتوجات الاخرى، لكن ومن خلال موضوعنا تم اختيار جانب واحد من هذه الصناعة فقط والمتمثل في صناعة الأحذية والتي كما ذكرنا في الأسطر الأولى من موضوعنا أنّها في طريق الزوال. - حاويات الفقر! وبالتالي فالصينيين أضحوا ينافسون تجار الأحذية الجزائريين من ناحية الإنتاج، وفي ذات السياق أوضح محدثنا نائب رئيس الجمعية السيد صبرى هواري بأنّه يطلق على الحاويات التي تحمل في طياتها الأحذية الصينية إسم »حاويات الفقر« كونها ساعدت على زحف ظاهرة الفقر الى العديد من بيوت من كانوا رائدين في مجال صناعة الأحذية التقليدية. أما العامل الثاني الذي ساعد في تراجع هذه الحرفة فيتمثل في غياب الإمكانيات المادّية لعرض ما بقي من الحرفيين لسلعهم، فهناك منهم من يبيع سلعته فقط خلال المعارض التي يتم تنظيمها من حين لآخر، هذا كما ذكر من جهته السيد بلعيدي حفيف بأنّ اليد العاملة المتخصصة في ميدان صناعة الأحذية التقليدية غائبة تماما، مضيفا بأنّ كلّ من يتشجع ويدخل عالم صناعة الأحذية التقليدية سرعان ما يتركه وذلك حسبه لأنّ هذا الشّاب يأخذ نظرة عن الحالة الصعبة التي يمارس فيها صنّاع الأحذية نشاطهم، وفي نفس السياق أبرز محدّثنا أنّه في ظلّ غياب اليد العاملة المتخصصة أضحى معظم الحرفيين في ميدان صناعة الأحذية يشغلون أبنائهم، بحيث إتكلّوا عليهم أوّلا في نقل الحرفة للأجيال وكذا المحافظة على هذا الموروث، وفي ذات الشأن دائما أكدّ محدثنا بأنّ تلقين دروس كيفية إنجاز الأحذية التقليدية على مستوى مراكز التكوين المهني منعدمة تماما وهو الأمر الذي ساعد حسبه على إندثار هذه الحرفة فضلا عن إنقراض اليد العاملة المتخصصة. هذا كما طرح الحرفيون مشكلا آخر يتمثل في امتلاكهم للبطاقة الدالة على أنّهم صناعيين لا حرفيون، وهو الأمر الذي دفع الكثير منهم ينشطون في هذا المجال بطريقة غير شرعية هروبا من دفع الضرائب المفروضة عليهم والتي ضربت قيمتها السّقف، بحيث حددها مصدرنا بنسبة 17٪ وهو الأمر الذي يرفضه هؤلاء الحرفيين مبرّرين ذلك في كونهم حرفيين لا صناعيين حتّى تفرض عليهم الضرائب. - مشاكل لا تحصى...!!! مشكل آخر طرحه صنّاع الأحذية بولاية وهران والمتمثل في شرائهم للمادة الأوّلية لاسيما منها الجلد بطريقة غير رسمية وبدون أية فواتير ناهيك عن عائق آخر يتمثل في غياب التسويق لبيع سلعهم. وفي ذات السياق طالب ممثلو صنّاع الأحذية التقليدية على مستوى ولاية وهران من السّلطات المعنية بضرورة إعفائهم من الضرائب، ناهيك عن منحهم بطاقة الحرفي بدلا من إدماجهم مع الصناعيين كونهم لا يستخدمون أي آلات لدى خياطتهم للأحذية وإنّما يتكلّون على أيديهم فقط، بالإضافة الى ذلك يطالب هؤلاء الحرفيون بضرورة فتح تخصص صناعة الأحذية التقليدية بمراكز التكوين المنتشرة على تراب الباهية خاصة والولايات الأخرى عامة كون ولاية وهران سبّاقة في هذا النشاط وحسبهم أنّه وبتلقين هذه الحرفة للشباب فإنّ هذا الموروث يسترجع مكانته التي كان عليها في السابق، فضلا عن ذلك فإنّ هذه المبادرة ستقضي على شبح البطالة الذي يداهم العديد من أبنائنا زيادة على ذلك تقلّل من عملية الإستيراد التي أنهكت خزينة الدولة. أمّا عن رابع مطلب نادى به صنّاع الأحذية التقليدية فيتمثل في مطالبتهم بمحلات مهنية تقيهم من ظاهرة الإستئجار التي أغرقتهم في الديون مع ملاك المحلاّت ومن جهتهم الحرفيون تخوّفوا كثيرا من إندثار هذه الحرفة يوما بعد يوم مثلما جرى عليه الحال للفراش الوهراني والذي يطلق عليه في عاميتنا إسم »البورابح« وما تجدر الإشارة إليه أن صناعة الحذاء الواحد تتم عبر العديد من المراحل التي تعتبر جد متعبة كونها تحتاج إلى التركيز والدقة في العمل، فأوّل خطوة يقوم بها الحرفي هي التوجه الى مصمّمي الأحذية بغية إختيار الموديل المناسب والذي يلائم السوق والموضة معا، إذ يتراوح ثمن الموديل الواحد من 4500 دينار جزائري الى 12 ألف دينار، أمّا ثاني خطوة فتتمثل في إشراء الحرفي لقالب الحذاء منها ما هو محلّي والذي يبلغ ثمنه 1500 دينار جزائري، ومنها ما هو مستورد (إسباني) والذي يقدر ثمنه ب 3500 دينار جزائري، ثالث مرحلة يلجأ إليها صانع الأحذية هي إقتناء الجلد، والذي يتضمن نوعين المحلي والمستورد، علما ان الجلد المحلي ذو لونين فقط وهما الأسود والبني، أما المستورد فتختلف ألوانه اذ يجمع العديد من الألوان، وللعلم أنّ الجلد يباع بالقطع والتي تحسب بالقدم، إذ يقدر ثمن 100 قطعة جلد ب 20 ألف دينار جزائري، فضلا عن ذلك وخلال المرحلة الرابعة يقوم الحرفي بشراء مادة جدّ أساسية يطلق عليها إسم »سالبان« وهي عبارة عن قطعة تشبه مادة الخشب قابلة أو بالأحرى سهلة لشد المسامير، اذ يقتني الصانع قطعة واحدة كبيرة يبلغ ثمنها 260 دينار جزائري للقطعة الواحدة. - خبايا وخفايا وفي ذات الشأن تعتبر مادة التبطين هي الأخرى مادة أساسية والتي يتم وضعها داخل الحذاء منها ماهي مصنوعة من الجلد والتي يتم شراؤه بالقطعة والتي تقاس بالقدم، اذ يقدر ثمن القطعة الواحدة 550 دينار جزائري، ومنها ما يستخدم فيها نوع آخر من الجلود، أقل درجة من النّوع الأوّل والذي يقدر ثمن المتر الواحد منه 300 دينار جزائري، بالاضافة الى هذه المواد التي تعتبر أثمانها باهضة الثمن يقتني الحرفي المسامير ومادة الغراء هذه الأخيرة التي يوجد منها ماهي خاصة بأسفل الحذاء (LA SEMELLE) ويطلق عليه إسم الغراء الخاص إذ يصل ثمنه إلى 1300 دينار جزائري للدّلو الواحد الذي تقدر سعته 4 لترات هذا فضلا عن الغراء العادي الخاص بأشغال الخياطة والذي يقدر سعر الدّلو الواحد منه (4 لترات) 1100 دينار جزائري، كما يحتاج هذا الحرفي إلى مادة توضع في مؤخرة ومقدمة الحذاء حتّى تزيده قساوة نوعا ما، بحيث يبلغ سعر القطعة الواحدة 300 دينار جزائري تضاف إليها مادة خاصة حتّى تصبح صلبة بالإضافة الى كلّ هذا يتم إقتناء الطبقة السفلى من الحذاء (LA SEMELLE) والتي تختلف هي الاخرى أنواعها إذ يتراوح ثمنها ما بين 100 و250 دينار جزائري، فضلا عن هذه الأدوات يحتاج الحرفي الى الإبر والخيط. أما فيما يخص نعل البابوش أو الفاسية فهو يحتاج الى التزيين في الواجهات سواء لدى السوريين أو الجزائريين، علما أنّ ثمن البابوش الخاص بالرجال يقدر ب 850 دينار جزائري، أما نعل الفاسية الخاص بالنساء فيبلغ ثمنه 600 دينار جزائري. وللتنبيه أنّ هنالك بعض الموديلات التي يقوم بتصميمها اللّحام أي أن قالبها يصنع من مادة الحديد ويعتبر ثمنها باهضا مقارنة مع الموديلات الاخرى، اذ يصل ثمن الموديل الواحد 15 ألف دينار جزائري. - الحذاء الصيني ليس بالخطير! وعن الإشاعات المروّجة حول الأمراض الجلدية التي يسببها الحذاء الصيني تقرّبنا من أخصائية في أمراض الجلد الدكتورة عياط بلبشير جميلة التي أوضحت بأنّ الأحذية الصينية كغيرها من المنتوجات الاخرى، إلاّ أنّ الأمر الوحيد الذي يعتبر خطرا على الأفراد يتمثل في المواد المضافة لهذه الأحذية وهي على سطح البحر أي لدى نقلها من بلدها الأصلي (الصين) الى الجزائر والمتمثل في بعض أنواع المواد الكيمياوية. هذا فضلا عن مادة محافظة أيضا يطلق عليها إسم (D.I.M.F) وقد أفادت محدثنا بأن (D.I.M.F) مادة خطيرة جدا على الجلد وقد تم منع إستيرادها في أوروبا نهائيا نتيجة الأعراض الفتّاكة التي تتسبب فيها علما أن هذه المواد يتم إستخدامها للمحافظة على الأحذية من الرطوبة، هذا وقد أبرزت ذات المختصة في أمراض الجلد بأن الأمر لا يقتصر على هذه المواد فقط، وإنما حتّى الأحذية المحلية قد تسبب الحساسية وذلك من خلال المواد المستخدمة في إعدادها أيضا والمتمثلة في الدباغة، الجلد، الغراء، ناهيك عن البلاستيك زيادة على ذلك يؤثر ضيق الأحذية هو الآخر بصفة عامة على الرجل، وللعلم أنّ الأعراض التي يمكن أن يحدثها الحذاء اذا تمّ إضافة له المواد الكيميائية تتمثل في الإيكزيما، سخونة الرجل، التعرّق، الحساسية، الفطريات، وللإشارة أنّ الأمر لا يقتصر على الإصابة في الرّجل فقط وإنّما كامل الجسم. ومن جهتها الدكتورة عياط بلبشير جميلة صرّحت بأنّها تنصح جميع الأفراد بشراء الحذاء الأكثر راحة وبدون كعب فضلا عن ذلك الذي يحتوي على جلد من النوعية الرفيعة كما نصحتهم بأخذ الحيطة والحذر من مخلفات الموضة. فيما أكدّ أحد الكيميائيين والذي قام بإجراء تحليل على الحذاء الصيني أنّ هذا الأخير خال من أي شوائب تذكر وهو كغيره من الأحذية الاخرى، مبرزا بأنّ هذه مجرد إشاعات تمّ ترويجها للاطاحة بالمنتوج الصيني الذي غزى السوق نتيجه أسعاره المعقوله بالرغم من نوعيته الرديئة، وفي ذات السياق أفاد محدثنا بأنّ المواد الكيمياوية المصنوع منها هذا الحذاء عادية جدا ولا تسبب أي أضرار على الفرد، مضيفا بأنّه بما أنّ هذا الحذاء دخل بصفة قانونية فلا عيب فيه، كونه يخضع لمراقبة النوعية المطابقة للمواصفات. وبالتالي ما نستطيع أن نضيفه ضمن إستطلاعنا هو أنّ الحياة بدأت تعود ولو بصفة متثاقلة إلى صنّاع الأحذية نتيجة الإجراءات التي إتخذتها الدولة الجزائرية حيال المستوردين والتي تتمثل في رفع نسبة الضرائب الخاصة بهم، فضلا عن إخضاعهم لإجراءات صارمة من حيث المتابعة والمراقبة. لكن وحتّى تستعيد هذه الحرفة نورها من جديد ينبغي على السلطات الوصية أن تنظر في أمورهم بعين الإعتبار لاسيما منها بطاقة الصناعي التي ينبغي تحويلها الى بطاقة حرفي كون نشاطهم يعتمد على اليد لا الماكنات هذا زيادة على إعفائهم من الضرائب التي أنهكت جيوبهم، وأفلست العديد منهم... وللعلم أنّ هذه الجمعية تنطوي تحت لواء الإتحاد العام لجمعيات التجار والحرفيين لولاية وهران.