استضاف العدد الأخير من ''موعد مع الكلمة''، الكاتب والإعلامي بوزيان بن عاشور، الذي استعرض جوانب من تجربته الإبداعية... اللقاء الذي احتضنه نادي الإعلام الثقافي بالأطلس، كان مناسبة لإثارة واقع الكتابة المسرحية والأدبية عندنا، وكذا التطرق إلى الممارسة الصحفية وعلاقتها بالإبداع. استهل الضيف رحلة حديثه بذكرياته الجامعية التي تعود الى بداية السبعينيات حيث كان طالبا بجامعة وهران (قسم علم الاجتماع)، وشكلت الفترة من حياته الى حد كبير شخصيته ورسمت خياراته المستمدة من الفترة التي كانت تعيشها الجزائر مع الراحل بومدين، وأول تلك الخيارات والقناعات، العدالة الاجتماعية. منذ بداياته التقنى بوزيان بكبار المسرحيين العرب وعلى رأسهم المغربي الطيب صديقي، الذي علمه أن المسرح إبداع قبل أن يكون تلقينا أو توجيها لرسائل ما، فالمسرحي عنده ''ليس مجرد ساعي بريد''. بدأ بوزيان مشواره المهني بالعمل الصحفي (القطاع العمومي) الى غاية اكتوبر ,1988 في هذه الفترة التي يقول عنها ''تخليت عن بعض الأفكار التي كنت أومن بها، لأنني اقتنعت أنها أكبر مني، وبالتالي، فإن تبنيها سوف لن يضيف لي أو لغيري شيئا''. بالنسبة للمسرح، فقد كان ركنا أساسيا في حياة بوزيان لاعتبارات كثيرة، أولها الاعتبارات الإنسانية، فغالبا ما يرتبط هذا الفن بقيم التسامح والحب والتضامن والتعاون، ومن يمارس هذا الفن حتما سيكون حاملا لهذه القيم. بدأ بوزيان حياته المسرحية كممثل لكن نجمه لم يلمع ربما - كما قال - لنقص ومحدودية موهبته، لقد توصل مبكرا إلى فهم هذه الحقيقة ليتجه بعدها إلى الكتابة المسرحية ويصدر العديد من المؤلفات الخاصة بالمسرح الجزائري وليكتب العديد من المسرحيات التي تبنتها العديد من مسارح الوطن. فيما يتعلق بالمؤلفات الخاصة بالمسرح الجزائري، قال بوزيان ''حضرت العديد من المهرجانات المسرحية العربية، واكتشفت ان العديد من البلدان العربية لها مئات المراجع عن مسارحها بعضها سلم لي قناطير من هذه الكتب لأحملها معي إلى الجزائر الى درجة أنه ثقل عليّ حملها معي في الطائرة، خاصة ذات مرة وأنا برفقة الممثلة صونيا وامحمد بن قطاف، هذه التجربة العربية خلقت بداخلي روح الحماسة وجعلتني أعاتب نفسي بالقول لماذا لا نوثق نحن لمسرحنا؟''. انطلق بوزيان في الكتابة عن المسرح الجزائري ليس من منطلق التأريخ المحض، ولكن باعتباره شاهدا على مراحل عاشها مسرحنا الجزائري، فكتب عن مرحلة ''المسرح الجزائري قبل ,''1988 ثم ''المسرح الجزائري بعد ,''1988 وهنا طرح الضيف مشكل نقص المراجع الخاصة بالمسرح الجزائري الذي يواجهه أي باحث، إذ أن كل ما كتب عن مسرحنا لا يتجاوز ال 25 مرجعا أغلبها لكتاب فرنسيين أو ألمان أو مصريين، في حين لا يوجد إلا مرجعان جزائريان، إضافة إلى مذكرات بشطارزي التي تكاد تكون مفقودة. جل ما كتب عن مسرحنا - يشير بوزيان - هي كتابات أكاديمية نظرية موجهة لوسط علمي معين، أما البحوث والكتابات الميدانية (الممارسة) فتكاد تكون نادرة. استعرض بوزيان تجربة الراحل علولة المسرحية، والتي أصبحت مدرسة هذا المسرحي المعروف بثلاثية ''القوال'' ''الأجواد'' '' اللثام''، حيث كان مسرحه بصمة في فترة السبعينيات والثمانينيات وكان رائدا، ومع ذلك يقول بوزيان ''انتقده رغم أنه كان أستاذي وأسقطت صفة الصنم عنه''، مؤكدا أنه ليس أول من ابتكر الحلقة فقد سبقه إليها كاكي، إضافة الى أطر مسرحية أخرى''. انتقد بوزيان علولة (صاحب المسرح الملتزم)، وكان هذا الأخير مدير المسرح وهران، ورغم ذلك أنتج في أيامه مسرحية ''صياد الملح'' المختلفة تماما عن مدرسة علولة وعن نمطه الإبداعي، لكن يبقى علولة دوما الإنسان العظيم بأخلاقه. عن حركة ''التجديد'' التي يعيشها المسرح الجزائري، أشار بوزيان إلى أنها حركة متسرعة، عليها أن تضبط نفسها في إطار مهني واحترافي. وأضاف إن التسرع في التجديد خلق الرتابة وجعل كل العروض متشابهة، ومما زاد المشهد تراجعا هو تخلينا عن تقاليدنا المسرحية، أي تخلينا عن سيادة النص، وبالتالي صعب تصنيف هذه الحركة التجديدية الخارجة عن إطار حركة الرواد (بشطارزي علولة وغيرهما)، وهنا يصدق مثلنا القائل أن الغراب ''تلف مشيته'' عندما قلد ''مشية الحمامة''. وأوضح أن بعض ''التجديديين'' لهم مشاركات في مهرجانات المسرح التجريبي مثلا، وهم غير ملمين بقوانين هذا المسرح، والأدهى أنهم يحصلون على جوائز تزيد الطينة بلة، ومن حسن الحظ أن الواقع المسرحي ليس كله مظلما، وهذا بفضل الجمعيات المسرحية المغمورة المنتشرة عبر الجزائر العميقة والتي تعمل بعيدا عن الضوضاء والغرور. أما الحركة النقدية المسرحية، فأشار الضيف إلى أنها محتشمة وأقلامها قليلة على الساحة. مستعرضا النقد المسرحي قبل فترة ,1988 حيث كانت هناك 10 أقلام لامعة في النقد المسرحي على دراية عالية بأب الفنون منها نجيب اسطنبولي الذي كتب عن المسرح ومارسه، وكذلك شنيقي المتخرج من مدرسة برج الكيفان وله ثقافة مسرحية راقية. كما يؤكد بوزيان أن من لا يحسن الكتابة الصحفية أو الأدبية، أكيد أنه لا يحسن النقد. من جهة أخرى، ثمن الضيف الحركة النقدية المسرحية على الجرائد المكتوبة بالعربية عكس المكتوبة بالفرنسية. من المشاريع الأخيرة لابن عاشور بوزيان، تأليفه لمسرحية ''ناس مشرية'' التي تكفل بإنتاجها مسرح تيزي وزو الجهوي جل طاقمها من وهران (ماعدا واحد من تيزي وزو)، ويقول في هذا الشأن ''تخوفت من المغامرة، خاصة وأن المسرحية مكتوبة بلغة مشابهة للشعر الملحون، ومسرح تيزي وزو غير متعود عليها، لكنها أنجزت بامتياز ويجري حاليا ترجمتها الى الأمازيغية''. هناك أيضا ''كارمان''، وهي من التراث المسرحي العالمي أعادتها المسارح العربية، ما عدا الجزائر، لذلك قرر بوزيان تجسيدها ببصمة جزائرية، إذ تروي قصة امرأة فاتنة ذات جمال اسطوري يتنافس عليها الرجال، أحدهم ييأس من استجابتها ومن فرط حبه لها يقتلها، وكذلك الحال بالنسبة لكل شيء نفرط في حبه إلى درجة أننا نصاب بالعمى فنقتله حتى ولو كان وطننا. ''كارمان'' تتضمن الكثير من الممثلين والأغاني وهي مصنفة كملحمة طلبتها عدة مسارح جهوية والديوان الوطني للثقافة والإعلام لكن لم يصدر القبول الرسمي بعد. في رصيد ابن عاشور بوزيان الأدبي 8 روايات بعضها نشر بالجزائر والآخر بفرنسا، بالمناسبة اشتكى الضيف من مشكل ا لتوزيع بالجزائر الذي قد يحرم قراءه منه، خاصة بالنسبة للكتب الصادرة بفرنسا. بوزيان انتهى مؤخرا من كتابة رؤية ''قمر''، وهي قصة واقعية تعرف على بطلها في مهرجان الأغنية البدوية بتسمسيلت، حيث رأى بوزيان هذا الرجل يقرأ بإحساس عال شعرا جميلا ألفه، فدنا منه ليسأله كصحفي ''كيف تقرأ بهذا الإحساس وأنت تحمل سلاحا وتعمل كأحد أعوان الحرس الذاتي؟''، ليجيبه بقصته المؤلمة ''أنا من منطقة القواسم المحافظة، خطبت فتاة من خارج القبيلة رفضتني عائلتها ومع تدخل الأعيان قبلت، ويوم الزفاف تهجم الإرهاب على موكب العروس وخطفها، فقررت الثأر وعبرت عن احزاني شعرا«. هناك روايات جديدة مستمدة من الواقع الذي يعيشه بوزيان الصحفي بجريدة ''الوطن''، من خلال الربورتاجات التي ينجزها كقصة قرية ''غسول'' بالبيض التي تجمع رفات شهدائها وتقرر تنظيم مهرجان كبير تدعو إليه السلطات كي تطالبهم بإنجاز بعض المرافق، لكن الأمطار الطوفانية تقضي على المشروع. هناك رواية ''حلابة'' وهي قصة عاشق يفتن بصوت إذاعي يظنه أنثويا ليكتشف أنه رجل وأنه أخوه. للتذكير، فإن بن عاشور أصدر سنة 2000 روايته ''عشر سنوات من الوحدة''، عبارة عن شهادات خاصة بفترة الإرهاب والتي هددت حياة النخبة خاصة صحفيين، فنانين...) وجعل من راوي النص أمرأة وجدت نفسها تفقد كل شيء. وقد أشار الى أن الرواية تحمل ملامح من الواقع وهي مادة اولية للمؤرخين. يصدر الضيف أيضا شخصيات ''تاقورة'' وهو مجموعة مقالات اصدرها بالتناوب مع الراحل جاوت على صفحات ''ألجيري أكتواليتي''، عبارة عن بورتريهات لفنانين، مع الإشارة إلى أن بوزيان جمع 15 بورتريها فواصل تحقيقه من خلال إدراج بورتريهات أخرى وصلت 167 خاصة بمغنين وموسيقيين محليين وشعراء من من سنة 1900 مع طيطمة حتى الفنانة ياسمين عام 2000 مع الالتزام بكل الطبوع، وإظهار صور هؤلاء، والكتاب مترجم إلى العربية والإنكليزية. للتذكير، فإن بن عاشور بوزيان تحصل على جائزة محمد ديب لسنة 2011 عن روايته ''حريق'' المستمدة من تحقيق صحفي انجزه بمغنية. الضيف مسرحي وناقد وصحفي يعشق الكتابة ويصر على التميز.